Takemeomeo - CC0 - Pixabay

تساؤلات عائلية: ما هو الحب؟ ولماذا نفقده؟

فقدان الحبّ – عدم الحوار واللجوء إلى العنف (1)

Share this Entry

بالرغم ممّا يحدث من تطورات وتفاعلات إيجابيّة أو سلبيّة تطاول حياة العائلة والثنائي، تبقى (المجتمعات في العالم) الكنيسة متابعة ومهتمة “بقضايا” الحبّ والزواج والعائلة. من هنا تمّ اللقاء العالميّ الثامن للعائلات الذي دعا إليه البابا فرنسيس في ولاية فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأميركيّة ( 22-27 أيلول 2015) والذي تمحور حول الالتزام بالعائلة كأساس لحياةٍ مثمرة تطاول جميع أفرادها (كما المجتمع) خاصةً عندما يتعلّم الشخص ماهيّة الحبّ ضمن إطار عائلته. كان شعار اللقاء “الحبّ رسالتنا، العائلة حيّة بملئها”. من بين المؤتمرات العالميّة حول العائلة كانت أعمال سينودس الأساقفة الذي انعقد في روما تحت عنوان “التحدّيات الراعويّة للعائلة في إطار التبشير بالإنجيل” (تشرين الأوّل 2015) والتي جرت خلاله مناقشات جريئة، أحاديث عميقة، طروحات متقّدمة واستنتاجات عمليّة وواقعيّة. كلّ هذه الأمور أدّت إلى التصويت حول وثيقة نهائيّة تناولت كلّ أعمال السينودس. ضمن المقترحات التي صبّت في خانة الحبّ والزواج والعائلة كان التشديد على أهميّة الإعداد لسرّ الزواج وضرورته بمراحله الثلاثة: البعيد، القريب والمباشر. تواجه العائلة تحدّيات جمّة ومتعدّدة، لذا لا بدّ من تثبيت “البناء على الصخر” لإنجاح الحياة الزوجيّة وذلك من خلال وسائل متطوّرة وطرائق حديثة، تحاول مواجهة العراقيل والصعوبات بطريقة علميّة وعمليّة بإيجاد بعض الحلول وكلّ ذلك بالاتكال على الله وعمل الروح القدس.
للمساهمة في نجاح مسيرة الثنائي، نعالج هذا الموضوع المهمّ والأساسيّ في استمراريّة الحياة الزوجيّة بطريقة ناجحة والتي تؤدي إلى تحقيق الذات والمشاركة الفعّالة الهادفة إلى السعادة. يتطرّق برنامج الإعداد لسرّ الزواج المسيحيّ لعدّة مواضيع مهمّة لاسيّما منها: التواصل والحوار. وبما أنّ التواصل هو العصب الأساسيّ والجوهريّ قبل الزواج وبعده، نحاول أن نعرض هذا الموضوع تحت عنوان: فقدان الحبّ – عدم الحوار واللجوء إلى العنف. بالتأكيد لن ندخل كثيرًا في فنّ التفاوض وقواعد التواصل بين الزوجين وفق الطرائق الجديدة من خلال علم النفس والاجتماع ولا التعمق بأسرار التواصل الجيّد: الإصغاء، التعبير والقَبول… ولا كيفيّة إدارة الصراعات والأزمات بل نحاول التركيز والتشديد على أهمية الحوار وضرورته في معرفة الذات والآخر من أجل عيش الحبّ ومواجهة العقبات واتخاذ القرارات المشتركة والصائبة التي تصبّ في خانة نجاح الحياة الزوجيّة. وقبل الغوص في صميم الموضوع لا بدّ أن نذكّر ببعض النقاط حول الحبّ.
1- ما هو الحبّ؟ علام ما يقوم؟ كيف نحبّ (التذكير ببعض مبادئ الحبّ ومقوّماته على أنّه اختيار وقرار معًا).
1) الحبّ فنّ يكتسبه الإنسان (بعدما زرعه الله في قلبه وفكره وحياته، لأنّ الله أحبّ البشرية بإرسال إبنه، فضحّى به من أجل خلاص البشريّة)، بالعلم والخبرة والمعرفة… الربّ منح نعمته ومحبّته للإنسان ” إنّ الله الذي خلق الإنسان عن حبّ، خلقه على صورته ومثاله، والله هو ذاته محبّة (1 يو 4: 8 و16)، دعاه أيضًا إلى الحبّ، لذلك، من خلال حبّهما المتبادل، يُصبح الرجل والمرأة صورة للمحبّة المطلقة والراسخة التي أحبّ بها الله الإنسان. وقد رأى الله ذلك حسنًا جدًّا”. هذا الحبّ ” يُعاش” بالمساواة والوحدة والديمومة وعدم الإنحلال. مع المحافظة على الفرادة والتمايز من خلال التناغم والإنسجام والشفافيّة والمشاركة والتواصل والتكامل، وهذا كلّه من خلال التواصل والحوار من أجل نموّ وتطوّر وسعادة الزوجين معًا.
2) الحبّ هو الإنسجام بين القلب والعقل. اختيار الشريك يكون نابعًا من حرّية تامة وإرادة قويّة، فالشريك يُعطي معنىً للوجود بالرغم من وجود بعض “النواقص” في شخصه…
3) الحبّ هو إعطاء الذات والتخلّي عن “الأنا” الذاتية (يسوع المسيح أعطى ذاته من أجل خلاص البشريّة…)
4) الحبّ هو ثمرة نضوج جسديّ، إنسانيّ، عاطفيّ، روحيّ وفكريّ، إنّه الإستعداد لإعطاء الذات وقبول الآخر والاتّحاد به والإخلاص له. الحبّ هو فعل إرادي واعٍ ورغبة صادقة للإتّحاد بالآخر في شركة حبّ وحياة حيّة ومحيية.
5) الحبّ يُعطي الزوجان نعمة مشاركة الله في عمليّة الخلق وإعطاء الحياة بالحبّ ومن أجل الحبّ. إنّ الله رفع الحبّ إلى مستوى حبّ المسيح للكنيسة، فهو طريقٌ للقداسة.
6) الحبّ قرار لذا لا بدّ من التروّي في أخذ القرار، لا ينبغي أن يكون الخيار اعتباطيًّا إنّما يحتاج إلى الثقة والوعي والنضج كما للعاطفة والشغف…
7) الحبّ يُبنى ويبني، يُصنع ونتعلّمه ونتربّى عليه (إنّه صراع وتكامل). فمن أجل إنجاح هذا الحبّ ضمن الحياة الزوجيّة لا بدّ من استعمال وسائل وطرائق منها: التواصل، والاتّصال والحوار والمشاركة والتمييز والتجدّد والانسجام والتكييف والصراحة وإصلاح الذات ووضع الذات موضع التساؤل…
2- لماذا وكيف نفقد الحبّ؟
يشكّل الحبّ حالة لوجود الإنسان وكيانه واستمراريته، ويحتاج إلى الوعي والإرادة والنضج والإنسجام والعطاء ونكران الذات، كما يتطلّب الثقة والأمان والعفويّة والصراحة والحوار، لذا لا بدّ من العمل بجدّية وبعمق وبطرائق علميّة ووسائل بنّاءة للمحافظة على شعلة الحبّ التي تؤدّي إلى زواجٍ ناجح من خلال التمرّس على كيفيّة مواجهة الأزمات والصعوبات. فالمحافظة على شعلة الحبّ ووحدة الزواج ونمّو العائلة أمور أساسيّة وضروريّة للبلوغ إلى السعادة وبالتالي إلى القداسة…
لا يقوم الزواج الناجح على وجود الشخص الصالح، بل أن تكون أنتَ (أنتِ) أيضًا “الشخص الصالح”. لأنّ الزواج بحاجة إلى الحبّ “المُستدام”. قيلَ بأنّ الزواج مقبرة الحبّ. لا بدّ أن يُتقن الثنائي (ضمن الحياة المشتركة) كيفيّة “إبقاء” شعلة الحبّ متّقدة فتتفاعل باستمرار من أجل تحقيق الوحدة والمشاركة والاستمراريّة ضمن الحياة الزوجيّة.
أسباب فقدان الحبّ متعدّدة، وهي قد تكون ظاهرة أو غير معلنة، مباشرة أو غير مباشرة (أو مسؤول عنها الثنائي أو غيره)، وذلك عن وعي أو عن غير وعي. حديثنا سيطال ناحية واحدة: فقدان الحبّ ــــــ عدم الحوار، أي أهميّة التواصل وضرورة الاتّصال في نجاح الحياة الزوجيّة وفشلها.
اللقاء يولّد الحبّ، والحبّ يدعم اللقاء ويثبّته من خلال الاتّصال الجيّد. ” ما من شيء خارج الحبّ”، ونقصد هنا ليس المعنى الرومانسيّ للكلمة إنّما المشاركة الفعليّة بين الزوجين. نتساءل هل إرادة الحبّ وحدها كافية ليكون المُحبُّ محبوبًا؟ وإذا كان الحبّ “صداقة الجسد والقلب والفكر والرغبة والعاطفة والاحترام والتقدير”، إذًا الزواج على أساس الحبّ هو الحياة الحواريّة، هذا الأمر يدفعنا إلى استبعاد دور الصدفة والمصلحة اللتين لا تمهّدان لاستمراريّة أيّة علاقة.
3- فقدان الحبّ – عدم الحوار (بعض النقاط المهمّة)
أ‌- الصمت بين الزوجين أقصر طريق لفقدان الحبّ “تكلّم كي أراك”.
ب‌- يُسهم الصمت في إرباك الحياة الزوجيّة، وحتى إثارة بعض الشكوك فيها.
ت‌- الصمت بين الشريكين علامة للمرض الذي ينخر خلايا الحياة المشتركة.
ث‌- عندما تكثر المشاجرات والمشاحنات ينتقل الثنائي من السكوت إلى الصمت (إنّ انقطاع التواصل يأخذ نمط كرة الثلج التي تكبر بالوتيرة نفسها التي ينغمس فيها السكوت عند التمادي بالصمت).
ج‌- إنّ بداية تصدّع الحياة المشتركة تتزامن مع شرارة ” الحوار الداخلي” أو “الصمت الداخلي” الذي يتغذّى من روافد القهر والضغينة والخيبة وحتى الكراهية في بعض الأحيان. وخلال هذا الحوار الوهميّ، يحاور الشريك نفسه فيطرح الأسئلة ويُعطي الأجوبة (الخوف من خشية تعرّي الإنسان الداخلي أمام الآخر). والحوار الداخلي يقطع مع الأيّام سبل التناغم والتقارب الطوعي والواعي، فيحاول أحد الشريكين فرض نظرته للأمور على الآخر، كما ويحثّه على تصرّف معيّن، عاكسًا عليه، وفي الوقت عينه، مشاعره وقلقه وتساؤلاته.
ح‌- ” لا أستطيع حلّ لغزك لأنّني لا أعرف كيف تفكك رموزي”.
خ‌- الصمت والسكوت نتيجة الانتقال من التفاهم إلى التصادم. (فأصغر خلاف يتحوّل أحيانًا إلى تحقيق ومن ثمّ إلى شجار، على أن ينتهي في المسائل الحرجة في شكل خصومة تهدّد بانفجار أكبر. وبأسرع من البرق تنحجب الكلمات الرقيقة، تاركةً المكان إلى التلميحات الافترائيّة والانتقادات اللاذعة من ثمّ اللوم والاتّهامات وأحيانًا الشتائم).
د‌- الانتقال من السكوت والصمت إلى المواجهة ومن ثمّ إلى تعمّد الأذيّة (العنف على أنواعه). نتساءل: لماذا وكيف يمكن أن تصل العلاقة بين الرجل والمرأة أحيانًا إلى حدّ أذية بعضهما البعض بشكل مؤسف ومخزٍ!؟ كيف يتحوّل الشعور العاطفي وحتّى الجنسيّ إلى نقمة؟ كيف يطاوع قلب المُحبّ اللجوء إلى العنف بأشكاله؟ أي التفكير بالخيانة أي خيانة “العهد”؟ وهل من المعقول أن يغدو الحبّ حقدًا؟ وهنا يدخل اليأس والحزن والتعاسة إلى قلب الشريك.
(يتبع)

Share this Entry

الأب د. نجيب بعقليني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير