عندما نصلي السبحة الوردية، نتأمل مع العذراء مريم - أم الله - في أسرار الوردية المقدسة وهي أسرار الفرح، أسرار النور، أسرار الحزن، أسرار المجد، أسرار غنية بالفوائد الروحية، لأنها تجمع كل المحطات المهمة في حياة يسوع على الأرض : ولادته، حياته، آلامه وصلبه وقيامته وصعوده إلى السماء

عندما نصلي السبحة الوردية، نتأمل مع العذراء مريم - أم الله - في أسرار الوردية المقدسة وهي أسرار الفرح، أسرار النور، أسرار الحزن، أسرار المجد، أسرار غنية بالفوائد الروحية، لأنها تجمع كل المحطات المهمة في حياة يسوع على الأرض : ولادته، حياته، آلامه وصلبه وقيامته وصعوده إلى السماء.

وهكذا نسعى للإتحاد به، إذ هو غاية التجسد الإلهي، ونقتدي بحياته، فنسيرعلى طريق الكمال، الذي مهده لنا بتجسده قائلاً: " كونوا كاملين ، كما أن اباكم السماوي كامل"( متى 5 : 48 )

ونحقق بذلك أيضا رغبته الملحة لنا للصلاة : " إسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة" ( مرقس 14 : 38 ) ، وأيضا " صلوا ولا تملوا ".

بالصلاة نقوي حياتنا الروحية ونقاوم كل التجارب التي تهاجمنا لتبعدنا عن يسوع معلمنا ومخلصنا. بالصلاة التي نرفعها بخشوع وتواضع وإيمان وثقة مع العذراء مريم إلى الله وإبنه المتجسد،  ننال النعم الغزيرة ونلتمس شفاعة مريم البتول القوية لدى الله.

بصلاة المسبحة الوردية نشارك كل من يتلوها بتقوى، ونقدمها لأجل ارتداد الخطأة إلى التوبة، وعلى نية إحلال السلام في العالم أجمع وخاصة في الشرق الأوسط، ووقف الحروب والإرهاب والعنف، والمجاعات، والكوارث الطبيعية، والأمراض الخبيثة ونقدمها على نية كل المسئولين في الكنيسة، والمسئولين على الأمن والأمان والسلام في العالم، الرؤساء والحكام، وعلى نية كل السياسيين ليخدموا بضمير حي الأوطان ويقودوا الشعوب إلى ميناء السلام ويمنحوهم الكرامة والحياة الرغيدة.

نصلي من أجل الدعوات الكهنوتية والرهبانية، ولأجل تحقيق الوحدة بين الكنائس، وأيضاً على نية جميع المرضى والمتألمين والمحرومين والمسافرين، ولأجل جمع شمل كل عائلة مفكًكة في العالم، وأخيرا على نية الموتى المؤمنين الراقدين على رجاء القيامة.

نطلب من الله أن يقبل صلاتنا ويمنح النفوس العطشى كنوزه الروحية، فنتخذ جميعاً شفاعة أُمنا العذراء مريم، ونقتدي بفضائلها، هي التي لم تخذل أحدا قط إلتجأ إليها بثقة، ومحبة بنوية، وإلتمس من الله شفاعتها، إلا ولبت كل حاجاتنا الروحية والزمنية، بشرط ألا تتعارض خلاص نفوسنا.

بارك يا رب، بشفاعة سلطانة الوردية المقدسة أعمالنا ونوايانا ولتكن لمجد اسمك القدوس وخلاص النفوس...

نسيم الأماكن

ويبقى السؤال يراودني ويتقاذف إلى مُخيلتي:” لماذا هذا الرحيل المفاجئ؟!” فلا أجد الإجابة عليه، وكل ما أفعلهُ هو الاكتفاء بالصمت وسط الألم الصارخ!”. مُتألم يكلم نفسهُ ببضع كلمات حديث كان، لا يسعهُ المكان اليوم رغم وسعهِ، أنهُ ألم يهتف بما يوخزهُ ما بين الحين والآخر؟! شعرَ بشوق وحنين يجتاح دواخلهُ، أشعرهُ بضيق في صدرهِ  وحزن وتنهدّ، لملمّ بعضهِ الذي يشتاق لبعضهِ، وبعضهُ الذي يشتاق لها، والبعض الآخر المُتبقي الذي يسكنهُ، ذاهبًا بهما للمكان الذي يحنّ لهُ دومًا ويرتاح فيهِ، أنهُ أفيونهُ الذي يغيبهُ عن حالتهِ لبعض الوقت ليعيش زمانًا كان ما يزال فيهِ يعيش حيًا!وما بين سماء شبه رمادية وبحر رمادي مُتقاذف الأمواج، يكون هو بينهما ساكن، جالس على الصخرة التي طالما كانت زمان بالنسبة لهما الجنة التي يتقابلون بها، كانت مسكنهما المعهود. جلس ومدَّ عينيهِ للبعيد البعيد للأفق المائل إلى السواد، علْ بعض البوح يخفف مما يجتاحهُ ويزورهُ بدون استئذان! ناظرًا للموج المُتلاطم والمُتهافت على رمال الشاطئ بعينًا سارحةٍ! ترى إلى ماذا ينظر، وما الذي ينتظرهُ من هناك؟! أيأمل في عودة من غابَ بدون ميعاد؟! أيعقل أن يكون الأمل المنشود في داخلهِ؟! أم هي الحيرة في داخلهِ هي من تقودهُ؟!أخذهُ التفكير وبعدها مدّ جسدهُ على الصخر وبسط يديهِ حدّ حدودها، مُسدلاً قدميهِ للموج، مُستسلمًا أمام البحر ليأخذه مع أصوات موجهِ إلى من يفكر بها ويقلقهُ رحيلها فجأة! ناظرًا للغيم الرمادي الراحل رويدا رويدًا مع الريح المسافر في الفضاء. نظر إليه وتمنى أن يكتب عليها شوقهُ وشجنهُ وقبلاتهِ وعناقهِ لتصلها إلى حيث هي! وأخيرًا وسط هذه الأجواء ووسط ما عزفتهُ في داخلهِ، جعلتهُ يستسلم ويسدل عينيهِ عن عالمهِ ليرحل إلى عالمها الذي يعج بداخلهِ بكل ذكرياتها، مُعانقًا عطرها، كلماتها، همساتها، لمساتها، نبرات صوتها، عتابها، جنون حبها، يتذكرها وتحل هي بأعماقهِ بكل ما يحملهُ حلولها.  ولكن بينهُ وبين نفسهِ يقول: أحلامي ضرب جنون، وجنوني لا أمل لهُ! وبينما هو يكلم نفسهِ بكلمات، حلم بسفينة عائدة بعد غياب تحمل على متنها من هم إلى الروح أقرب، رستْ على الشاطئ وهي الأخرى رستْ عند عتبة قلبهِ! فلمحها بعينيه وهي تنزل منها بخفة خطواتها وتركض إليهِ بلهفة وصوت الخلخال يرنُّ في رجلها، واصلةٍ إليهِ وماسكة يديهِ وهامسة في إذنهِ بحرارة دفء صوتها:” اشتقت لك، وعيني لم تنمُّ قريرة منذ أن فارقتك، اشتقت لكَ وقلبي لم تنتظم دقاتهِ منذ أن غادرتكَ، حياتي سادّ فيها الصخب منذ أن فارقتك عيني، اشتاق بعضي الباقي لبعضي الآخر الذي يسكنك، أنا بدونك لا أكون، ببساطة أنا أنتَ”.        صوتها الحنون بمُجردّ دخولهِ مسامعهِ لامسّ وجدانهِ وداعب روحهُ وجعل دقات قلبهِ تتضارب من تهافت نغمات صوتها عليها وشعر برغبةٍ بأن يطير بها، وشعر بالحياة تدبّ فيهِ من جديد، وشعر أن المكان لا يسعّ حجم سعادتهِ …. شعور لا ينتهي! نظر إليها نظرة عاشق ولهان وقال لها:” أنا وأنتِ لنْا ذكرى لن ننساها ما حيينا، وحتى المكان وذلك المقعد شاهد والشمس حاضرة رغم غيابها اليوم". داعبتْ الابتسامة شفتيها ولامست شغاف قلبهِ برسمتها وأراد أن يأخذها بالأحضان، ولكن ما إن حاول ذلك حتى فاق وعرف أنهُ كان على أرض الأحلام يجول ويبحث فيها عما لا يجدهُ في واقعهِ! حلم وتمنىّ ولكن أمواج البحر حققت فقط رغبتهِ على شواطئ الأحلام وتركتهُ يعيش لحظات هي كانت لهُ حياتهِ وعمرهِ الذي يتمناه!مع الأسف كان حلم جميل زارهُ في لحظة جوع الروح! كل بقعة من تلك الأماكن التي تحمل رائحة الماضي العطرة، تحمل ذكريات موثقة سواء كان بين ثناياها وفضاءها أو في الذاكرة، كلما رحل إليها من لهُ مكان فيها أضاءت جنبات النفس واستعرضت أمامهُ ما هو مخزونًا في الذاكرة ومنقوشًا في القلب. وتبقى بعض الأماكن نسيمها عنبر وبيلسان، لكن الانتظار فيها يُدمي! هي ذكرى، انتظار، وحدة، تفكير، همسة، عتاب، هلوسة، جنون …. الخ، هي مشاعر صادقة ووفية لأبعد حدّ مُرتبطة بالمكان الذي فيهِ شهد أجمل اللحظات وأجمل عمر وأجمل صمت وأجمل أنفاس وأجمل صوت وأجمل صدق مشاعر. ذلك المكان الذي تربىّ بين أحضان اثنين يبقى عنوان لهما يعودان إليهِ كلما هبّ الحنين وأراد أن ينتعش في داخلهما. أماكن تدقّ القلوب لتعيش فيها وتعطرها بعبق رحيقها، فللأماكن أرواح كروح من زارها ونقش فيها مكانهُ وأسكن حبهُ، وكلما حنّ واشتاق رحل إليها وجلس بين ما تحملهُ ليعيش ويعيد الأنفاس إلى النفس لتحيا.