ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح الجمعة القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس بمناسبة عيد قلب يسوع الأقدس واختتام يوبيل الكهنة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: باحتفالنا بيوبيل الكهنة في عيد قلب يسوع الأقدس نحن مدعوون لنوجّه أنظارنا إلى القلب أي إلى جذور الحياة الثابتة ونواة العواطف، بكلمة واحدة إلى جوهر الإنسان. واليوم نريد أن نوجّه نظرنا إلى قلبين: قلب الراعي الصالح وقلبنا كرعاة.
تابع الحبر الأعظم يقول إن قلب الراعي الصالح ليس القلب الذي يرحمنا وحسب وإنما هو الرحمة عينها. هناك تشع محبّة الآب، وهناك بجميع محدودياتي وخطاياي أتذوق اليقين بأنني مختار ومحبوب. إن قلب الراعي الصالح يقول لنا إن محبته لا تُحَدّ، لا تتعب ولا تستسلم أبدًا. هناك نرى بذل ذاته المستمرّ والذي لا يعرف الحدود؛ هناك نجد ينبوع الحب الأمين والوديع الذي يتركنا أحرارًا ويحرّرنا؛ هناك نكتشف مجدّدًا في كل مرّة أن يسوع يحبّنا “إِلى أَقصى حُدودِ الحب” (يو 13، 1) بدون أن يفرض ذاته.
أضاف الأب الأقدس يقول إزاء قلب يسوع يولد السؤال الأساسي لحياتنا الكهنوتيّة: إلى أين يتوجّه قلبي؟ إن الخدمة الكهنوتيّة مليئة غالبًا بمبادرات ومشاريع متعدّدة: من التعليم المسيحي إلى الليتورجيّة، من أعمال المحبّة إلى الالتزامات الراعوية والإدارية أيضًا. وفي وسط العديد من النشاطات يبقى السؤال: أين هو قلبي وإلى أين يتوجّه، ما هو الكنز الذي يبحث عنه؟ لأنَّ – يسوع يقول – “حَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قلبُكَ” (متى 6، 21).
تابع البابا فرنسيس يقول لقلب يسوع كنزين لا يمكن استبدالهما: الآب ونحن. فقد كان يمضي أيامه بالصلاة إلى الآب ولقاء الناس. وقلب راعي المسيح أيضًا يعرف اتجاهين فقط: الرب والناس. قلب الكاهن هو قلب محبّة الرب، ولذلك فهو لا ينظر إلى ذاته بعد الآن بل هو موجّه نحو الله والإخوة. ولكي نساعد قلبنا ليضّطرم بمحبة يسوع الراعي الصالح، يمكننا أن نتمرّن من خلال تبني التصرفات الثلاثة التي تقدّمها لنا القراءات اليوم: البحث والإدماج والفرح.
أضاف الحبر الأعظم يقول البحث. يذكّرنا النبي حزقيال أن الله نفسه يَنشُدُ غنمه ويفتقدها (34، 11. 16). فهو، يقول لنا الإنجيل،”َيَسعى إِلى ٱلضّالِّ حَتّى يَجِدَهُ” (لوقا 15، 4)، بدون أن يخاف من المخاطر؛ لا يؤجّل البحث ولا يفكّر في نفسه قائلاً: “لقد قمت اليوم بواجبي، سأهتم بهذا الأمر غدًا” بل يبدأ بالعمل فورًا، ولا يرتاح قلبه قبل أن يجد الخروف الضال، فإذا وجده ينسى تعبه ويحمله على كتفيه فرحًا. هذا هو القلب الذي يبحث: إنه قلب لا يخصّص الأوقات والفسحات، ولا يبحث عن راحته. فالراعي بحسب قلب الله لا يدافع عن راحته ولا يخاف من الانتقادات بل هو مستعدٌّ للمخاطرة في سبيل التشبُّه بربه.
تابع الأب الأقدس يقول إن الراعي بحسب يسوع يملك قلبًا حرًّ ولا يعيش وهو يحسب أرباحه وساعات خدمته، إنه سامري صالح يبحث عن المعوز. إنه راع وليس مُفتِّش، ويتكرّس للرسالة بشكل كامل. وإذ يبحث يجد، ويجد لأنّه يُخاطر، ولا يتوقّف بعد خيبات الأمل ولا يستسلم في التعب؛ في الواقع هو عنيد في صنع الخير وممسوح بالعناد الإلهي الذي لا يسمح بأن يضيع أحد. لذلك فهو لا يترك الأبواب مفتوحة وحسب وإنما يخرج بحثًا عن الذين لا يريدون الدخول عبر الباب، وككل مسيحي صالح هو في خروج دائم من ذاته.
أضاف البابا فرنسيس يقول ثانيًا الإدماج. المسيح يحب ويعرف خرافه ويبذل حياته في سبيلها؛ قطيعه هو عائلته وحياته. ليس رئيسًا تخافه الخراف وإنما الراعي الذي يسير معها ويدعوها بأسمائها ويرغب بأن يجمع أيضًا الخراف التي ليست من حظيرته بعد. وهكذا أيضًا كاهن المسيح: فهو قد مُسح من أجل الشعب، لا ليختار مشاريعه الخاصة وإنما ليكون قريبًا من الناس الذين أوكلهم الله إليه بواسطة الكنيسة. لا يستثني أحدًا من قلبه وصلاته وابتسامته. بنظرة مُحبّة وقلب أب يقبل ويدمج ويؤدّب. هو خادم للشركة التي يحتفل بها ويعيشها، بصبر يُصغي إلى المشاكل ويرافق خطوات الأشخاص ويمنح المغفرة الإلهيّة بشفقة وسخاء.
تابع الأب الأقدس يقول ثالثًا الفرح. الله فرِح وفرحه يولد من المغفرة. إن فرح يسوع الراعي الصالح ليس فرحًا لنفسه وإنما فرحًا للآخرين ومع الآخرين، إنه فرح الحب الحقيقي. هذا هو أيضًا فرح الكاهن. فهو يتحوّل بفضل الرحمة التي يعطيها مجانًا. في الصلاة يكتشف عزاء الله ويختبر أن لا شيء أقوى من محبّته. لذلك يعيش بسلام داخلي ويفرح بكونه قناة رحمة تقرّب الإنسان إلى قلب الله.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الكهنة الأعزاء، في الاحتفال بالافخارستيا نجد يوميًّا هويتنا هذه كرعاة، وفي كل مرّة يمكننا أن نتبنَّى حقًّا كلماته هذه: “هذا هو جسدي الذي يُبذل من أجلكم”. هذا معنى حياتنا، إنها الكلمات التي يمكننا من خلالها أن نجدّد يوميًّا وعود سيامتنا الكهنوتيّة. أشكركم على الـ “نعم” التي قلتموها لتبذلوا حياتكم متّحدين مع يسوع: فهنا يكمن ينبوع فرحنا الطاهر!
(إذاعة الفاتيكان)