كان خلاص العبرانيّين على يد موسى من مصر؛ ففي بريّة سيناء دعا الله موسى إلى الجبل وأملى عليه الوصايا (خر 20/1-17)، فكانت عشرًا، كلّها ملزمة؛ ومنها نتوقّف عند الرابعة التي تختصّ بالأولاد نحو والدِيهم، والوالدين نحو أولادهم، وواجبات الأولياء والمولّى عليهم، والمعلّمين والتلاميذ، والمسؤولين ورعاياهم ومواطنيهم، وأصحاب العمل وعمّالهم. «فأكرم أباك وأمك» لا تتصل إذًا بالوالدين والأولاد فقط، بل تتعدّى ذلك حتّى إلى الملوك ولو كان المَلِك وثنيًّا. (راجع: أف 6\5 و1تيم 2\1-3 و1بط 2\13 ومر 12\17)
إكرام الوالدين
قال ابن سيراخ: «من أطاع الرّبّ أراح أمّه. ويخدم والديه كأنّهما سيّدان له.( سي 3\6-7) لأنّ بركة الأب توطِّد بيوت البنين، ولعنة الأمّ تقلع أُسُسَها» (سي 3\9). لو تأمّلنا بهذه الآية، لوجدنا فيها وعدًا مبارِكًا لكلّ ولدٍ يحترم والديه، ولعنةً على كلّ ولدٍ عقوقٍ لا يحترم والديه ويكرّمهما قد تدمّر بيتَه؛، وكم هو ملعون الولد الذي يسخر بأبيه أو بأمّه إذا ما شاخا «لأنّ هوان الأب ليس فخرًا للأبناء، فإنّ الاحسان إلى الأبوين يعوّض عن الخطايا …» (سي 3\3-16)!
نقرأ في سفر الأحبار «ليحترم كلّ إنسان أباه وأمّه» (أح 19\2-3). وبولس الرّسول قال: «أيّها الأولاد، أطيعوا والديكم في الربّ، فإنّ ذلك عدل» (أف 6\1). بل نتذكّر المسيح، له المجد، في تتميم إرادة «والديه» من دون تذمّر أو احتجاج، «ورجع معهم إلى الناصرة وكان مطيعًا لهما» (لو 2\51). فإذا كان ابن الله، بكلّ عظمته، يطيع «والديه» بكلّ احترام وفرح، فأبسط ما علينا نحن البشر الخطأة إذًا أن نقدّم لأهلنا كلّ الاكرام والاحترام والطاعة.
وبالمقابل على الآباء والأمّهات معاملة الأبناء المعاملةَ اللائقة الحاضنة الرشيدة. يقول بولس: «أيّها الآباء لا تغيظوا أولادكم، بل ربّوهم بتأديب الرّب ونصحه» (أف 6\4). وإذا عدنا إلى سفر التكوين، نرى أنّ الله، منذ البدء، أراد أن يتّحد آدم وحوّاء لانجاب البنين: «أنموا واكثروا واملأوا الأرض» (تك 1\28) وكلمة أنموا ليس معناها الطول والعرض، بل المسؤوليّة العظيمة الملقاة على الرجل والمرأة في تربية الأولاد تربية صالحة. «لا تتغافل عن إساءة ولدك. طوّعه في صِغره واضربه على جانبيه لئلاّ يصير عنيدًا فيَعصيَك ويُحزنَك. أدّبه واجتهد في تهذيبه لئلاّ يأتي بما يُخجلك» (سي 30\11-13). الربّ دائمًا يدفعنا إلى المحبّة ليكون أولادُنا مسرّة لقلبنا وتمجيدًا للّه.
واجبات المعلّمين والتلاميذ
وتشمل الوصيّة الرّابعة جميع المتولّين على التربية، وخاصّةً مدراء وأساتذة المدارس؛ فعلى هؤلاء أن يهتمّوا ويُعنوا ليس بالدروس فحسب، ولكن أيضًا بالتنشئة على الأخلاق والفضائل على أنواعها من دينيّة إلى إنسانيّة إلى اجتماعيّة ووطنيّة، برحابة صدر ومثال صالح وسهر دائم…
وعلى التلميذ أن يفكّر بتعب والديه وما يبذلان دونه من جنى عرقهم وسهرهم، فيقابل ذلك بالاجتهاد، وإلاّ يكون كلصّ سارقٍ جَحود، وبالتالي لا يبالي بما يُقدَّم له من علوم ومعارف وتربية غذاءً لعقلِه ووجدانه…
واجبات الحكّام والموظّفين
على الحكّام أن يقوموا بالعدل والنظام على جميع أبناء الوطن من دون محاباة الوجه، بل لِيَضَعوا الله نصب أعينهم ويذكروا أنّه قبل أن يكونوا حكّامًا هم تحت حكم الله … وهذه الواجبات تشمل كلّ موظّف في وظيفته حتّى أعلى سلطة في الوطن، لأنّ الكتاب المقدّس يقول: «إذا كثر الأبرار فرح الشّعب، وإذا حَكم أو تَسلّط الشّرير انتحب الشّعب» (أم 29\2)…
فعلى الجنود والموظّفين إذًا أن يُحسنوا الإخلاصَ للمسؤوليّات الملقاة على عواتقهم، فيقوموا بواجباتهم خير قيام من حفظ حرمات وقوانين وحقوق، من دون تمرّد ولا تذمّر ولا سوء أمانة…
.. وهكذا تتمّ الوصيّة الرابعة!