البيلاجية والغنوصية هي تجارب الكنيسة الكبرى في أيامنا. ما كان مقصد البابا فرنسيس عندما ذكر هاتين التجربتين، اللتين تأخذان اسمهما من بدعتين قديمتين تعودان للعصور الأولى، كنموذج للتجارب التي تواجهها الكنيسة اليوم، وبشكل خاص الكنيسة الإيطالية التي تجتمع هذا الأسبوع في مؤتمر ضخم لتدارس خطواتها وخياراتها المستقبلية؟
لقد شرح البابا عينه، في خطابه أمام ممثلي المؤتمر اليوم، معنى خياره لهاتين الكلمتين.
البيلاجية هي عندما تعيش الكنيسة هويتها بكبرياء وبعدم اكتراث وتقوم بذلك وكأنه فعل خير وفضيلة. فالبيلاجية تجعلنا نضع ثقتنا في البُنى البشرية، في المنظمات، في البرمجة المتكاملة وهي كذلك لأنها مجردة وغير عملية. وتحملنا البيلاجية لاختيار أساليب ترتكز على السيطرة، القساوة والقوننة. فالقوانين والمراسيم هي بالنسبة للبيلاجيين وسيلة لكي يشعروا بأنهم أهمّ وأرفع من غيرهم. أما العقيدة المسيحية، فهي ليست بنية مجردة ومُغلقة غير قادرة على إيلاد أسئلة وتساؤلات، بل هي واقع حي يعرف أن يُقلقنا ويُحيينا. لها وجه غير قاسٍ وجسد يعرف أن يتحرك وأن ينمي، لها لحم ودم طري: واسمه يسوع المسيح.
الكنيسة تعرف أنها في تجديد وإصلاح مستمر وهي غريبة عن البيلاجية. ولذا دعا البابا الكنيسة الإيطالية أن تسمح للروح أن يهب فيها بقوة وأن يُقلقها لكي لا ترتعد أمام الحدود والعواصف، بل لكي تكون كنيسة حرة ومنفتحة على تحديات الحاضر، وأن لا تعيش الموقف الدفاعي خوفًا من أن تخسر شيئًا ما.
أما التجربة الثانية فهي الغنوصية. والغنوصية تحمل على الثقة بالفكر المنطقي والواضع، وهو وليد نموذج إيماني مبني على الفردية وغير منفتح على تسامي الإيمان المسيحي. وهو لا يعرف أن يعيش البعد العملي للإيمان بل يبقي كل شيء في إطار الفكر المجرد، يبني على الرمل ويبقي فكرة مجردة وصافية تتدهور فتضحي حميميةً عقيمة.
الفرق الأساسي الكامن بين التسامي المسيحي وأي نوع من الروحية الغنوصية هو سر التجسد. فالتجسد هو عنصر التمييز في إيماننا.
هذا وطلب البابا إلى الأساقفة أن يكونوا رعاة ببساطة وأن يكون هذا مصدر فرحهم. واعدًا إياهم بأنهم إذا عاشوا هذه الأمانة، فالشعب سيكون دعمهم. وحضهم قائلاً: “لا تسمحوا لشيء ولأحد أن ينزع منكم فرح سند شعبكم. فكرعاة، لا تكونوا حملة تعاليم معقدة، بل مبشرين بالمسيح، المائت والقائم في ما بيننا.
ودعا في المقابل الكنيسة الإيطالية إلى الانتباه إلى الفقراء وإلى إدراج الفقراء في المجتمع، لكي يكون لهم موضع مميز في شعب الله. فخيار الفقراء التفضيلي هو عنصر أساسي في المحبة المسيحية، بحسب ما يشهد لنا تقليد الكنيسة.
كما وحض الكنيسة إلى عيش معمق للحوار واللقاء لتخطي منطق “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان” وللولوج في منطق الإنجيل، منطق الأخوة الحقة.