CC0 - Pixabay - Iyad

على درج كنيسة سورية

أخبرتني جدتي لأمي (جليلة قصار) أن الحوش (المنزل العربي) لأهل أمي كان في ساحة المطران فرحات في التلل بحلب، والساحة فيها مطرانيتين كبيرتين هما مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك ومطرانية الموارنة، كما أنه من الساحة، تتوزع الأزقة الى مطرانيات وساحات أخرى، وكان سكان […]

Share this Entry

أخبرتني جدتي لأمي (جليلة قصار) أن الحوش (المنزل العربي) لأهل أمي كان في ساحة المطران فرحات في التلل بحلب، والساحة فيها مطرانيتين كبيرتين هما مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك ومطرانية الموارنة، كما أنه من الساحة، تتوزع الأزقة الى مطرانيات وساحات أخرى، وكان سكان الساحة يتجمعون مساءً ويجلسون على درج كنيسة الموارنة لأنها أكثر اتساعاً. كما يتوسط الساحة تمثال لمطران الموارنة العلامة جرمانوس فرحات (1725 – 1732) الذي تم تدشينه في 20 ايار 1934، وقد أعطى الساحة اسمه.
كنت أحلم كيف كانوا يتسامرون، وكيف كانوا يحلمون، بحاضرهم وبمستقبلهم، وكنت أنام وحكايا جدتي تستيقظ من خلال الأحلام، فأتخيل نفسي جالساً على الدرجات نفسها، حتى كبرت قليلا وأصبحت – عندما أمرّ مع أترابي في الساحة غير البعيدة عن منزلي – نجلس على الدرج ونتسامر، دون أن يعرف أصدقائي ماذا تعني هذه الجلسة لي من معانٍ.
بعد سنوات طويلة، أصبحت ساحة فرحات على حدود الصراع، وهجرها سكانها بعد عشرات القذائف التي طالتها وأصابت المطرانيتين بإصابات أدت الى تهديم سقف كنيسة الموارنة، وتحطيم وحرق المطرانيتين والدور المحيطة.
اليوم، أتردد مع مجموعة من العائلات الى كنيسة القديسة تيريزيا في السريان الجديدة بحلب، نجلس في ساحتها الداخلية والصغار والمراهقين من كلا الجنسين يلعبون ويجلسون على درج الكنيسة، يكررون مراهقتي.
أجلس على الدرج مُشبعاً أحلام طفولتي ومراهقتي وحكايا جدتي، وأتطلع الى الأطفال والمراهقين والشباب، أي مستقبل ينتظرون، وكل أسبوع تغادرنا عائلات الى بلدان شتّى، كل أسبوع نسأل نفس السؤال، من سافر هذه الأيام؟
زادت معرفتي بالعائلات فزاد ألمي لفراقهم.
لكني أعذرهم، وأتفهمهم…
أتفهم لماذا لن يعودوا، على عكس ما يُطبل ويزمر الكثير عن العودة..
أتفهم عدم إستطاعتكم أن تتحملوا الكثير من الضغوط النفسية والمادية…
أتفهم الخوف من المستقبل لكم ولأولادكم..
أتفهم عدم تحملكم لكذب بعض المسؤولين السياسيين في وعودهم البراقة….
أتفهم خوفكم من الأحداث والجنون الذي يقوده البعض…
أتفهم قرفكم من بعض مسؤوليكم الروحيين الذين ما صنعوا شيئاً لكم أيام الرخاء تساعدكم على البقاء، وهم اليوم يطالبوكم بالبقاء تحت مسميات شتى، بدءا من الوطنية وانتهاءً بالتشبث بأرض المسيحية والأجداد، ولكنكم تعرفون أنهم يدافعون عن بقائهم وخوفهم من أن يصبحوا خيال مآتة ينطرون أرضاً لوحدهم.
أتفهم أن الغلاء طحنكم…
وأن فقدان مقومات الحياة الدنيا قد أرهقكم…
وأن الخوف من كونكم حطباً لأتون هذه الحرائق …. أبعدكم
إذهبوا …. وأنا أعرفُ أنكم لن تعودوا.
إرحلوا …. ولا تلتفتوا إلينا.
ابنوا مستقبلكم بعيداً عن الكذب والغش والخداع من المسؤولين السياسيين والروحيين وحتى الرياضيين.
ولكن … لا تنسوا حليب هذه الأرض ولا طرقاتها ولا أرصفتها ولا طيبتها… فانشروا طيبتها من خلالكم
وكونوا سفراء طيبة أرضها في مغترباتكم.
وعلّموا أولادكم أن لهم أهلاً بقوا لأنهم لم يستطيعوا الرحيل…
ولأن درج كنيستهم يشدهم اليه
اللهم اشهد اني بلغت
ملاحظات:
– المطرانية تحتوي على الكنيسة الأم وتسمى بالكاتدرائية، والمقر الإداري والسكني لرئيس الطائفة ولبعض الكهنة إضافة الى غيرها من الأمور
– جرمانوس فرحات، أحد مجددي الحياة الرهبانية المارونية وثاني رؤسائها، انتُخب مطراناً على كرسي حلب سنة 1724، فدخلها زائراً وما لبث أن بقي فيها حتى مماته، راعياً لكل الكاثوليك، حيث لم يكن من أسقف كاثوليكي غيره. فهو أول أسقف ماروني جلس في كرسيه.

Share this Entry

المهندس باسل قص نصرالله

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير