1. تحتفل الكنيسة اليوم بعيد تجديدها، كما كانوا في العهد القديم، وفي أيام الربّ يسوع، يحتفلون بعيد تجديد الهيكل ومدينة أورشليم، بعد تدنيسهما من الأعداء الفاتحين. لكنّ المسيح بنى هيكلًا جديدًا بموته وقيامته، وهو جسده السّري أي الكنيسة المدعوّة أيضًا “هيكل الله وسكناه” بين بني البشر، وهو كذلك الإنسان المؤمن نفسه الذي أصبح بدوره “سكنى الله” على ما قال الربّ يسوع: “مَن يحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه وإليه نأتي، وعنده نجعل لنا منزلًا” (يو14: 23). هذه هي أبعاد كلمة الربّ في إنجيل اليوم: “خرافي تسمعُ صوتي، وأنا أعرفُها، وهي تتبعُني” (يو10: 27).
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بأحد تجديد البيعة، بعد أن احتفلنا في الأحد الماضي بعيد تقديسها وهو الاحتفال بالحضور الإلهي فيها، وبالقدّيسين من أبنائها وبناتها، الذين يتلألأون في مجد الآب. فأعلنّا إيماننا، إيمان بطرس: “أنت المسيح ابن الله الحيّ” (متى 16:16)، وقد جعله يسوع بمثابة صخر عليه بنى الكنيسة، فلا تقوى عليها قوى الشّر، الخارجية والداخلية.
أمّا اليوم، فنحتفل بتجديد انتمائنا إلى الكنيسة، “هيكل الله” التي تجعل منّا “هياكل روحية لله”، بقوّة كلمة الإنجيل ونعمة أسرار الخلاص، وحلول الروح القدس فينا. كما نجدّد التزامنا بقداسة الكنيسة، كخرافٍ لراعٍ واحد، هو المسيح الإله فادي الإنسان ومخلّص العالم.
3. إنّا، إذ نرحّب بكم جميعًا، نحيي بنوع خاص معالي وزيرة المهجرين الرئيسة القاضية أليس شبطينيوعائلتها وقد ودّعنا معها بالأسى الشديد ابنها المحامي الدكتور سيريل، كما نحيي السيد يوسف الياس الجميلوأسرته وهي أيضًا شاركناها بالألم في وداع زوجته المرحومة سلوى الحاج بطرس. إننا نجدد التعازي لهاتين العائلتين العزيزتين، ونذكر في هذه الذبيحة المقدسة المرحومين سيريل وسلوى، راجين لهما الراحة السعيدة في الملكوت السماوي.
4. “خرافي تسمعُ صوتي…وتتبعني” (يو10: 27).
حوار يسوع مع اليهود تميّز بحوار الحقيقة والمحبة، أمّا حوارهم فبالجدال الرافض والسيّئ النيّة. حوار يسوع قائم على أعماله. فعندما سألوه، عن سؤ نية: “إذا كان هو المسيح” (يو10: 24)، أحالهم على أعماله التي يجريها باسم أبيه الذي “مسحه”، كرّسه، وأرسله إلى العالم” (يو10: 36). وعاتبهم لأنّهم لم يؤمنوا به، وبالتالي لم يجعلوا ذواتهم من خرافه التي تسمع صوته وتتبعه.
5. يعلّمنا الربّ يسوع بجوابه هذا، أن نتجنّب الكلام عن نفوسنا، بل أن نبيِّن بالأفعال والأقوال حقيقة ذاتنا، وانتماءنا إلى المسيح والكنيسة، وحضارتنا المسيحيّة؛ وأن يكون كلامنا واضحًا، شفّافًا، غير ملتبس، هو هو في الخفاء وفي العلن.
ويعلّمنا أنّ سماع صوته يعني الطاعة لِما يقول لنا ويدعونا إليه، بكلام الإنجيل، وتعليم الكنيسة، وإلهامات الروح القدس، وبقراءة أحداث حياتنا وعلامات الأزمنة. والسماع المطيع يقتضي إتّباع المسيح في المسلك والموقف والمبادرات. عندها نصبح أخصّاءه الذين يحتضنهم ويحرسهم ويحافظ عليهم كما يقول:”أنا أعرف خرافي، وهي تتبعني، وأنا أوتيها حياة أبدية، فلا تهلك أبدًا، ولا يختطفها أحد من يدي” (يو 10: 27-28).
6. هذا الكلام معزٍّ ومشجِّع لكلّ المعتدى عليهم والمهجّرين والنازحين والمخطوفين والمجروحين في كراماتهم وقداسة حياتهم. فالمعتدون يتمكّنون من هدم بيوتهم، لا من تدمير إيمانهم ورجائهم وارتباطهم العضوي بالمسيح ابن الله. فهو بتجسّده وموته وقيامته اتّحد نوعًا ما بكلّ إنسان، من أيّ لون وعرق وجنس ودين كان. وكوننا متّحدين به، فنحن متّحدون بالآب أيضًا:”أنا والآب واحد” (الآية 30).
7. الكنيسة، كمجتمع منظّم في عنصرها البشري والمادّي، مدعوّة لتتجدّد بكلِّ مكوّناتها، برعاتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها، وبأبنائها وبناتها المؤمنين العائشين في العالم. كلّهم مدعوّون ليكونوا فيه مثل “الخميرة في العجين” (متى 13: 33) و”الملح في الطعام“(متى 13: 5). والكنيسة مدعّوة أيضًا، بمؤسّساتها الدينية والتربوية والاستشفائية والاجتماعية، إلى التجدّد وفقًا لتعليم الإنجيل وروحه.
التجديد ضرورة بعد تشويه وجه الكنيسة والمسيح، بارتكاب الخطايا، وإهمال الواجبات، والإحجام عن فعله تجاه الإخوة في حاجاتهم الروحية والمادية والثقافية. والتجديد يقتضي توبة صادقة، ومصالحة، وانطلاقة بالتزام جديد.
8. هذا التجديد، بكلّ مفاهيمه كضرورة وتوبة ومصالحة، واجب أيضًا على الجماعة السياسية عندنا في لبنان، بعد تشويهه سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وبيئيًّا، حتى تفكيك المؤسّسات من خلال إحداث الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى منذ سنة وستّة أشهر، وبالتالي تعطيل المجلس النيابي، وشلّ عمل الحكومة، وتغطية الفساد العارم في المؤسّسات العامة، وهدر المال العام. والأدهى من ذلك تشويه وجه المواطن اللبناني بإفقاره وتجويعه وتهجيره وامتهان كرامته.
9. ولا بدّ لنا، بحكم واجبنا الوطني، كبطريركيّة مارونيّة، من أن ننبّه إلى أمر خطير للغاية. لقد علمنا من الجهات ال
مالية والاقتصادية المختصّة أن هذا التراكم في شلّ المؤسّسات أصبح يشكِّل خطرًا داهمًا على الاستقرار النقدي والمالي في لبنان، وذلك بسبب تخلّف المجلس النيابي عن واجبه الأساسي بانتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي التسبّب بتعطيل دوره في التشريع.
لذا، ندعو القوى السياسية والمجلس النيابي القيام بإجراء تقني يسمح بمعالجة هذه القضية المالية التي تفاقمت حتى على صعيد المجتمع الدولي، والتي قد تؤدّي، كما علمنا، إلى أزمة تفوق بكثير الأزمة السياسيّة الراهنة، إذا لم تُسنّ لها القوانين المطلوبة من المجتمع الدولي منذ خمس سنوات. وفي كل حال، يجد المجلس النيابي نفسه أمام أولويات وضرورات وطنية ينبغي أن يتم درسها وتحديدها والاتفاق عليها من قبل جميع الأطراف السياسية من دون الوصول إلى تشنّجات وتعقيدات تعطيلية وتفسيرات طائفية ومذهبية ومن دون فرضها فرضًا. ففي ظل الفراغ الرئاسي لا يمكن التشريع بشكل عادي، ولا الخلط بين الضروري الوطني وغير الضروري، وبالتالي لا يجوز انقسام المجلس وتعطيل كل شيء.
فلماذا مثلاً التردد بشأن البت في مشروعي قانون هما مطلبان وطنيان تصرّ عليهما كتل سياسية ونيابية مثل:درس قانون جديد للانتخابات مطروح أصلاً في اتفاق الطائف، ومشروع اقتراح قانون معجّل مكرّر خاص بتحديد شروط استعادة الجنسية المقدم منذ 2001. ولماذا عرقلته بإدخال موادّ تختص باكتساب الجنسية.فاستعادة الجنسية شيء ولها قانونها، واكتساب الجنسية شيء آخر يجب وضع قانون خاص به.
ومع قلقنا على عدم حلّ القضية المالية العاجلة التي تنذر بالخطر على الأمن القومي في البلاد، فإننا نشدّد مرّة أخرى على التقيّد بالدستور، معتبرين أنّ أولويّة العمل في المجلس النيابي تبقى انتخاب رئيس للجمهورية.
إننا نصلي لكي يمسّ الله ضمائر المسؤولين السياسيّين، فيتجرّدوا من مصالحهم الخاصّة، ويتحرّروا من المواقف التي تأسرهم، ويضعوا في أولويات اهتماماتهم حماية الجمهورية لكي يسلم الجميع.
وإذ نجدّد إيماننا ورجاءنا بالله سيّد التاريخ، نرفع نشيد المجد والتسبيح للإله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
* * *