المسيحيون والمسلمون: موضوع رحمة الله وأدواتها

قراءة في رسالة المجلس البابوي للحوار بين الأديان حول المعايدة في عيد الفطر في المركز الكاثوليكي للإعلام

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عقدت قيل ظهر أمس الخميس ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام حول ” حول المسيحيون والمسلمون: موضوع رحمة الله وأدواتها” قراءة في رسالة المجلس البابوي للحوار بين الأديان حول المعايدة في عيد الفطر، الصادة عن حاضرة الفاتيكان في 10 حزيران 2016,
شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر ، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الأمينان العامان للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار: الدكتور محمد السمّاك، والأمير  حارس شهاب. وحضرها أمين عام جمعية الكتاب المقدّس الدكتور مايك باسوس، مدير “صوت الإنجيل” الأب اغسطينوس حلو، الأب نطوان عطالله، والإعلاميين والمهتمين.
 
المطران مطر
رحب المطران بولس مطربالحضور وقال:
“صباح الخير صباح البركة والإعياد المطلة علينا لعلها تحمل عفراناً لنا ومحبة وهداية ومزيداً من المحبة والسلام.”
تابع “يسرنا في مناسبة نهاية شهر رمضان شهر الصلاة والصوم وعمل الإحسان والخير ومع إطلالة عيد الفطرالسعيد أن  نتقدم بتهانينا من إخوتنا المسلمين في لبنان وفي العالم وأن نُعرب لهم عن محبتنا وعن تضامننا في السراء وفي الضراء في هذا الشرق المعذب.”ونحن اليوم بصدد إعلامكم عن الرسالة التقليديه التي يصدرها المجلس البابوي للحوار بين الإديان ككل سنةمعايداً إياهم بعيد الفطرالسعيد.”
وقال سيادته “أريد بادءاً ذي بدء أن الفت إلى أربعة نقاط حول مضمون هذه الرسالة:
الأولى: تتحدث الرسالة وهي من الكاردينال توران رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان حول شهر رمضان حول الصوم فيه والصلاة وعمل البر والإحسان، يُجل كاتب الرسالة اخوتنا المسلمين في عملهم في صومهم في كل ما يقومون به في هذا الشهر الفضيل. الصلاة تقربنا من الله والصوم يجعلنا أكثر طاعة لأوامره تعالى، بالصوم نروض النفس على طاعة الله، بالصلاة نرتفع إلى مستوى من يحادث الله  ويطلب بركته ونعمه، وعمل الإحسان هوعمل أساسي تضامنيي يقوم به المسلمون ونقوم به جميعاً وهكذا يجب أن يكون في العالم كله حتى  لا يكون هناك فقير وذليل  معدم  ومتخوم ، أن يكون  الناس اخوة متضامنين أن يلتفت بعضهم إلى بعض، هذه معاني هذا الشهر الكريم، عندنا نحن المسيحيين زمن للصوم أيصاً فيه نتعاطى بالصلاة الصوم والعمل الحسن ما يجعلنا نتقارب بعضنا من البعض إنطلاقاً من هذه القيم التي تجمعنا.
الثانية) الكاردينال توران يذكر أن هذه السنة هي في الكنيسة الكاثوليكة سنة الرحمة، ويقول أن اخواننا المسلمين يدعون الله “الرحمان الرحيم”ونحن نقول ” يا رب يا حنون يا محب البشر”  أي أننا نقدّس القيم ذاتها،  وعندنما عن الله هذه المقاربة الجميلة إنه الرحمان إنه العطوب المحب ونقول له في صلاتنا لا تنسى يا رب هذه الكرمة التي غرستها أيادينا. وانطلاقاً من هذه الرحمة التي هي  صفة عند الله أساسية  يذهب نيافته إلى الغفران، الرب الرحوم يغفر يعطي فرصة للناس كي يتوبوا أليه  كي يعودوا إلى ذاتهم ، هذا الغفران ضروري أن نتأمل به كثيرا لأنه يجدّد فينا طاقة الحياة وطاقة المحبة، يجعلنا نبتعد عن كل ما هو شر ونحن نقول الإنسان ليس هو شر الشيطان يلبس الإنسان ويُبعد عنه، الإنسان يبقى إنساناً على صورة الله خلق مشدود إلى ربه إذا ما فتحنا له سبيلاً لمعرفة هذه الحقيقة عن ذاته وعن ربّه في إن معاً الرحمة تؤدي إلى الغفران ورحمة الله هي الغفران بالذات.
الثالثة) يقول الكاتب بما أن الله هو رحوم نحن مفروض علينا أن نكون رحومين. الإنجيل المقدّس يقول: “كونوا رحومين كما أن أباكم السماوي هو رحوم”  فأين الرحمه عند الناس؟ يطلب نيافة الكاردينال أن نفكر جميعنا ونفكر ملياً بما يجري من حولنا، ما يجري من حولنا ليس كله رحمة بل على العكس  قساوة وتعذيب وقتل وتشريد هذه ليست إرادة الله فينا وعلينا ، لذلك انطلاقاً من رحمته يجب أن نفكر كلنا  كيف نغير هذه القساوة،  وإذا غيرنا ما بأنفسنا يتغير الناس انطلاقاً من ذواتنا، ولذلك على الصائمين والمصلين في العالم كله أن يركزوا على هذه القضية أن نتغير أنطلاقاً من صومنا وصلاتنا حتى نكون نحن من أهل الرحمة وأن نواجهة هذه القساوة التي نحياها في شرقنا العربي وفي كل مكان في العالم.”
الرابعة) يعود الكاتب ويقول إن لم يكن بإمكاننا مباشرة أن نوقف الحروب لعلنا نستطيع أن نخفف من ويلاتها بمعاطاتنا مع الناس بصورة إنسانية، يذكر قداسة البابا عندما أخذ كوكبة صغيرة من الأطفال المشردين إلى الفاتيكان حتى يكونوا معه ليقول للعالم كله لا تتركوا المهجرين وهم ستون مليون في العالم، هذه مأساة كبيرة تطال الإنسانية بأسرها، نحن لسنا من اللامبالين تجاه هذه المأساة، طبعاً لنا حساباتنا نحن في لبنان، لنا إناس بعدد كبير جداً يعيشون بيننا مما لا نطيق ولا نحتمل، ولكننا لن نترك الإنسانية فينا، ونبقى إنسانيين إلى آخر معنى الكلمة، وفي الوقت عينه لن نتناول الأمور من جوانبها كافة، ونُحمل الدول كلها مسؤولياتها نجاه هذا  الموضوع المأساوي الرهيب، لبنان ليس وحده له أصدقاء، ما من أحد وحده في هذه الدنيا وعلينا التضامن والإنسانية في العالم كله.”
 
السمّاك
ثم كانت كلمة الدكتور محمد السمّاك بعنوان الرحمة في العلاقات الاسلامية – المسيحية وقال:
“ليست هذه المرة الأولى التي يوجّه فيها الفاتيكان رسالة أخوّة الى المسلمين مهنئاً ومباركاً بشهر رمضان وبعيد الفطر. وإن تسمية الرسالة بأنها رسالة أخوة، ليست توصيفاً شخصياً من عندي. البابا بولس السادس، ثم البابا يوحنا بولس الثان ، والبابا بنديكتوس السادس عشر، وأخيراً البابا فرنسيس .. جميعهم خاطبوا المسلمين بأنهم أخوة . والواقع انه منذ “الفاتيكان الثاني” ، ووثيقة “نوسترا ايتاتي” التي صدرت عنه ، اصبح الخلاف مع المسلمين في نظر الكنيسة الكاثوليكية خلافاً مع الإيمان بالله الواحد الذي خلقنا جميعاً. وهذه العبارة أيضاً ليست توصيفاً شخصياً من عندي، انها النص الحرفي لما جاء في تلك الوثيقة التاريخية في عام 1965.”
تابع “منذ ذلك الوقت أو بعده بقليل، اصبحت رسائل المعايدة السنوية للمسلمين تقليداً فاتيكانياً نتوقعه في كل عام مع اطلالة شهر رمضان . ولكن ما تجاوز حسن توقعاتنا كمسلمين هو ما ذهب اليه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما دعا المسيحيين الى مشاركة المسلمين في صيام اليوم الأول من رمضان. لتكون هذه المشاركة مبادرة روحية رمزية تعبيراً عن الايمان بالله الواحد وبالوطن الواحد، وبالعيش الواحد.”
أضاف “تجسدت هذه الرمزية التزاماً أخلاقياً وموقفاً مبدأياً في مناسبات متعددة وفي ظروف مختلفة أشير على سبيل المثل والمثال معاً الى موقفين تاريخيين أعلنهما البابا القديس يوحنا بولس الثاني. الموقف الأول بعد الجريمة الارهابية في 11 سبتمبر – ايلول 2001 والتي كانت أساساً ومنطلقاً لاتهام الاسلام بالارهاب. يومها صدر عن لقاء عقد برعايته في الفاتيكان موقف يقول : ” لا يوجد دين ارهابي ولكن يوجد ارهابيون في كل دين “. وفي اعتقادي ان ذلك كان أبلغ رد يصدر من أعلى مرجعية دينية مسيحية في العالم يسفه اتهام الاسلام بالارهاب.”
تابع “أما الموقف المبدأي الثاني فقد صدر في أعقاب اجتياح الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 ، وهو الاجتياح الذي وصفه الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش بأنه ” صليبية جديدة” . يومها صدر عن البابا يوحنا بولس الثاني نفسه موقف أخلاقي سامٍ قال فيه “ان هذه الحرب ليست دينية. وهي غير اخلاقية وغير مبررة”. وفي اعتقادي انه لم يرتفع الى مستوى أخلاقية وصدقية هذا الموقف اي موقف آخر.”
وقال “لقد تعمدت الاشارة الى ذلك وبهذه المناسبة بالذات بعد أن قرأت تصريحاً لمسؤول تركي يتهم فيه البابا فرنسيس بأنه يمارس صليبية جديدة لمجرد انه وصف ما تعرّض له الأرمن في تركيا العثمانية في عام 1916 بالإبادة.”
ورأى أن تختلف تركيا اليوم مع الفاتيكان حول توصيف تلك المجزرة التاريخية البشعة، فذلك موضوع سياسي خاص بالدولة المعنية. أما ان تحمل العلاقات الاسلامية مع الفاتيكان، ومع البابا بالذات، ومع البابا فرنسيس على الأخص الذي فتح قلبه وكنيسته للناس جميعاً، وزر هذا الموقف ، فذلك أمر آخر.  إن التفاهم القائم على المحبة والاحترام والتعاون مع البابا فرنسيس يعني كل المسلمين الحريصين على إقامة افضل علاقات الأخوة مع الفاتيكان. والذين يعتبرون  البابا فرنسيس شخصياً  وكما اكدت ذلك زيارة إمام الأزهر الشريف الشيخ أحمد الطيب الى الكرسي الرسولي ، مرجعاً روحياً وأخلاقياً موثوقاً يمكن الاعتماد عليه ويمكن الاستناد اليه والاستقواء به لرد الاتهامات العشوائية التي تنهال على الاسلام من كل حدب وصوب ، وحتى من داخله.”
أردف “لتركيا كدولة حق الدفاع عن نفسها . والاعتراف بالحقيقة هو أفضل أنواع الدفاع عن النفس . ولكن ليس لها ، ولا لأي دولة أخرى عضو في منظمة التعاون الاسلامي أن تحمّل الاسلام ومسلمي العالم والعلاقات الاسلامية المسيحية ، أوزار أو تبعات أي موقف سياسي تتخذه دفاعاً عن مصالحها.” ثم انه لا يجوز استخدام الصليبية “شماعة” لتعليق التوترات التي تواجه علاقات طرف اسلامي ما بالأطراف الدولية الأخرى. فالقرن الواحد والعشرين ليس القرن العاشر والبابا فرنسيس ليس البابا اوربان.”
وقال “من حيث المبدأ لا يجوز اطلاق تهمة الصليبية على كل جهة تختلف مع جهة اسلامية في الرأي أو في الموقف السياسي . فكيف اذا كان صاحب هذا الرأي ، او هذا الموقف ، هو فاتيكان نوسترا إيتاتي .. وفاتيكان البابا فرنسيس ؟ وبأي منطق يوجه الاتهام بالصليبية الى من يوجه رسالة تهنئة الى المسلمين ، والى من يقول في رسالته  :
” إنه لمن دواعي الرجاء أن نسمع عن مسلمين ومسيحيين يضعون أيديهم في أيدي بعضهم البعض لمساعدة المحتاج. وعندما نعمل سوياً، فإننا نُتمّ وصيّة هامّة توصينا بها كل من ديانتينا ونقدّم، أفراداً وجماعات، شهادة أكثر مصداقيّة لما نؤمن به “.
أودّ أن أختم بالاشارة الى أمرين متكاملين وردا في رسالة التهنئة الفاتيكانية هذه ، يتمثل الأمر الأول في قول الرسالة : “نحن نعلم ان المسيحية والاسلام ديانتان تؤمنان بإله رحيم .. وان رحمة الله تتجلى على وجه الخصوص عندما يغفر لنا ذنوبنا “. أما الأمر الثاني فيتمثل في قول الرسالة ايضاً : نحن مدعوون مسيحين ومسلمين الى الاقتداء بالله تعالى.”
وختم بالقول شكراً لسيادة الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس الباباوي للعلاقات بين الأديان وصديق لبنان ومحبه .. وشكراً لسيادة المطران ميغل أنخيل أيوزو أمين سر المجلس والذي قضى زهرة شبابه في الشرق يعمل على بناء التعاون الاسلامي – المسيحي . شكراً لهما على رسالة التهئنة باسم قداسة البابا فرنسيس .. حامل اسم القديس فرنسيس الذي تسامى فوق الحملات الصليبية وفتح صفحة مشرقة في سجل الحوار الاسلامي – المسيحي حتى اثناء تلك الحملات البغيضة .”
وختم “فمن منطلق الرحمة خرج القديس فرنسيس ، وكان راهباً متواضعاً ، من بين صفوف القوات الصليبية الى المعسكر الاسلامي محاوراً وليس مقاتلاً .. ومن منطلق الرحمة أيضاً استقبله المسلمون وأحسنوا وفادته وحاوروه .. ثم أعادوه سالماً من حيث أتى ، محملاً بالهدايا الملكية. تلك هي ممارسات الرحمة التي “توصينا بها كل من ديانتينا” ، كما جاء في الرسالة البابوية. فالرحمة ، وكما جاء في الرسالة أيضاً ” موضوع عزيز على قلوب المسلمين والمسيحيين سواء بسواء ” ، بها نمارس إيماننا وانسانيتنا .. وبها نقتدي بالله خالقنا جميعاً . وبها نتمثل بجلاله . وبها نتصل به ونتواصل معه.”
 
شهاب
ثم كانت كلمة الأمير حارس شهاب جاء فيها:
“اللافت في رسالة هذه السنة هو التوجه العملي الذي تتضمنه، وهو توجه لا ينشد أفكارًا عامة فقط، إنما ينطلق من أهمية الاختبار الروحي، الذي يرسي معادلة لا مفر منها وهي أن من تمسه رحمة الله لا محال عامل بهديها فيجعل من ذاته أداة لها. وتهدف الرسالة الى تقوية العلائق الروحيّة التي تجمعنا، وخصوصًا أن موضوع الرحمة، هو موضوع عزيز على قلوب المسيحيين كما المسلمين، إذ أن الله خلقنا بفعل محبة شامل وهو رحيمٌ من خلال العناية التي يمنحها لنا في حياتنا اليومية.”
تابع “وتأكيداً على أهمية الرحمة أعلن قداسته سنة ٢٠١٦ سنة الرحمة تنتهي في العشرين من تشرين الثاني القادم. ولأنها كذلك فهي تُشكّل زمنًا مؤاتياً لتضميد الجراح ولعدم الأستسلام للملل والسأم، سيما وأننا عندما نُمعن النظر في حالة البشريّة اليوم يتملكنا الحزن بسبب الضحايا البريئة التي تسقط باستمرار من جرّاء دورات العنف والآفات البشرية والإجتماعية. لا يجوز لنا أن نشيح بنظرنا عن هذه الحقائق وعن هذه الأوجاع التي تسبّبها.”
أضاف “نقطة الارتكاز هي إذًا اختبار الرحمة بكونها صفة ملازمة لله في الفهم المسيحي والفهم الإسلامي. فالله هو “الرحمان الرحيم” في الاسلام وهو المحبة في المسيحية. بحيث أن هاتين الصفتين تتجاوزان التعبير اللفظي، وهو ما نجده في الفهم الاسلامي والمسيحي أن الله بكونه يرحم فهو يخرج إلى لقاء الإنسان. وفي القرآن آية تعبر خير تعبير عن هذا التلازم بين الصفة والذات الإلهية:  وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ . “
وقال ” وإذا كان الله لا يشبّه بشيء ولا يجسّم فإن رسالة المجلس الحبري تتحدّث عن تَبعات اختبار الرحمة، بمعنى أن من اختبر الرحمة يكون وجه الله في أرض البشر، أي أنه يذهب، وهذا هو الوجه، بما تقتضيه الرحمة. ويُترجم ذلك بشكل عملي في الرسالة على مستويين: الأول، شخصي وهو سعي الانسان الفرد مسيحيًا كان أو مسلمًا إلى طلب وجه الله، عبر مسيرة الصوم والتقشف والحج الذي تقول فيه الرسالة “إنه مناسبة مميزة لاختبار رحمة الله”، ممَّا يقود المؤمن إلى التوبة والمصالحة مع الله والآخر. والثاني، جماعي. فاختبار رحمة الله لا يعدّ مكسبًا شخصيًّا يقف عند حدود الاختبار الذاتي، بل يتعداه إلى الخير المشترك. وهنا تقوم في النص معادلة صريحة بين الاختبار والعيش. فالرسالة تشدّد على هذا التطابق، إذ من يختبر الرحمة يستحيل ألا يتشبه بمن اختبر رحمته عليه.”
وقال “إن هذه الدعوة الصريحة التي تحملها رسالة هذه السنة تعنينا نحن المسيحيين والمسلمين في لبنان أيضًا، إذ أنه على رغم كل الجو القاتم الذي نعيش فيه، لا يمكننا تناسي الشهادة المشتركة التي تقدّمها العديد من المؤسسات المسيحية والإسلامية في لبنان في تجسيد هذه الرحمة حيث هناك آلام، وهذا ما يشكل عنوان أمل للمستقبل .”
تابع “لذلك نحن في لبنان مدعوون بشكل خاص الى التأمل العميق في محتويات هذه الرسالة وفي تطبيقاتها العملية في ديارنا. إن العنف الذي يضرب مجتمعنا مُحاولاً تفسيخه وما نشهده من بوادر تؤشر الى هذا التفسّخ تدفعنا أن نشد عزائمنا ونتصدى لهذه التيارات الهدامة ونعمل معاً لإعادة الزخم للرسالة اللبنانية التي أفردت لوطننا مكانةً مرموقة على المستوى العالمي.”
أضاف “لقد دلّت مسيرة البابا فرنسيس حتى اليوم من خلال مُختلف النشاطات التي قام بها في مجال العلاقات الإسلامية المسيحية، خصوصاً خلال هذا العام، عن عمق تمسكه بضرورة تفعيل هذه العلاقات، وهو في ذلك إنما يُعبّر عن إخلاصه وتعلّقه بما قرره المجمع الفاتيكاني الثاني ولاسيما الوثيقتان” في عصرنا” و” فرح ورجاء ” وصولاً الى ما يُسميه حماية الدار المشتركة، والتعايش المُتناغم. إن الحوار ليس خياراً بل إنه ضرورةٌ لإنشاء شبكات التفاعل والإحترام والاخوّة وبناء وتدعيم الجسور لاسيما بين المسيحيين والمسلمين الذين يُشكلون معاً نصف سُكان العالم.”
تابع “ولا بدّ لنا في الختام من وقفة مع التطوّر السلبي والخطير الذي شكلته تفجيرات القاع الإرهابية المستنكرة والمدانة، فنتضامن بشكل كامل مع أهلها الأبطال الذين بذلوا دماءهم دفاعاً عن عقيدتهم ومبادئهم وأرضهم، وإذ نوجه لأهل القاع تحية وفاء وتقدير، نطالب الدولة بإلحاح أن تخرج من عجزها وتُسرع في تضميد الجراح  وتستخلص العِبر والدروس ممَّا حصل وتتخذ التدابير اللازمة كي تَحول دون تكرار مثل هذه المأسي.”
 
أبو كسم
وفي الختام كانت كلمة الخوري عبده أبو كسم جاء فيها:
“نجتمع اليوم في مناسبة عيد الفطر السعيد ونهاية شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والصوم والصلاة، لنتبادل التهاني في هذا العيد، مسليمن ومسيحيين، بهدف تأكيد ما  تصبو إليه الديانتين المسيحية والإسلام، وهو عيش المحبّة والرحمة على هذه الأرض، كما أوصانا الله سبحانه وتعالى.”
تابع “وإن اجتماعنا اليوم يأتي أيضاً تضامناً مع أهلنا في بلدة القاع، لنؤكد لهم أن كل لبنان يتعاطف، لا بل متمسك أكثر من أي وقتٍ مضى، بضرورة بقاء هذه المنطقة وأهلها حيث هم، لانهم كانوا وما زالوا رمزاً للوحدة الوطنية والعيش الواحد والدرع الواقي للداخل اللبناني.”
وقال “إن الشهداء الأبرار والأبطال الذين سقطوا في بلدة القاع فدوا بدمائهم كل لبنان، وبرهنوا أنهم حموا بصدورهم أرض الوطن متمسكين بإيمانهم وأرضهم أرض السلام والمحبّة.”
أردف “وفي هذه المناسبة فإننا ندعو إلى استكمال التضامن الوطني في مواجهة كل أشكال العنف والإرهاب، وندعو إلى ترجمة كل الشعارات التي أطلقت من قبل المسؤولين الذين زاروا بلدة القاع، السياسيين منهم والأمنيين، والفاعليات الروحيّة من مختلف الطوائف، ندعوهم إلى ترجمة شعاراتهم إلى حقائق على أرض الواقع، فالإستنكار وحده لا يكفي، إنما الدعم الأخوي هو الأهم، “فالجمرة لا تكوي إلا مكانها” كما يقول المثل.”
وختم بالقول “نسأل الله أن يعيد عيد الفطر على المسلمين واللبنانيين بالخير والبركة والصحة، وأن يبسط سلامه في ربوع وطننا العزيز لبنان”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

فيوليت حنين مستريح

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير