نتعرف في هذه المقالة على مكانة الناصرة في حياة يسوع وتأثيرها الإيجابي على العائلة التي تريد ان تحيا بدورها برنامج الملكوت في واقعها المعيش، من خلال تجسيد قيم هذا البرنامج، في نهجها التربوي.
١- مكانة بلدة الناصرة
بعدما عاد يسوع الى الناصرة (آية4)، المهد الاول للبشارة اﻷولى، حيث هناك اعلنت مريم ارتباطها وانتمائها الى برنامج الله، بقولها “النعم” للملاك، فحبلت بقدرة الروح القدس فأعطتنا ثمرة أحشائها يسوع المسيح. وهناك ايضا في الناصرة عاش وتربى يسوع زهاء ثلاثين سنة قبل إن ينطلق نحو العالم ويعرّف الناس على برنامج الله الخلاصي، فتعلّم اولا في بلدته الناصرة على حقيقة اﻹنتماء الى المكان والزمان، اي الواقع، واقع الناس، فمارس التقاليد والعادات التي كانت متّبعة، وهو بدوره اي يسوع، علّم يوسف ومريم ، حقيقة معنى اﻹنتماء الى اﻷبدية في الزمان والمكان. لهذا صارت عائلة الناصرة نموذجا لكل عائلة تريد ان تنتمي الى برنامج الله المحبة، انطلاقا من تجذرها في بلدتها وقريتها ومدينتها ووطنها
٢- الناصرة والملكوت
وها هو الآن يكافىء يسوع عائلته مع جيرانه وأقاربه ومجتمعه المحلي، بإعلانه لبرنامج الخلاص الذي اطلقه من بلدته الناصرة (آية 16- 18)، الهدف، افتداء الواقع اﻹجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني، بقدرة الحب الفادي، الذي به وفيه ومعه ومنه، تتنقى الحرية بنور الحقيقة في المحبة، وتتقوى العدالة بقوة المغفرة (آية 19- 18)، فيصبح التضمان عنوان لكل لقاء وعلاج لكل مشكلة، وبرنامج لكل عمل هادف.
٣- المواطن والناصرة
نتعلم من يسوع، حقيقة المؤمن – المواطن الصالح. الذي ينقل بحضوره الفاعل قيم اﻹيمان الى بيئته، ليجعل منها فسحة حرية ومسؤولية، مسخّرا طاقاته ومواهبه لحماية الخير العام وصون القيم، عبر احترام القوانين وخير الاشخاص، وتوطيد العلاقات وتقوية اواصر الود والألفة والتضامن بين الناس، مناهضا كافة اشكال الفساد والعنف، وذلك بروح الانتماء الى القانون واحترام مقدس لقيم الكتاب المقدّس، انه ارتباط الروحي بالعملي، النظري بالتطبيقي، بوحدة لا تنفصم، انه برنامج العائلة.
٤- برنامح كل عائلة
فكما اعلن يسوع برنامج الخلاص في بلدته الناصرة، هكذا على العائلة ان تعلن بدورها برنامج الحب في قريتها وبلدتها ومدينتها ووطنها. برنامج ينطلق في تجسيد القيم الانجيلية بواقع الحياة الأسرية، ينطلق من بعدين:
– الاول، محبة الأزواج لبعضهم البعض؛ قبول الاختلافات؛ حل الصراعات بروح المحبة، بعيش الاصغاء؛ حسن التدبير المنزلي؛ كيفية ادخار الاموال؛ احترام القانون الطبيعي للشخص البشري الذي وضعه الله الخالق في الرجل والمراة،؛ الدفاع عن قدسية الحياة وحماية البيئة. انها علاقة حب مثالها محبة يسوع الفدائية لكنيسته العروس.
– الثاني، محبة لا تقبل بالقليل، بل تبغي الكثير، بذل للذات دائم يتجلى في محبة عملية لله من خلال تربية الذات والاولاد على الفضائل الروحية والإنسانية وممارسة فعّالة لقيم الحياة الروحية من صلاة وممارسة الاسرار وتجسيد كلمة الله في المواقف والافعال، وعيش التضامن داخل الاسرة، والتربية على روح المشاركة، فعندها تصير العائلة كلها مشهدا للملائكة والبشر، أي ان كافة افرادها هم: مؤمنون ملتزمون؛ مواطنون صالحون متجذرون في واقعهم المعيش؛ ينتمون الى برنامج الملكوت ويشركون الاخرين بقيم الملكوت، اعظمها المحبة في الحقيقة.
٥- مسؤولية الأهل
ان التربية لا تحكم بنمط مزاجي الاهواء ومتقلب الاتجاهات وغير مستقر ويتأثر بالموضة والصرعات، بل على التربية الحقيقية ان تتحول الى نمط ونهج ثابيتين منفتحين في مسيرة تتجه بأكلمها نحو هادف واحد اي خلاص النفوس. من هذا المنطلق، يتحتّم على الازواج ان يفكروا مليا بوضع برنامج يسوع داخل برنامجهم التربوي الخاص، وإشراك اولادهم فيه، فعندها يصبح المربي بشركة مع المُتربى علاقة تفاعيلة بامتياز، في اتجاهين منفتحين (القديس البابا يوحنا بولس الثاني) وذلك بهدف عيش القداسة، اذ لا يمكن ان نوكل مهمتنا التربوية الى وسائل الاعلام، او الجيران او حاضنة الاطفال… التربية مسؤولية.
خلاصة
إن نجاح البلدة والمجتمع والوطن مرتهن بمدى انتماء العائلة الى رعيتها وبيئتها وبلدتها ووطنها، ومدى ممارستها لإيمانها في حياتها اليومية وقبولها لعادات وتقاليد تنقل لها حكمة الحياة المختبرة (البابا فرنسيس).
برنامج كله محبة في الحقيقة، هدفه الوحيد، تقديس العالم بروح المحبة الفدائية.
يا يسوع علمنا كيف نكون مؤمنين مواطنين صالحين.
يا سلطانة العائلة تضرعي ﻷجلنا.
يتبع…