قام المسيح، حقاً قام. قام وهو لا يتشكك ممن لا يؤمن بهذه القيامة، بل يحثه على الإيمان. وفي هذا الزمن الفصحي، يُظهر لنا علامات قيامته، علامات رجائنا.
أولى تلك العلامات، كانت عند وصول النّسوة الى القبر حيث وجدنَ القبر فارغاً. لا توجد مصلحة للرّومان او اليهود في سرقة الجثمان، بل على العكس، كان هدفهم ان يبقى في القبر، ان تنتهي تلك القصة الى الأبد: فمات من كان يعتقد نفسه ابن الله ومحرّر الشّعب. مات ودفن وجُعل حراس على قبره لكي لا يسرقه تلاميذه (مت 27: 56). لكن النّسوة وجدنَ “القبر فارغاً”.
القبر هو المكان الذي يدفن فيه الجثمان. هو المكان الذي يُخفى فيه الميت ويُحجب عن الرؤية، لكي يتمكّن الحي من الاستمرار في الحياة دون ان يجده دائماً امام عينه. يقول ابراهيم بعد موت سارة: “أَعطوني مِلك قبر لديكم فأدفن مَيتي وأزيله من امام وجهي” (تك 23: 4). لا احتقاراً له، بل لكي يستمرّ هو في الحياة، لأنّه لا يستطيع ان يحيا مع الجثمان؛ فالجثمان له رائحة كريهة، تجذب الغربان التي تأتي لكي تلتهمه. يجب حماية الجثمان وتكريمه، وفصله عن الأحياء ليتمكنوا من الاستمرار في الحياة. الجثمان يذكّر الحيّ بعزيزه المفقود، فيعتريه الحزن عندما يراه على هذه الحالة، لذا يجب ان يُحجب. هذا هو القبر، المكان الذي يُخفى فيه ما لا يريد الإنسان ان يراه من بعد لكي يستطيع ان يحيا.
القبر هو ايضاً الرّجاء الأخير لمن فقد كلّ رجاء. هو المأوى الوحيد لمن لا أمل له، يصبح رغبة لمن لا رغبة لديه. يقول ايوب:” ذوي النفوس المُرَّة المشتاقين للموت،…يفرحون اذا وجدوا قبراً” (ايوب 3: 22- 23). لأنّ الإنسان يدفن فيه نفسه ولا يبقى مجبراً على الصّراع اليومي مع الحياة من بعد. فالقبر هو مكان لمن لم يعد له مكان. لمن فقد العزم. المكان المحمي الذي يوضع فيه الإنسان، او يضَع نفسه فيه حتّى لا يواجه احداً، ولا يتواجه مع احد من بعد.
هذا هو القبر. والقبر الفارغ علامة على قيامته، عربوناً لقيامتنا من قبورنا. والتي دَفنَّا فيها احداثاً كثيرةً من حياتنا تُزعجُنا. دَفنّا فيها سنين عديدة من اعمارنا تؤلمنا. ولم نعد نريد ان نراها. دفنَّاها كما يدفن الحي ميته لكي لا يراه من بعد ولكي لا يراه اي حي. دفناه بعيداً عن عيوننا، خارج حقل حياتنا اليومية لنتناساه. لكنّ خيال هذا القبر موجود دائماً في حقولنا، ولو ابعدناه لأقصى الحدود، فنحن نحياه دائماً.
“القبر الفارغ” دعوة لنا كما النّسوة. فلنذهب الى حيث دفنا الكثير من احداث حياتنا. الى هذا القبر السّاكن فينا. لا داعي لأن نخاف منه. فلنقترب منه، لان ما دفنّاه هناك لم يعد له سلطان علينا. قبرنا فارغ. نعم “القبر فارغ” لم يعد هناك جثمان، بل ملاك مرسل من الله لكي يسلّم رسالة جديدة، حياة جديدة. فلنذهب، ولنتقابل مع هذا الصّليب او هذا الحدث الذي هربنا منه دائماً: الم، مرض، إعاقة، فشل زواج…….هناك سنجد ان “القبر فارغ” حتّى وان كان موجوداً، لكنّه فارغ. أي ما كان يحطمنا، لم يعد يحطمنا من بعد ولو استمر في الوجود. ما لم نكن قادرين على تحمله او التّعايش معه لم يعد كذلك، لأنّ “القبر فارغ”. ما كان يجبرنا على ان ندفن انفسنا ونلعن حياتنا ونتمنى الموت في اوقات كثيرة، لم يعد له سلطان علينا. قام المسيح ونزع سلطان الموت، والآن، “القبر فارغ” الى الأبد. هذا “القبر الفارغ” سيكون مكاناً لتسبيح الرّبّ ورؤية وجهه الحقيقي. سيكون مكاناً لمعرفة من هو. فهو القادر على ان يقيمنا من موتنا ويُفرغ قبورنا.
قيامة المسيح علامة على قيامتنا، وهي قيامة حقيقية وليست فقط للوعظ او التأمل، بل لنختبرها في حياتنا.
زمن فصح مبارك.
Robert Cheaib - Theologhia.com
نعم، القبر فارغ
قام المسيح، حقاً قام. قام وهو لا يتشكك ممن لا يؤمن بهذه القيامة، بل يحثه على الإيمان. وفي هذا الزمن الفصحي، يُظهر لنا علامات قيامته، علامات رجائنا. أولى تلك العلامات، كانت عند وصول النّسوة الى القبر حيث وجدنَ القبر فارغاً. لا توجد […]