تدور الكثير من الأحاديث حول أننا نختبر “نهاية الوقت” و أن أيامنا هذه هي “الأيام الأخيرة” نشهد فيها ” نهاية العالم” الذي فيه نعيش….و تكثر الأقاويل و يضيف البعض عليها لمسات هوليودية….
إلا أن هناك سوء فهم كبير لمعنى كلمة ” الأيام الأخيرة”!!
في الحقيقة : يستعمل الكتاب المقدس عبارة ” الأيام الأخيرة” في مناسبات عدة و المثير أنها لا تشير الى ما يُفهم في المعنى التقليدي ل”نهاية العالم”!!
نقرأ وفقاً للعبرانيين 1: 1-2:
* الله، بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما، بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه ( الأيام الأخيرة) في ابنه، الذي جعله وارثا لكل شيء…
و في نص العنصرة، (أعمال 2: 14-17) نرى كيف بشر بطرس بالأيام الأخيرة :
” وقف بطرس مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم: أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون، ليكن هذا معلوما عندكم وأصغوا إلى كلامي لأن هؤلاء ليسوا سكارى كما أنتم تظنون، لأنها الساعة الثالثة من النهاربل هذا ما قيل بيوئيل النبي. يقول الله: ويكون في (الأيام الأخيرة) أني أسكب من روحي على كل بشر…”
و عليه، يتحدث شرّاح الكتاب المقدس عن “الأيام الأخيرة” على أنها الفترة التي تشير الى زمن العهد الجديد وزمن شعب الله في الكنيسة التي هي “البذار في الأرض و بداية الملكوت”… زمن الروح القدس “روح الكنيسة” الذي أفيض بعد أن أتم الإبن الفداء المنتظر.
و لكن علينا أن نعي أن الروح القدس يعمل مع الآب والابن منذ بدء الخليقة حين كان “يرفّ على وجه المياه” ، و يرافق شعب الله في تاريخ خلاصه : فهو النار في العليّقة الملتهبة، والسحابة ترافق الشعب في خروجه،و هو الندى في الأتون، وهو نَفَس الأنبياء وأيضاً إلهامهم… غيرأنه بعد حدث القيامة، وإرتفاع الرب الى يمين الله الآب، يكثّف الروح القدس حضوره تأكيداً لاستمرارية عمل الثالوث الخلاصي. و هو يقود الكنيسة اليوم لكيما تبقى شاهدة أمينة لحضوره معلنةً إنجيله في المسكونة بأسرها.
و هذا ما أكده الرب قبل صعوده في ( أع 1، 9 ): “الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض. ولَمَّا قالَ ذلكَ، رُفِعَ بِمَرأىً مِنهُم، ثُمَّ حَجَبَه غَمامٌ عن أَبصارِهِم.”
نقرأ في تعليم الكنيسة الكاثوليكية :
الروح القدس يعمل مع الآب والإبن منذ بدء تصميم خالصنا حتى نهايته. ولكنه لم يُكشف، ولم يوهب، ولم ُيعترف به ولم ُيعّد أقنوما إلا في ” الأزمنة الأخيرة ” التي افتتحها تجسد الإبن الفدائي. وهكذا فهذا التصميم الإلهي، المحقق في المسيح، ” بكر ” الخليقة الجديدة و رأسها، يستطيع أن يتجسد في البشرّية بفيض الروح القدس: الكنيسة، شركة القديسين، غفران الخطايا، .قيامة الجسد، والحياة الأبدّية. (686) … وإ ّن الروح القدس، بمجيئه، وهو لا يزال يأتي، يُدخل العالم في “الأزمنة الأخيرة”، زمان الكنيسة، الملكوت الذي صار ميراثنا منذ الآن ولم يكتمل بعد (732).
و عليه، أننا فعلاً نعيش ، منذ ألفي عام ، في “الأيام الأخيرة” و لكن ليس بمنطق نهاية العالم… ولا بد من القول أنه لا شك في المجيء الثاني للرب يسوع، بالمجد، و لا شك أن السيد أخبر عن “علامات” هذا المجيء: “فمن شجرة التين تعلّموا المثل متى صار غصنها رخصاً وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب” (مت24: 32) ولا يوجد مانع أن نستدل من علامات هذه الأزمنة التي نعيش و لكن هذه العلامات لا تحدد موعد المجيء الثاني (نهاية العالم)، وإلا سيتعارض هذا مع كلام الرب القائل: “ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه” (أع1: 7)
فلنتضع ولنعيد لأنفسنا أنه إذا كان الآباء و الرسل أنفسهم لم يعرفوا متى سوف ينتهى العالم، فمن يستطيع منا أن يدّعى أنه فاقهم معرفة….
إذاً:
الأجدى بنا، اليوم، أن نتطلع الى حياتنا الشخصية و الى حجنا على هذه الأرض : إنه محدود في مدى الزمن. لذلك، وبغض النظر عن ما يُحكى و يحاك عن نهاية العالم، فلنعمل على صقل حياتنا الروحية في فنون عيشنا… و لنهتم دون أن ننهم، حاملين معاني الحب الإلهي في عمق تواضع توبتنا و حياتنا نعبّد بها الطريق الى السماء و نصطحب معنا النفوس التي تنتظر شهادة رجائنا في عقم هذا العالم الفاني.