إن كلمة الله تخاطبنا في أعماق قلبنا. ويقول لنا الله اليوم بأننا ملكه. هو صنعنا، ونحن عائلته، وسيكون دومًا إلى جانبنا. لا تخافوا –يقول الله-: قد اخترتكم أنا، وإني أفيض بركتي على ذرّيتكم (را. أش 44، 2 – 3).
لقد سمعنا هذا الوعد في القراءة الأولى. يقول الرّب بأنه سوف يُفيضُ المِياهَ على اليَبَس، في أرضٍ عطْشى؛ وسوف يجعل أبناء شعبه ينبتون كالعشب وكالصفصاف الأخضر. نحن نعلم بأن هذه النبوّة قد تحقّقت في فيض الروح القدس يوم العنصرة. ونرى أنها تتحقّق أيضًا حيثما يُبَشَّرُ بالإنجيل وأينما تنضمّ شعوب جديدة إلى عائلة الله، إلى الكنيسة. وإننا نبتهل اليوم لأنها قد تحقّقت في هذه الأرض. فقد أصبحنا جميعنا، بفضل التبشير بالإنجيل، أعضاءً في العائلة المسيحيّة الكبيرة.
إن نبوّة أشعيا تدعونا إلى التطلّع إلى عائلاتنا وإلى إدراك أهميّتنا في تدبير الله. لقد تمتّع مجتمع كينيا منذ فترة طويلة ببركة حياة عائليّة صلبة، واحترام عميق لحكمة الشيوخ ومحبّة الأطفال. إن صِحّة أيّ مجتمع كان تتعلّق دومًا بصحّة الأُسَر. وإيماننا بكلمة الله يدعونا، من أجل خيرهم ومن أجل خير المجتمع، إلى مساندة الأُسَرِ في رسالتهم الاجتماعية، لقبول الأطفال كبركةٍ لعالمِنا، وللدّفاع عن كرامة كلّ رجل وامرأة، لأنّنا كلّنا أخوة وأخوات في الأسرة الإنسانية الواحدة.
إننا مدعوّون أيضًا، طاعةً لكلمة الله، إلى مقاومةِ ممارساتٍ تُشجِّعُ العجرفةَ لدى الرّجال، وتَجرحُ أو تحتقرُ النساء، ولا تراعي الشيوخ، وتهدّدُ حياةَ الأبرياء الذين لم يولَدوا بعد. إننا مدعوّون إلى الاحترام والتشجيع المتبادلين، وإلى بلوغِ جميعِ المعوزين. فلدى الأُسَر المسيحيّة هذه الرسالة الخاصة: أن تشعّ محبّة الله وتنشر ماء روحه الحيّ. إن هذا مهمّ جدًّا في يومنا الحاضر، لأننا نشهدُ نشأةَ صحارى جديدة خلقتها ثقافةُ الأنانيّة وعدمِ الاكتراثِ بالآخرين.
يقطعُ الرّبُ وعدًا ثانيًا في قراءات اليوم. كالرّاعي الصالح الذي يقودنا على دروب الحياة، هو يعِدُنا بالإقامةِ في بيته على مدى الأيام (را. مز 23، 6). هنا أيضًا، نرى بأن الوعد قد تمّ عبر حياة الكنيسة. ففي المعمودية، هو يقودُنا إلى مياه الراحة وينعشُ نفوسنا؛ وفي سرّ التثبيت، يمسحُنا بزيتِ الفرح الروحي والقوّة؛ وفي الإفخارستيا، يُعِدُّ لنا وليمةً، وليمة جسده ودمه من أجل خلاص العالم.
إننا بحاجة إلى عطايا النعمة هذه! والعالم بحاجة إلى هذه العطايا! وكينيا بحاجة إلى هذه العطايا! فهي تقوّينا في أمانتنا وسط المحن، حين نبدو وكأننا نسير “في وادي ظلال الموت” (را. مز 23، 4). ولكنها تُغَيِّر أيضًا قلوبنا. إنها تجعلُ منا تلاميذًا أكثر أمانةً للمعلّم الإلهي، وآنيةَ رحمةٍ ولطفٍ مُحبّ في عالمٍ مجروح بالأنانية والخطيئة والانقسامات. إنها العطايا التي من خلالها، يجعلكم الله، بعنايته الإلهية، رجالَ ونساءَ إيمانٍ، قادرين على المساهمة في بناء وطنكم، في الوئام المدنيّ والتضامن الأخويّ. إنها عطايا يجب المشاركة بها بشكل خاص مع الشبيبة الذين يشكّلون، هنا كما في أماكن أخرى من هذه القارة العظيمة، مستقبلَ المجتمع.
أُناشِدُ هنا، في قلب هذه الجامعة، حيث يتمّ إعداد عقول وقلوب الأجيال الصاعدة، شبابَ الأمّة بشكل خاص. لتُرشِدكُم قيمُ التقاليد الأفريقية الكبيرة، وحكمةُ وحقيقةُ كلمة الله، ومثاليّةُ شبابكم السخيّة، في التزامكم بتكوين مجتمع يكون أكثر عدالةً وشمولا واحترامًا لكرامة الإنسان. ولتبقى حاجات الفقراء دومًا ضمن اهتماماتكم، وارفضوا كلّ ما يقود إلى الأحكام المسبقة وإلى التمييز، لأن هذه الأمور –ونحن نعرف ذلك- ليست من الله.
كلّنا نعرفُ جيّدًا المَثَلَ الذي أعطاهُ يسوع عن الرجل الذي بنى بيته على الرّمل بدل الصّخر. عندما عصفت الرياح، سقط البيت وكان سقوطه عظيمًا (را. متى 7، 24 – 27). الله هو الصّخر الذي نحن مدعوّون إلى أن نبني عليه. فهو يقوله لنا في القراءة الأولى ويسألنا: “هَل مِن إِلهٍ غَيري؟” (أش 44، 8).
عندما يؤكّد يسوع، وهو قائم من بين الأموات، في إنجيل اليوم: “إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض” (متى 28، 18)، فهو يقول لنا بأنه -ابن الله- هو نفسه الصخر. ما من أحد غيره. فهو يريد، كمخلّص البشريّة الأوحد، أن يجذبَ إليه رجالَ ونساءَ كلّ زمانٍ وكلّ مكان، كي يأتي بهم إلى الآب. فهو يريدنا جميعًا أن نبني حياتنا على أساس كلمته المتين.
لهذا السبب، بعد قيامته من الأموات وفي ساعة عودته إلى الآب، قد أوكلَ يسوع إلى رسلِهِ بالمهمّةِ الرسوليّةِ الكبيرة التي سمعناها في إنجيل اليوم: “اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به” (متى 28، 19 – 20).
وهذه هي المهمّة التي يوكلها الرّب إلى كلّ منّا. فهو يطلب منّا أن نكون تلاميذًا مرسلين، رجالا ونساء يُشعّون حقيقةَ وجمالَ وقدرةَ الإنجيل الذي يغيّر الحياة. رجالٌ ونساءٌ يكونون قنواتٍ تنقلُ نعمة الله، وتسمحُ لرحمته وبرّه وحقيقته بأن تصبح عناصر بناء لبيت يبقى متين. بيت يكون أُسرة، حيث يعيش الأخوة والأخوات أخيرًا بتوافق واحترام متبادل، وبالطّاعة لمشيئة الله الحقّ الذي أرانا، بيسوع، الدربَ نحو تلك الحرّية وذاك السّلام الذي تتوق إليه القلوب بأجمعها.
ليرشدكم يسوع، الرّاعي الصّالح، والصخ
ر الذي نبني عليه حياتنا، ويرشد عائلاتكم على درب الخير والرّحمة جميع أيام حياتكم. وليبارك جميع سكان كينيا بسلامه.
“كونوا أقوياء بالإيمان! لا تخافوا!”. لأنكم ملك لله.
مونغو أَواباركي! (ليبارككم الله!)
مونغو أَباركي كينيا! (ليبارك الله الكينيا!)
***************
© جميع الحقوق محفوظة 2015 – حاضرة الفاتيكان