Robert Cheaib - theologhia.com - CC BY-NC

ماذا يحدث للنفس بعد الموت؟ سؤال وجواب عالطاير

الانسان يتكون من روح ونفس وجسد . عند موت الانسان الروح تنفصل عن الجسد وتذهب الى الفردوس او الهاوية . والجسد يذهب الى التراب ويتحلل . السؤال هو : ماذا يحدث للنفس؟هل تموت ؟ ام تبقى خالدة مثل الروح ؟؟ وان كانت […]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الانسان يتكون من روح ونفس وجسد . عند موت الانسان الروح تنفصل عن الجسد وتذهب الى الفردوس او الهاوية . والجسد يذهب الى التراب ويتحلل . السؤال هو : ماذا يحدث للنفس؟هل تموت ؟ ام تبقى خالدة مثل الروح ؟؟ وان كانت خالدة فأين تذهب بعد الموت؟هل تكون متلازمة مع الروح وتبقى في انتظار القيامة لتعود تتّحد مع الجسد المقام ؟
*
حقيقة هذا السؤال مهمّ جدّا، ودارت حوله طواحين كثيرة. ولا يحتاجُ هكذا أسئلة إلى إجابات مختصرة، بل يحتاجُ لدراسات معمّقة في اللاهوت الإسختولوجيّ (علم النهايات). فلا مجالٌ هنا في طرح كلّ شيء إلا بصورة مبسّطة ومركّزة. وكالعادة، لا نخرجُ من تعليم الكنيسة والدراسات اللاهوتيّة الاصيلة.
قبل جوابي على السؤال الأساسيّ، لنرى أوّلا ماذا تعني المفردات النفس ، الروح ، الجسد؟ يقولُ بيير مورلون بيرنَير اليسوعيّ ( يعمل على تكوين معلّمي التعليم المسيحيّ المحترفين من القارّات الخمس) : ” نِفِش (نفس) في المعنى الأصليّ تعني ” الحلق ” ( مزمور 69: 2؛ أش 29 : 8 ؛ يون 2 : 6)، وتوسّعت في ما بعد لتعني النَفَس، وبالتالي الحياة، والشخص الحيّ، والكائن الواقعيّ، والأنا. النفس هي مركزُ الشعور ووحدة القدرة الحيويّة؛ إنها إذن الشخص الواقعيّ والحيّ الذي تحرّكه حيويّته الأساسيّة؛ وهي تعني أحيانــــا ببساطة المكافئ للضمير الشخصيّ المدعّم ( أنا نفسي …)، مع إلحاح أو مع غطرسة ( راجع مز 103 : 1 ؛ صم 18 : 1 ).
الجسد: بَسَر، في المعنى الأصليّ، اللحم، أي التجلي الملموس للنفس التي لا تنفصلُ أبدًا عن اللحم. يمكننا القولُ إذن أنّ الإنسان هو لحم، وليس له لحم. واللحم يصفُ مظهر عمق الكيان الخارجيّ، الملموس، الجسدانيّ. وعلى هذا، فإنّ كلمة ” لحــــم” تحملُ مفهوم سرعة العَطب، (إحدى تعريفات علوم الإنثروبولوجيا للإنسان أنه  ” كائن سريع العَطبْ“)، لكنّها لا تحملُ معنى أخلاقيّا تحقيريّا.
روح: في المعنى الأصليّ، النَفَس أو الريح، وبناءً عليه فهي النفخة في تنفس الإنسان التي تأتي من الله وإليه تعود عندما يسلّم الإنسان الروح. وتشيرُ روح الإنسان أيضا إلى الشخص ذاته في داخليّته. ويقول بيير أيضا : إن القدرة الحيويّة هذه المُعارة للإنسان تأتيه من الله، ولكنّها تعاني التقلّب في أثناء المرض أو ببساطة في أثناء النوم.
تصحيحٌ أوّليّ للسؤال المطروح: الإنسان لا يتكوّن من ” روح وجسد ونفس “، ولا نقدرُ أن نقولَ إنه يمتلك نفسًا، وروحا، وجسدًا؛ بل هو ذاته ” جسد وروح ونفس”. فأنا جسدي وجسدي هو أنا. فلا يُمكن القول: عندي جسد ! وكأنه قطعة شوكولاته يمكنُ تقسيمها!! كلّا. الإنسان هو الجسد والروح والنفس. جسده قطعة من الكون كلّه، ونفسه هي مبدأ حياة روحيّ غير مركّب، إنها مرتبطةٌ بالجسد الذي تحييه، لكنها لا تنحصرُ فيه. إنها تتمتّع بإمكانيّات خاصة بالفكر المجرّد والإرادة الحرّة والعواطف والإنفعالات (مَلكات النفس).
يقول المجمع الفاتيكانيّ الثاني ” الإنسان نفسٌ وجسد، غير أنه حقّا واحدٌ. وهو، بوضعه الجسديّ ذاته، صورةٌ مصغّرة لعالم ا لأشياء التي تجدُ فيه ذروتها وتستطيعُ بحريّة أن تسبّح خالقها”. ويقول أساقفة المانيا في هذا الشأن أيضا ” ترسّخ الإعتقاد في الكنيسة بأنّ الموت يعني إنفصالُ النفس عن الجسد. ففيما يندثِرُ الجسدُ في الموت، تُقبَل النفس، لدى الناس الذين يموتون في حالة النعمة، في شركة أبديّة مع الله. لكن، هذه العقيدة لا يمكن فهمها  على وجهها الصحيح إلا إذا رأينا في النفس (كما ذكر أعلاه) ليس قسمًا من الإنسان وحسب إلى جانب جسده، بل مبدأ الحياة للإنسان الواحد بمجمله، وبتعبير ٍ معاصِر، الــــ ” أنا ” في الإنسان، ذاتيّته، ومحور شخصه.
الجسد والنفس والروح، ليست أقساما يمكنُ فصلها الواحد عن الآخر في الإنسان. فلا إنسان إن حذفنا واحدة من هذه الحقائق التي تكوّن الإنسان كاملا. فتعليمُ الكنيسة يقولُ بموت الإنسان كلّه. وهي تؤكّد أنه، في الموت، يموتُ الإنسان كلّه، وأنّ الله يخلقه خلقا جديدًا في نهاية  الأزمنة.
الله هو مقياس الإنسان وهدفه، لا الإنسان هو مقياس وهدف ذاته. فلا يحيا الإنسان من ذاته، بل بنعمة وقوّة الله. فالله وحده، والحياة بجواره، إنما هما قداسة الإنسان وبرّه وكماله. علاوةً على ذلك، لا يمكنُ، بحسب المفهوم المسيحيّ، فصل النفس والجسد فصلا تامّا بحيث تستطيعُ النفس أن تتّخذ أجسادا مختلفة، من دون أن تفقد بذلك هويّتها. ” إنفصالُ النفس عن الجسد، أي إنقطاع وفصم العلاقة القائمة حتى الآن مع البيئة والمحيط. ففقدان العلاقة هذا يعبّر عنه ايضا تصوّرُ العهد القديم للجحيم. بحسب الإيمان، لا يكون ثمّة إنفصالٌ مطلق وكامل بين النفس والجسد، وبالتالي انقطاع تامّ للعلاقة مع العالم.
يقولُ توما الأكوينيّ، وأيضا الفيلسوف أرسطو، أن النفس هي صورةُ الجسد. هذه العبارة تعني، بالنسبة إلى أرسطو، أنّ النفسَ مرتبطةٌ برباط ٍ ماديّ، بالضبط على غرار مبدإ الإكتمال، ذاك المبدإ المُكوِّن لأيّ واقع ٍ ماديّ وذلك بترابط ٍ تامّ بين النفس والمادة: فبدون الصورة تبقى المادّة مجرّد إمكانية؛ و ” الصورة ” لا تصير حقيقة إلا في إتحادها بالمادة. فإذا كانت النفس صورة، فهي جزءٌ من العالم الجسديّ، من موته ومن صيرورته. وهذا يعني من ناحية أخرى، أن أن الروح، التي ليست جزءًا من هذا العالم، ليست عنصرًا فرديّا ولا عنصرًا شخصيّا، ومن أجل ذلك فهي خالدة.  ” الإنسان منذ خلقه معدّ للخلود ” (البابا بنديكتوس السادس عشر).. بالفعل، فإنّ ما يجعلُ الإنسان خالدًا ليس كونه قائمًا بذاته من دون أيّة علاقة، بل بالتحديد كونه في علاقة وقدرته على الإتصال بالله، حينئذ يجبُ أن نضيفَ الآن أنّ إنفتاح الوجود هذا ليسَ أمرًا عارضا يضاف إلى كائن مستقلّ عنه، بل يشكّل عمقَ كيانه الإنسانيّ.
في المفهوم المسيحيّ، ليست النفس في حدّ ذاتها خالدة، بل إنها صورة الابن البكر المطبوعة في الإنسان، وإن قيامة المسيح قد منحاها تلك الصفة، كما منحها للجسد في الحياة الأبديّة. فلولا المسيح، لعاد الجسد والنفس إلى العدم. إلاّ إنّ الجِنس سيزولُ في الأبديّة، بحسب ما صرّح يسوع؛ هكذا فإنّ وضع الجنس انثروبولوجيّا مؤقّت. إذن، فوحدة الإنسان وعدم تشرذمه بين روحه ونفسه وجسده، هو ما يكوّن الشخص في علاقاته مع الله ومع الآخرين.  يقولُ غريغوريوس البَلماسيّ ” تملك النفس البشريّة الحياة بحسب الجوهر وبحسب القوى وهي لا تحيا وحدها بل تنقلُ الحياة إلى الجسد”.
النفس الجسد
يقول معجم اللاهوت الكتابيّ في الصفحة 813 حول النفس والجسد: ” ولئن ذهبت الأنفسُ إلى مقرّ الأموات، فليس معنى ذلك أنها تعيش فيه دون جسد” . فوجودها لا يعتبر وجودًا. وذلك بسبب أنها لا تستطيع أن تعبّر عن ذاتها دون جسد. وعقيدة خلود الإنسان لا تكون هي ومفهوم روحانيّة النفس واحدًا، ولا تتماثلُ معه. كذلك لا يبدو أنّ كتاب الحكمة قد أدخَل هذه العقيدة في تراث الوحيّ الكتابيّ. (إن كان هناك من تمييز بين النفس والجسد فليس من أجل أن نتصوّر وجودًا حقيقيّا لنفسٍ منفصلة. فالله  الذي بيده النفوس، يستطيعُ أن يقيمها ما دامَ خلق الإنسان خالدًا.
كل هذا الكلام بالمختصر، فالموضوع يحتاجُ لدراسة أكبر.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير