في تمييز إرادة الله في حياتنا لا بد أن نوقن بوضوح أنه “إذا كان من ناحية أمر لا بد منه أن إرادة الله تتطلب منا تضحيات حقيقية لكي نحققها، بالمقابل، في عمق أعماقها، إرادة الله لا يمكن إلا أن تتطابق مع نمونا الأمثل ومع سعادتنا الكاملة. وكذلك أيضًا فإن نمونا المتكامل لا يمكن إلا أن يتطابق مع إرادة الله بشأننا”[1]. لا بل إن القديس بولس يعلمنا بأن الله بالذات هو “الذي يعمل فيكم الإرادة والعمل في سبيل رضاه” (فيل 2، 13).
ماذا يقول بولس لنا في قوله هذا؟ يقول لنا أن رغباتنا العميقة، تلك التي نشعر بأنها تمثلنا بأكمل وجه، هي مسنودة من الله وأننا، إذا ما تمكنّا من تحقيقها، فذلك لأننا مسنودين بنعمة وإرادة الرب. فبينما يملأنا العدو بأوهام لا يمكن تحقيقها بغية تشتيتنا عن التزاماتنا الآنية، “الرب الصالح – كما تذكرنا تريز الطفل يسوع – لا يلهم رغبات لا يمكن تحقيقها”[2].
إن الرغبات التي يلهمنا بها الرب، لا تشتت كياننا بل تجمعه، تجعلنا متجسدين بشكل أفضل، تحقق كياننا وواقعنا. عندما يقبل الإنسان دعوته العميقة، التي هي رغباته الأصيلة والأعمق، يشعر بقوة النعمة وزخمها ويدرك أنه خارج هذا المحور الكامن في إرادة الرب لا محور آخر له[3].
في مسيرة التمييز، يشبه الإنسان بهلوانًا يسير على الحبل المشدود، يتقدم بفن متعلمًا أن يجعل وزنه يعمل لمصلحته، مستعينًا أيضًا بتوجه الريح، بتحرك أعضائه، بالحركة المعاكسة لعصا التوازن. وفقد من خلال الممارسة والتمرس يتعلم أن يحصل على التوازن. هناك أمر أكيد: التقدم يساعد على الحصول وعلى الحفاظ على التوازن، بينما التسكع يجعل المرء يفقد التوازن.
هذا ويذكرنا بالتزار أن الله بالذات يدخل في لعبة التوازن هذه لأنه “عندما يفكر الرب بقداسة شخص ما، يأخذ بعين الاعتبار طبيعته، قواه وإمكانياته”، وفي الوقت عينه يتصرف كفنان يستعمل الألوان المتوفرة على لوحته بحرية. لا يمكننا أن نعرف مسبقًا أية ألوان سيستعمل، وأي لون سيستعين به حتى يكاد يستهلكه كله، بينما اللون الآخر يكاد لا يلمسه[4]. المهم هو أن نعرف أن ندرك إبداع الله وأن نكون طيّعين له، وهذا هو الجزء الصعب من التمييز الفكري.