شرّفني الدكتور سخنيني بالتقديم لكتابه الجديد : "مقاتل المسيحيين: نجران 523م والقدس 614، وصفحات أخرى من تاريخ التنكيل اليهودي بهم"، ويتحدّث عن صفحات، لا أقول حزينة، على الرغم ممّا فيها من دماء وموت، بل صفحات شكلت بذاراً لانتشار ديانة سماوية، لم تستطع قوى البطش والظلام أن تئدها في مهدِها ، بل ما زالت تسير إلى اليوم بتناغم  ووئام مع شقيقاتها الديانات الأخرى ومع كل الناس من ذوي النوايا الحسنة.

يسرد الكتاب " مقاتِل " المسيحيين – أي المجازر بحقهم- في العصور الأولى، وبخاصة على أيدي اليهود الذين لم يستسيغوا أن تنشأ ديانة جديدة تشكل تهديداً لوجودهم . وهكذا، مشبعين بعقلية رفض الاخر والرغبة بإلغاء الاخر وافنائه، عمدوا الى قتل " المعمّدين " والتنكيل بهم في كل من نجران، البلد العزيز الذي حوى بين جنباته العديد من المسيحيين منذ العصور الاولى (مجزرة نجران 523م)،  وصولاً الى مدينة القدس الشريف، وهي مركز الديانة المسيحية، وأم الكنائس جميعها، التي شهدت كذلك شتى أصناف التنكيل والمحارق (مجزرة القدس 614م).

تتبعت الكتاب ليس بصفة المراقب للعقائد المذكورة، وانما بنهم الجائع والعطش إلى معرفة الجذور ليس فقط للمسيحية وانما أيضاً للعربية. وليس هنالك من تناقض في الفخر ما بين كون الإنسان عربياً وكونه مسيحياً في آن واحد. وهو أمر لربما يشكل رسالة تعزية وتشجيع الى مسيحيي اليوم الذين ما زالوا في المشرق العربي يضربون مثلاً تلو المثل في العيش المشترك مع أخوتهم المسلمين، مهما تعرّضوا له أحياناً من أعمال تهجير على أيدي اليهود ذاتهم، كما في القدس وسائر القرى والمدن الفلسطينية، أو كذلك على أيدي أفراد وفئات تعادي المجتمع ككل، وتلبس رداء الدين وهو منها براء.

ومع السير في الكتاب من صفحة الى أخرى، ومن قطرة دم الى أخرى، وبين مظاهر التنكيل والرغبة في الإفناء تسطع رُهم بنت أزمع، المرأة الفولاذية والأرملة المتحلية بألوان الصبر والإيمان، والتي قتل زوجها في نجران على مرأى من عينيها وعيون بناتها الثلاث، وقبل ذهابها الى الموت راضية مرضية، تنطق بخطبة قلّ نظير جرأتها وتنشر لأوّل مرّة بالعربية، وانّها لخطبة فصيحة، تصلح لأن تدرج في مناهج الأدب والبلاغة. ويا ليت " لا عنفها " يكون حافزاً لعصرنا الحالي في أن تكون هذه السياسة دعوة الى وقف إراقة الدماء والعنف من أي طرف، وبالأخص تلك التي تُرتكب باسم الدين وفي النظر إلى أتباع أي دين آخر أنهم أعداء، وهم في  الحقيقة أصدقاء بل أخوة وأخوات يعملون جنباً الى جنب في خدمة المجتمعات العربية، بل والإنسانية جمعاء.

ألف تحية لأساتذة جامعاتنا المبدعين، ومنهم الدكتور سخنيني. وانني وفيما أقدّم لكتابه الجديد الرائع لأشكره على تواضعه أولا، وعلى غزارة فكره، وعلى حيادية تأريخه، وعلى سعة علمه، وعلى جرأة مؤلفاته. باركه الله تعالى، وبارك مسعاه، وكلل أمنياته وأمنيات قرائه وطلابه بالنعم والخيرات.   

وكلمة أخيرة لا بدّ منها : يأتي هذا المقال ، بعد أيام قليلة من احتفالات الفصح لدى الكنائس الشرقية، في القدس الشرقية ، وقد حاولت سلطات الاحتلال منع العديد من المؤمنين – حتى بالقوّة- من الوصول الى كنيسة القيامة للاحتفال بالعيد. ما أشبه اليوم بالأمس ... ويبدو انّ مسلسل التنكيل له حلقات معاصرة ...

Abouna.org@gmail.com

في مقابلته العامة مع المؤمنين البابا فرنسيس يتحدّث عن الروح القدس

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول: إن الزمن الفصحي الذي نعيشه بفرح هو بامتياز زمن الروح القدس الذي وُهب “بغير حساب” (يوحنا 3، 34) من يسوع المصلوب والقائم من الموت. وزمن النعمة هذا يُختتم بعيد العنصرة الذي من خلاله تعيش الكنيسة مجددًّا حلول الروح القدس على مريم والتلاميذ المجتمعين في العليّة بالصلاة.

كلمة البابا فرنسيس للاتحاد الدولي للرئيسات العامات: السلطة الحقيقية هي الخدمة

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء في قاعة بولس السادس بالفاتيكان الراهبات المشاركات في الجمعية العامة للاتحاد الدولي للرئيسات العامات، ووجه كلمة حيا فيها الكاردينال جواو براز دي أفيز عميد مجمع الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية، شاكرا الجميع على ما يتمّ فعله كيما تكون الحياة المكرسة على الدوام نورًا في مسيرة الكنيسة. وتوقف الأب الأقدس من ثم عند كلمات يسوع لتلاميذه في العشاء الأخير “لم تختاروني أنتم بل أنا اخترتُكم”، وقال إن هذه الكلمات تذكّر الجميع، لا الكهنة فقط، بأن الدعوة هي دوما مبادرة من الله. فالمسيح دعاكن لاتباعه في الحياة المكرسة، ما يعني “خروجا” دائما من الذات كيما ترتكز حياتكن على المسيح وإنجيله، ومشيئة الله، فتستطعن القول مع القديس بولس “فما أنا أحيا بعدَ ذلك، بل المسيحُ يحيا فيَّ”. وإذ ذكّر بموضوع الجمعية العامة “خدمة السلطة بحسب الإنجيل”، شدد البابا في كلمته للاتحاد الدولي للرئيسات العامات على أهمية عبادة الرب وخدمته في الإخوة والأخوات، وذكّر بمركزية المسيح والهوية الإنجيلية للحياة المكرسة، وتوقف من ثم عند الطاعة كإصغاء لمشيئة الله يحركه الروح القدس، وعند الفقر كتخل عن كل أنانية بحسب منطق الإنجيل الذي يعلّم الاتكال على عناية الله، وعند العفة كموهبة ثمينة تعطي أبناء روحيين في الكنيسة. وأكد البابا فرنسيس في كلمته ضرورة عدم نسيان أن السلطة الحقيقية هي الخدمة، وقال إن بندكتس السادس عشر ذكّر الكنيسة غير مرة، وبحكمة كبيرة، بأن السلطة هي بالنسبة لله، وعلى الدوام، خدمة وتواضع ومحبة، وتعني الدخول في منطق يسوع الذي ينحني ليغسل أرجل التلاميذ، وتوقف عند كلمات يسوع بحسب إنجيل متى “مَن أرادَ أن يكون كبيرًا فيكم، فليكُن لكم خادمًا”. وأشار البابا في كلمته إلى الضرر الكبير الذي يلحقه بشعب الله، رجال ونساء في الكنيسة “يستعملون” الشعب، الكنيسة، الأخوة والأخوات، كوسيلة لمصالحهم الشخصية وطموحاتهم الخاصة، وشدد الأب الأقدس بالتالي على أهمية أن تترافق ممارسة السلطة مع المساعدة والمحبة، ومعانقة الجميع لاسيما الأشخاص الذين يشعرون بأنهم وحيدون ومهمشون، ودعا للنظر دوما إلى الصليب حيث بذل الرب نفسه. وأكد قداسة البابا فرنسيس في ختام كلمته للراهبات المشاركات في الجمعية العامة للاتحاد الدولي للرئيسات العامات أن دعوتهن موهبة أساسية لمسيرة الكنيسة، وأشار لأهمية إعلان الإنجيل والشهادة له، وشجع الجميع على إتباع إنجيل المسيح بثقة وفرح.