عقدت قبل ظهر يوم أمس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، حول “ التقوى الشعبية في حياة الكنيسة”، شارك فيها رئيس أساقفة أبرشية صور للموارنة سيادة المطران شكرالله نبيل الحاج، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، المرشد العام لرابطة الأخويات في لبنان الأب سمير بشاره اليسوعي، من راهبات الوردية الأخت غادة نعمه، رئيس رابطة الأخويات في لبنان السيد غطاس نخله ، وحضورأعضاء من رابطة الأخويات، والإعلاميين والمهتمين.
أبو كسم
بداية رحب الخوري عبده أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر وقال: “اليوم اخترنا في ندوتنا التحدث عن التقوى الشعبية في العبادات تكريماً لأمنا مريم العذراء والقديسين، وأمام بعض الفوضى التي تحصل في هذا الموضوع، ارتأينا توجيه الرأي العام حول كيفية التعاطي والصلاة وتقديم العبادة لأمنا مريم وللقديسين، وأمام الفوضى بإنشاء المزارات التي تقام أيضاً وأمامها صندوق ولا نعلم لمن تذهب هذه الأموال، فلإنشاء هذه للمازارات أصول يجب اولاً أخذ الأذن من الأسقف المحلي، وثانياً معرفة النية الموضوعة لإنشاء هذا المزار والأبعاد التي تحيط به.”
تابع “الرحلات التي تقام كسباً للمال لزيارة المزارات أحياناً كثيرة تستغل تحت شعار زيارة حج، نقوم بالزيارة ونقضي الوقت بالأكل والشرب والتسلية وما شابه. فزيارات الأماكن المقدسة هي زيارات حج وتأمل وتوبة ونوع من الرجوع إلى الذات ليكون حج مبارك. ورحلات الحج التي تقام إلى لورد ومديغوريه يجب معرفة الأشخاص القيمين عليها وما هدفها.”
أضاف “ونرى في بعض المزارات وكأننا في سهرة ، نرى بعض الأشخاص بلباس غير محتشم، علينا أن يكون لباسنا محتشم، ولذلك نرى أمام هذه المزارات مشالح لوضعها علينا.”
أردف “وموضوع آخر في التقوى الشعبية هو صلاتنا برعايانا وكنائسنا فنرى قلة حشمة بالدخول إلى الكنيسة بالجلوس في بيت الله، فبيت الله هو للصلاة والتأمل وللرجوع للذات والتفكير كيف يخلص الإنسان نفسه والإشتراك بالذبيحة الإلهية وليس عرضاً لملابسنا وفخفخاتنا.”
وختم أبو كسم “نرى في أعراسنا أيام كثيرة قلة حشمة، ويجب أن نعلم أن كل عمل في الكنيسة يجب أن يكون فيه تقوى وصلاة، نفتقد صورة الإنسان المسيحي المفترض على وجهه صورة يسوع وصورة العذراء، وعلى جسمه نوع من الحشمة ونوع من الوقار للدخول إلى الأماكن المقدسة.”
نخلة
ثم كانت كلمة الأستاذ غطاس نخلة حول دور العلمانيين المكرسين في المجتمع الكنسي والمدني فقال:
“العلمانيون المكرّسون هي جماعة تهدف الى إعطاء ثقافة مسيحية عميقة لأطفالٍ وشبّانٍ وشاباتٍ، نساء ورجال إلتزموا خدمة الكنيسة والعالم في كلّ مرافق الحياة العائلية والمهنية والمدنية والكنسية وسواها، من أجل الوصول الى إعداد أعضائها إعداداً ملائماً لعمل رسولي مثمر، والتعمّق في إيمانهم المسيحي ليعيشوه باقتناعٍ وينشروه باندفاع في حياتهم اليومية، ودعوتهم الى القداسة، وهذا يتجلّى من خلال ثمار النعمة التي يُحْدثُها الروح فينا وان تكون شهادُتنا للشراكة الكنسية مؤسّسةً على يقينٍ راسخٍ وقويّ ومقترنةً بعلاقةٍ بنوية بأمنا العذراء مريم وبأسقف روما وهذه الشهادة هي للتبشير بالانجيل وتقديس البشر وتأمين التثقيف المسيحي للضمائر وتأهيلها.”
تابع “أن نكون حاضرين في المجتمع المدني وفي خدمة الكرامة الانسانية وفي كلِّ القطاعات النقابية والاعلامية والجامعية ونشهد للمسيح في قلب العالم من أجل العدالة والحرية والمساواة والسلام. وحياتنا الروحية هي حياة الله فينا، الحياة الجديدة التي نلْناها بالعماد المقدّس وبها حظينا بالتبنّي لله الآب وأصبحنا ورثةً للمسيح.”
أضاف “ترتكز حياتنا الروحية على فعل الروح الذي يشفع لنا بأنّاتٍ لا توصف ويُشركُنا في حياة الثالوث ويحوّلُنا الى خلقٍ جديد. وتتغدّى حياتُنا الروحية هذه، بالايمان العامل بالمحبة والاصغاء الى كلام الله، وبأعمال التقوى والصلاة الدائمة واللقاء مع المسيح فينا وفي أسرار الكنيسة وخاصةً التوبة والافخارستيا. والتنشئة الروحية تمكننا من التضحية وحمل الصليب في سبيل الرسالة التي من أجلها نذرنا أنفسنا؛ فنحمل بعضنا أثقال بعضٍ ونتخلق بأخلاق المسيح، غير ناظرين الى منفعتنا الخاصة بل الى منفعة الغير.”
وقال “العلمانيون المكرّسون يتبادلون الثقة والصراحة والصدق في المعاملة ويتقنون لغة الوداعة والتهذيب ويمارسون الصفح الأخوي ويبادرون الى الاعتذار عند الخطأ ولو لم يكن مقصوداً؛ ويقاومون ميول الأنانية والحسد وحبِّ التسلّط والفوقية والهيمنة. ويعملون على تقديس نفوسهم ليكونوا أهلاً للقيام بالخدمة لبناء جسد المسيح؛ وخدمتُنا هذه تطال المريض واليتيم والعجوز والسجين والجائع والعطشان والبائس واليائس والمنبوذ والفقير؛ فالاعتناء والاهتمام بهؤلاء أمرٌ واجب وضروري ومُلحّ.”
وختم بالقول “جماعة العلمانيين المكرّسين هي التربة الصالحة والخصبة، هي الملح الجيّد هي سرج العذارى الحكيمات المملؤة زيتاً، هي الأشجار المثمرة الذي يقطف من ثمارها كلُّ الناس. هي الينبوع الفيّاض الذي لا يجف فيستقي منه كلُّ عطشان، تلك هي الجماعة المكرّسة الناجحة والمستدامة. واولى اهتماماتنا هي العناية بالدعوات الكهنوتية والرهبانية.”
نعمه
ثم كانت مداخلة الأخت غادة نعمه حول مريم العذراء ومسبحة الورديّة في التقوى الشّعبيّة فقالت:
“منذ فجر المسيحيّة إلى اليوم، جيلاً بعد جيل، كلّ الأجيال تطوّب الممتلئة نعمةً، مريم العذراء والدة الإله وأمّ الكنيسة. لا يمكن لأحد أن يُنكر المكانة الرفيعة التي تخصّها بها الكنيسة، أو المحبّة والإكرام الفائقَين اللذين لها في قلوب المؤمنين.”
تابعت “نتوقّف هنا قليلاً للتفكير معًا بالصلاة الأحبّ إلى قلب مريم، والصلاة التي متى تُذكر مريم في التقوى الشّعبيّة لا بدّ أن تطلّ معها، سبحتها، مسبحة الورديّة. هذه الصلاة العريقة المرتبطة بتقليد قديم جدًّا في الكنيسة، نُظّم في القرن الثالث عشر مع القدّيس دومينيك والقدّيس آلان دو لا روش (سنة 1217). صلاة أوصى بها العديد من الباباوات وخصّصوا لها الرسائل العامّة والعظات وطالبوا بصلاتها واكتشافها ككنزٍ روحيّ ثمين، خاصّة في مواجهة التّحديّات والصعوبات والمخاطر، كما يفعل البابا فرنسيس في هذا الشهر، حيث يدعونا لاستعادة العادة الحميدة في تلاوتها في العائلة (النيّة الخاصّة لشهر أيّار). “
أضافت “وهي صلاة تطلبها مريم العذراء في كلّ ظهوراتها عبر التاريخ. صلاة ارتبطت بروحانيّة عدد لا يُحصى من القدّيسين وحتّى بعض معلّمي الكنيسة. وكما نعلم صلاة الورديّة هي صلاة تأمّليّة بامتياز، وهي صلاة كريستولوجيّة تتمحور حول حياة يسوع المسيح في أفراحه وبشارته وأحزانه وأمجاده. إذن لنتمكّن من الوصول إلى هذا الكنز الروحي وقطف ثماره المرجوّة في حياتنا، لا بدّ لنا أن نغوص من خلالها بالتأمّل بحياة يسوع المسيح مع أمّه مريم، هي التي تأمّلتها قبلنا. والتأمّل، كما نعرف، هو تمرين روحي ننطلق فيه من كلمة الله لنقرأ من خلالها واقع كياننا حقيقةً، فتنير بصيرتنا وتساعدنا على عيش توبةٍ صادقة، وتجديد مستمرّ. “
قالت “خلقنا الله على صورته ومثاله، ولأنّ عمل الله لا يمكن أن يكون ناقصًا، فحين خلقنا كُنّا “حسنٌ جدًّا”! لكنّ التربية والمجتمع والمفاهيم والعادات وما إليها من تأثيرات تحمّلنا أثقالاً وتزيدنا شوائب وتلقي على حقيقتنا وجوهًا تعيق ظهور هذه الصورة فينا. التقوى الحقيقيّة هي مسيرة التخلّي عن كلّ هذه الإضافات والتراكمات والتعلّقات، لكي تنكشف يومًا بعد يوم صورة الله فينا.”
أردفت “يمكن للورديّة أن تكون وسيلة فعّالة في عمليّة “التشحيل” هذه، التي تكشف مع الأيّام صورتنا الأصليّة الأصيلة. ولا بدّ من الحذر من بعض الممارسات الشائعة التي تمنعنا من جني هذه الثمار الروحيّة: 1) أن نصلّي الورديّة فقط كواجب، مع القلق أن نكون خطِئنا إن لم نكمّلها، ربّما لضيق الوقت. فهي ليست فرضًا ولا واجبًا ولا يحاسب الله من لا يصلّيها.2) أن تقتصر صلاتنا لها على السّرد والتكرار، فتصبح ترداد كلام خارجيّ لا يفيدنا شيئًا. 3) ليست الورديّة صلاة ليتورجيّة، ولا يمكن تلاوتها خلال القدّاس. يمكن للورديّة أن تكون صلاة تحضيريّة قبل القدّاس، أو صلاة شكر وطلب ثباتنا في حالة النّعمة، وذلك بتلاوتها بعد القدّاس.“
تابعت “نقطة أخيرة أرغب بالإضاءة عليها سريعًا: في التقوى الشعبية عادة عريقة وجميلة في إقامة التطوافات المريميّة وتكريم مريم من خلال صورة أو تمثال. محدوديّتنا البشريّة تقتضي أن نعبّر بطريقة حسيّة عن إيماننا اللامحسوس لنتمكّن من مقاربة الله بصورة أقرب إلينا. لكن هذا الأمر سيف ذو حدّين، فهي شعرة تفصل بين النظر إلى الصورة لمحادثة صاحبتها، وبين التعلّق بالصورة دون القدرة على بلوغ الأصل.”
أضافت “يتحضّر لبنان لتجديد الاحتفال بذكرى التكريس لقلب مريم، فلا بدّ لكلّ منّا أن يسأل نفسه، ما الّذي تغيّر في لبنان وفي أنفسنا منذ التكريس الأوّل إلى اليوم؟ وإن جدّدنا التكريس، هل من تجديد ضروريّ وملحّ يجب أن يحصل في المفاهيم والممارسات وطريقة مواجهة الذات؟”
اردفت “وإن لم تقدنا صلاتنا إلى الحبّ، وإن لم تقدنا الليتورجيّا والعبادات البارا-ليتورجيّة إلى إدراك أوضح للواقع، وإن لم تقدنا مريم إلى الله، الحياة ومعطي الحياة، فما الفائدة من صلاتنا؟! وإن كان الوقت الطويل الّذي نمضيه في العبادة والتسبيح وإنشاد التراتيل والأغاني الروحيّة، والتطوافات، والتّساعيّات وتلاوة المسابح لا يجعلنا نصبح أكثر تسامحًا ورحمة ومحبّة، أفلا يجدر بنا بالأحرى إعادة النظر بما نفعل واستخدام هذا الوقت بشكل مثمر في عمليّة فهم الذات وإصلاحها من خلال تقوانا. فنستحقّ عندئذٍ رحمة الله بحسب نشيد مريم: “ورحمته من جيلٍ إلى جيل للّذين يتّقونه”.
وختمت بالقول “علينا اليوم أن نعيد النظر في كيفيّة إكرامنا لمريم وعلاقتنا بها، حتّى نكون تلاميذ صالحين في مدرستها، مدرسة الإيمان والتواضع والرّحمة والمحبّة، فنسير معها ومثلها إلى لقاء الله والاتّحاد به بعلاقة بنويّة ناضجة.”
المطران الحاج
ثم كانت مداخلة المطران شكرالله نبيل الحاج، الصلاة الرسمية والعبادة الشعبية فقال:
“سأستعرض معكم أيها الأحبة موقف الكنيسة الرسمي الصادر خاصةً عن البابوات في السنوات الأخيرة وبعد ختام المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني إذ لو يتطرق الدستور في الليتورجيا المقدسة الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني لم يتطرّق بالتفصيل عن علاقة الصلاة الجماعية الرسمية للكنيسة أو ما نسميه الليتورجيا بالعبادات التقوية أو ما يسمى التدين الشعبي Religiosite populaire أو بالأحرى التقوى الشعبية Piété populaire لكنه أكدّ على حرية العبادات التقوية عندما لا تمس بالإيمان وخير الجماعة العام وحتى في الطقسيات، وفي هذا الخصوص يقول: إن الكنيسة لا ترغب في أن تُفرض صيغة نص موّحد لا يتغيّر في المجالات التي لا تمس الإيمان وخير الجماعة العام وحتى الطقسيات. بل بالعكس إنها تحافظ على ميزات الشعوب المختلفة ومواهبها وتعمل على ازدهارها. وكل ما لا يتعلّق في آدابها بالخرافات والأضاليل تعلقاً لا ينفصم يُقدره برفق، وإذا ما استطاعت الى ذلك سبيلاً، حافظت عليه محافظة كاملة، وأكثر من ذلك انها تقبل به أحياناً في الطقسيات ذاتها، شرط أن يتناغم مع روح طقسي حقيقي وأكيد (دستور الليتورجيا المقدسة 37).
أمّا البابا الطوباوي بولس السادس فسيتطرق مباشرة وبطريقة إيجابية إلى موضوع التقوى الشعبية في الإرشاد الرسولي «التبشير بالإنجيل» بعد أن نُظر بريبة إلى هذا الموضوع بعد الفاتيكاني الثاني لسنوات طويلة. وإنطلاقاً من بولس السادس سيعتبر البابوات يوحنا بولس الثاني وبندكتوس السادس عشر وقداسة البابا فرنسيس ان موضوع التقوى الشعبية يندرج، ليس تحت عنوان الليتورجيا ولكن تحت عنوان البشارة بالإنجيل. هذا ولا يغيب عن ذهننا ان الكنيسة عادت وأصدرت في كانون الأول 2001 توجيهات حول العبادة الشعبية والليتورجيا. وفي حينه اعتبرت هذه الوثيقة التي صدرت عن مجمع الطقوس وليس عن البابا، جديدة، بالمقارنة مع التقوى والعبادات الشعبية القديمة قدم البشرية، كما ان المعضلات التي تطرحها العلاقات بين التقوى الشعبية وبين الليتورجيا هي قديمة قدم المسيحية وبالرغم من الاصلاح الليتورجي الذي أقره المجمع الفاتيكاني الثاني، فإن الممارسات التقوية ما زالت موجودة، وستبقى طالما هناك انسان يصلّي ويبتغي رضى الخالق.
وبالعودة إلى بولس السادس، الذي أصدر الإرشاد الرسولي «التبشير بالإنجيل» بعد دورة سينودس الأساقفة، فإنه يعتبر ان آباء السينودس اكتشفوا مجدداً أهمية التقوى الشعبية بعد أن درسوا الموضوع بتعمق وبواقعية وغيرة راعوية أكيدة. وهو يعتبر ان التقوى الشعبية هي أولاً وأخيراً تعبير عن تفتيش الإنسان الدائم عن الله وحاجته إلى الإيمان بخالقه وطلب رضاه.
ويؤكد البابا ان التقوى الشعبية لها محدوديتها وانها أحياناً تلامس الخرافة وتشوّه الدين وانها تبقى أحياناً كثيرة على مستوى التقاليد والعادات والثقافات الشعبية المتوارثة بدون ان تُطلب التزاماً صريحاً بالإيمان حتى انها تقود أحياناً إلى الإنخراط في الشيع والبدع التي تهدد مباشرة الجماعات الكنسية.
ولكن إذا وُجهت هذه التقوى التوجه الصحيح فإنها غنية بالقيم لأنها تُعبر عن عطش حقيقي لله يعرفه فقط البسطاء والفقراء والمساكين. انها تؤهل الإنسان إلى سخاء كبير وتضحية إلى حد البطولة عندما يتطلب الموقف إعلان الإيمان والشهادة له. كما انها تحوي على مفاهيم جميلة عن الله كالأبّوة والعناية والحضور المحب والثابت له وهي تقود الى الصبر وحمل الصليب في الحياة اليومية والإنفتاح على الآخر…غن هذه التقوى عندما يحس توجيهها تقود حتماً إلى لقاء الله بيسوع المسيح (راجع التبشير بالإنجيل رقم 48).
أمّا يوحنا بولس الثاني البابا القديس ففي الإرشاد الرسولي: «الكنيسة في آسيا» يؤكد على أهمية التقوى الشعبية الخاصة كتعبير أصيل للعمل الإرسالي العفوي الذي يقوم به شعب الله: «إذ انها حقيقة في تطور دائم حيث الروح القدس هو الفاعل الأول» (الكنيسة في آسيا 6 تشرين الثاني 1999 رقم 21).
ويصرّح البابا بندكتس السادس عشر، أثناء ترؤسه للجلسة الإفتتاحية للمؤتمر العام الخامس لمجلس أساقفة أميركا اللاتينية والكاراييب في 13 أيار 2007: «إن التقوى هي كنز الكنيسة الكاثوليكية الثمين إذ فيها تظهر نفس شعوب أميركا اللاتينية»… ونحن لا ننسى انه في افتتاح سينودس الأساقفة للشرق، الذي شاركنا فيه، وفي خطاب الإفتتاح، شبّه البابا بندكتس التقوى الشعبية بالأرض التي ابتلعت المياه وأنقذت المرأة التي حاول التنين أن يغرقها فيها (رؤيا 12/15).
وأخيراً ومع قداسة البابا فرنسيس يبلغ الإعجاب بالتقوى الشعبية ذروته وهو يتوقف على هذا الموضوع مطولاً وفي رسالته “فرح الإنجيل” اذ يُفرد له عنواناً مميزاً ومقاطع عديدة مُرجعاً إلى التقوى الشعبية “القدرة على التبشير بالإنجيل” (راجع 122، 123، 124، 125، 126) ومُعتبراًً إياها “التعبير الأصيل للعمل الإرسالي العفوي الذي يقوم به شعب الله وحيث الروح القدس هو الفاعل الأول (122) والأداة التي تساعدنا أن نفهم كيف ينثقف الإيمان المقبول في الثقافة المحليّة. وكيف يواصل التناقل (123).
بعد ذلك يتبنى البابا وثيقة اساقفة أميركا اللاتينية التي أعلنت في اباريسيدا (29/6/2007) والتي تتحدث عن الثروات التي يفيضها الروح القدس في التقوى الشعبية والتي يسميها الاساقفة أيضاً “الروحانيّة الشعبية” أو “الصوفية الشعبية”. فهي في نظرهم ونظر قداسته “روحانية حقيقية متجسدة في ثقافة البسطاء، كما أنها طريقة شرعية لعيش الإيمان، واسلوب للشعور بلإنتماء إلى الكنيسة، والإحساس بأن المرء مرسل، إنها تحمل في كيانها نعمة الرسالة، والخروج من الذات والسير في طريق الحج: إنها السير معاً إلى أمكنة العبادة، والاشتراك في تظاهرات التقوى الشعبية الأخرى واصطجاب الأولاد ايضاً أو دعوة أشخاص آخرين لذلك هي بحد ذاتها عمل تبشير بالإنجيل (124).
وينصح قداسته بالتقرّب من هذه التقوى بنظرة الراعي الصالح الذي لا يسعى ليدين بل ليُحب، داعياً إلى التفكير بإيمان باولئك الأمهات الراسخ، عند سرير ولدهن المريض، المتمرسات بتلاوة الوردية بينما هنّ لا يعرفن ان يتلفظن بكلمات قانون الإيمان؛ أو بكل تلك الأعمال المثقلة رجاء والتي تعبّر عنها بشمعة تُضاء في كوخ وضيع طلباً لمساعدة مريم، أو بتلك النظرات إلى المسيح المصلوب المملؤة حباً عميقاً. ويتابع قداسته: “من يحب الشعب القديس المؤمن بالله لا يمكنه أن ينظر إلى هذه الأعمال وكأنها فقط بحث طبيعي عن الألوهة. إنها تعبيرات حياة لاهوتية يُنعشُها عمل الروح القدس الذي أفيض في قلوبنا” (125) وينهي بابا الرحمة هذه المقاطع بقوله : “توجد في التوى الشعبية، بما أنها ثمرة الإنجيل المنثقف، فكأننا نتنكر لعمل الروح القدس. إننا مدعوون بالأحرى إلى أن نشجعها ونقويها كي نعمق مسار الأنثقاف الذي هو واقع لا يكتمل أبداً. علينا أن نتعلم الكثير من تعابير التقوى الشعبية، ولمن يعرف أن يقرأها، إنها موقع لاهوتي علينا أن نعيره اهتمامنا، بالأخص عندما نفكر بالتبشير الجديد بالإنجيل (126).
في الختام أعتقد شخصياً، وفي الختام، أننا إذا أحسّنا توجيه مظاهر التقوى الشعبية بطريقة تربوية دقيقة، نستطيع من خلالها قيادة شعب الله إلى التزام أعمق بالإيمان وبلقاء شخصي حيّ بالله الأب من خلال يسوع المسيح وبنعمة الروح القدس، للثالوث الأقدس المجد الأن وإلى الابد، آمين.”
الأب بشاره
ثم كانت كلمة الأب سمير بشارة اليسوعي تناول فيها فقال: في تعليم الكنيسة إنّ التقوى الشعبيّة كنز حقيقي للكنيسة، والتقوى الشعبيّة المُعاشة في العائلة تنقل مبادئ الإيمان المسيحي، وبإمكانها أن تكون قوّة مضادة تجاه البدع والشيَع المنتشرة التي قد تهدد نقاوة الإيمان، وإنّ التقوى الشعبيّة وممارستها السليمة هما نقطة انطلاق أساسيّة لعيش الإيمان بنضوج وعمق أكبر، ولها أهمّية مميّزة في الأنجلة الجديدة.”
وأشار إلى بعض التنبيهات “إلى التعلّق المبالغ بالعبادات والإكرامات المختلفة تُفقد أحياناً التركيز على شخص يسوع المسيح، لا بل تضعفه؛ إلى قلّة القراءة أو التأمل في الكتاب المقدّس؛ إلى المبالغة أو التعلق بالعلامات أو الإشارات أو التصرّفات التي ترتكز على المظهر الخارجي مثلاً (التوجه أثناء دخولنا الكنيسة نحو مزار القديس أو الأيقونة وعدم اعتبار المسيح الحاضر في بيت القربان؛ الإكثار في رسم إشارة الصليب بسرعة تُفقد المعنى العميق للحركة؛ لمس أو تقبيل الصور بصورة مفرطة.)، بحيث تؤدّي هذه العبادات الغير منضبطة أو الغير مهّذبة، والمرتكزة بشدّة على الحوّاس وتفعيل المشاعر إلى أن نقع في خطر السطحيّة أو “الإيمان السحريّ”.“
وقال “فيما يخصّ التطوافات والذخائر وإكرام القديسين والتقوى المريميّة، ليس عليها أن تبعدنا عن الهدف الأساسي ألا وهو أن نتقرّب أكثر من المسيح ومن محبّة الله ولا ننفصل عنه.”
وأوضح”مفهوم “الشهر المريمي” هو الاستعداد لاستقبال الروح القدس من خلال الإكرام المريمي، ولإكرام القديسين شفاعة خاصة ومميّزة ومن الضروري التوجه إليهم، علماً أن المسيح يبقى الوسيط الأوحد. وبالنسبة للتطوافات ليس عليها أن تطغي على قدسيّة الأسرار بل أن تخدمها وأن تنمّي فينا الإيمان، والخطر أن يتحوّل التطواف إلى معرض أو مهرجان فولكلوري. ويجب أن نتحاشَ الأبّهة الخارجيّة والبعيدة عن الأساس ألا وهو مجد الله وخلاص الإنسان.”
وقال “فيما يخصّ إكرام الذخائر والإيقونات علينا أن نحيطها باللياقة الكبيرة وأن يرافقها فعل إيمان كبير، علماً أنّنا لا نكرمها لذاتها لكن لما تمثّله: حياة إيمان نموذجيّة وبطوليّة.”
وختم بالقول “يجب أن ننتبه على ألاّ تركّز تقوانا على كثرة الحركات والأفعال الخارجيّة، لكن على ممارسة محبّة حارّة وفعّالة تُترجَم من خلال شهادة حياة مثاليّة مترسّخة في المسيح.”
=======