Pentecoste - Santa Maria dell'anima

Robert Cheaib

الأحد التاسع بعد عيد العنصرة (مرقس 3: 20 -30)

بحسب طقس الكنيسة السريانية الانطاكية الكاثوليكية

Share this Entry

توصّلت عائلة يسوع إلى قناعة بان يسوع قد مسّحه روح شيطاني، وحان الوقت ليكفّ عن عمله ويرجع للبيت… هذا التفكير جاء لان عائلة يسوع تنتمي إلى مجتمع تقليدي يؤمن بالشريعة اكثر من إيمانه بالله، وهذا ما جعلهم يحاربون يسوع واتهامه بالتجديف لانه كان يسير بعكس اعتقادهم وايمانهم، كان يريد ان يوجهانظارهم إلى الحقيقة والجوهر عوض التركيز على الوسيلة الثانوية…

كل الناس يبحثون عن ما يجعلهم مرتاحين آمنين، فقط يسوع يبحث عن ما يقلقه… كان ليسوع عمل يدر له ربحاً كبيراً، ويجعله يستقر في حياته… ولكنه يختار ان لا يجلس مكتوف اليدين، بل ينطلق ليعمل ما يحرك الماء الساكن الراكد، العفن، وليخلق التيار الذي يرجع تلك النكهة الحقيقية للأيمان والتدين… يأتي يسوع ليخلق من جديد ويرجع انظار الإنسان إلى الله، يرجع للإنسان صورته الحقيقية، ويعطي للشريعة معناها الحقيقي… يجابه الكتبة والفريسيين، فيغامر بحياته وبراحته، كل الناس يبحثون عن الأمان وإن كان على حساب الحقيقة، ولكن يسوع يختار الـ لا أمان، يختار المغامرة حتى بحياته، ليجلب الإنسان إلى الحقيقة… يسوع يختار مجموعة صيادين، جابي ضرائب، وشخص قومي وسياسي متطرّف، حقيقة، يسوع مجنون، مجنون في تصرّفاته، والناس يحسبونه مجنوناً لان يختلف عنهم وعن منطقهم…

          أعداء يسوع كذّبوا الحقيقة الواضحة، وعوضاً أن يعترفوا بالخطأ، رفضوا الاعتراف بان يسوع هو حر، ولهذا هو يحكي الحقيقة ولا يخاف، حر من كل شيء، حر حتى من ذاته… اتّهموه انه يشفي بقوة الشيطان…

نعت الفريسيين يسوع بحليف الشيطان… لقد كانت هذه كلمات مريعة حقاً… ويمكن رؤية قلب إنسان، من خلال الكلمات التي ينطق بها… فما هو في القلب يطفو على للسان، ومن فيض القلب تتكلم الشفاه… نحن نكشف أنفسنا من خلال كلامنا… قد يقول إنسان كلام معين بذيء في حالة الغضب، ما كان ليقولها لو لم يكن غاضباً، وما أن نطق بهذه الكلمات المؤذية، فما من شيء ممكن ان يعيدها، وهي تسبب الألم أينما تذهب…

هل من الممكن ان يصل المرء إلى مرحلة فيها يبدو الخير شرّاً والشّر خيراً.. حقيقة، في الكثير من الأحيان، نعمي أعيننا عن الكثير من الأمور، أو نحن نتغاضى عن كثير من الامور التي تمسّ حياتنا… فنشوّه الحقيقة، لان الحقيقة تواجهنا مع أنفسنا، الحقيقة تكشف زيفنا واخطائنا… وهنا تصل (انت وانا) إلى مرحلة الانغلاق على الذات، لا تقبل التغيير، بل تنبذ كل ما يجعلك منفتحاً على الآخرين… وفي نفس الوقت، يكفي وقفة شجاعة واحدة امام ذاتك لتعترف بالحقيقة، انت على خطأ، وبحاجة لتصحيح مسارك… ولكن، معارضي يسوع اختاروا الانغلاق على قناعاتهم الشخصية، والتي منها انطلقوا ليفسروا فكر الله، لا بل بدأوا يسيرون الله على هواهم.

          إذا، هذا السلوك، هو الذي يؤدي بنا إلى التجديف على الروح القدس… كيف؟ ما هو التجديف على الروح القدس؟

الخطيئة التي لا تُغتفر هي رفض الاعتراف بأن الله في يسوع المسيح هو نعمة وغفران، ومن خلال الروح القدس تعطى هذه النعمة لنا… التجديف على الروح القدس، يعني رفض روح الله، أي رفض جوهر الله الذي هو محبة غافرة، وعندما ترفض الله كغافر، يعني إنكترفض الغفران نفسه واقصيت نفسك عن الملكوت، وبالتالي، الهلاك… ترفض حقيقة غفران الله، تلك الحقيقة التي أتت لأنك خاطئ..ترفض حقيقة الغفران، مفترضاً أنك أبرّ الناس جميعاً وأكثرهم عدلاً… والذي يقتف هذه الخطيئة يتصوّر نفسه على حق دوماً، ولا يحتاج إلى غفران…

أخطر ما يكون في الإنسان، هو الانغلاق على قناعات شخصية، والافتراضوالاقتناع بأنني على حق دائماً… هذه هي المقاومة الصريحة للروح القدس، هذا هو معنى التجديف على الروح القدس… أن تأتي امامك كل الحلول ولكنك لا تريد ان ترى، فتبقى في انغلاقك… هذا هو التجديف على الروح القدس، ألا تقبل أبداً الحقيقة، وتعمي عينيك عنها… فالآب من البدء سار مع الإنسان، وكانت هنالك كثير من العلامات التي تدل على صدق الله مع الإنسان، ولم تفد شيئاً…. ومن ثمّ أرسل الله ابنه الوحيد لكي ما يبشّر الناس بالخلاص نفسه الذي بشّر به الانبياء المرسلين، ولم تفد شيئاً، وفي النهاية يرسل الله روحه المعزي، الذي يذكّرالإنسان بكل شيء، هو الذي يكشف للإنسان ما هي الحقيقة…. فإذا لم تفد أيضاً معنى هذا، الإنسان منغلق على ذاته إلى الأبد، إذا لا غفران أبداً أيضاً… لان الغفران يتطلّب الاعتراف بالخطأ…

علينا أن نفهم، بان قناعاتنا هي نسبية، وان من يملك الحقيقة هو الله الأب، في يسوع المسيح، وفي الكنيسة بواسطة الروح القدس… هنا نرى الحقيقة ونقبلها وعيشها… ولكن، من يقول الحقيقة، هو دائماً منبوذ، وكما كان يسع يقول الحقيقة وكان منبوذاً بسببها، كذلك كنيسته بشخص رسله وخلفائهم ومؤمنيهم، منبوذون في العالم، لانهم يتكلمون بالحق وينادون به… دائما ننساق وراء من يقول الباطل، الذي يغرينا بكلام معسول، يغرينا بأمور آنية لا علاقة لها بالمستقبل… علينا أن نعرف كيف نقبل الحقيقة وننفتح عليها… لان الإنسان الذي يختبئ وراء قناعات وافكار بالية، هو إنسان يرى ولا بصر، يسمع ولا يفهم، هو إنسان قاسي القلب وغليظ الرقبة يقول عنهم ربنا…

          إذا فلنراجع أنفسنا اليوم، إلى أي درجة نحن متحدين بالحقيقة، إلى أي درجة نحن أمينين للحقيقة…. هنالك دائما ما يجعلك تترك الحقيقة، ولكن، هل أنت مستعد لتبنيها… الحقيقة واضحة امامنا، ولكننا في كثير من الأحيان نحاربها، لأنها تقلقنا، لأننا لا نريد أن نفهم، دائما ننطلق من عقلياتنا… إلى أي درجة انت ترفض الروح القدس، روح الحق، إلى أي درجة أنت ترفض الحق وتنغلق على ذاتك…

اليوم فرصة لنا ان نعلم ان نبحث عن الحقيقة لا ان تأتي إلينا، علينا ان ننتزعها… فإلى أي درجة أنت مستعد لان تنتزع الحقيقة، وإلى أي درجة أنت مستعد ان تقبل أن تفهم أنك ضعيف وخاطئ ومحدود، وبحاجة إلى حقيقة غفران الرب لتحيا حياة صحيحة، تتبنى حقيقة الغفران، ومستعد لأن تعيشها وتدافع عنها؟ …آمين

Share this Entry

الأخت دولّي شعيا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير