إنّ التشاؤم هو قوّة مظلمة في حياة الإنسان الروحية، وهو غالباً ما يتأتّى من رفض تقبّل حقيقة أساسية، ألا وهي أنّ الواقع يتغلّب دائماً على رغباتنا الشخصيّة، فلا تكون حياتنا كما أردناها. وهكذا، تصبح الحياة لغزاً لا نراه ينحلّ.
أمام هذا الواقع، سنحاول استعراض رؤية الأب جيفري ف. كيربي حيال هذه “المتاهة” التي أوردها في مقال له نشره موقع cruxnow.com الإلكتروني، علّنا نتوصّل إلى تسهيل حياتنا وإيجاد يسوع فيها مجدداً.
الحياة الروحية متاهة، وكلّما أدرك المرء مصاعبها وعقباتها، فهم بعض الحقائق الأساسية، واكتسب وعياً لتلك الحقائق بما أنّه وجد معانيها خلال المصارعة معها وسط أفراح الحياة وأحزانها وآمالها وخيبات الأمل فيها. لذا، فحقائق الحياة الروحيّة ليست وقائع تقتصر على فئات معيّنة، بل هي محسوسة وملموسة، وغالباً ما تكون حقيقية أكثر من حالة الأشياء التي هي نصب عيوننا.
ومن بين هذه الحقائق الروحية الأساسية، هناك واقع يشير إلى أنّ الحياة ليست كما نريدها، وهذه إحدى الحكم التي لا تتزحزح، والتي نعجز عن السيطرة عليها أو التحكّم بها أو حتّى مجادلتها. هذا الواقع أساسيّ إلى درجة أنّه لا يمكن للإنسان النموّ في النضج أو القداسة إلى أن يتمّ تقبّله والاستسلام له.
إذاً، الواقع يفوز، والحياة ليست دائماً كما نريدها. لكن إن ثار شخص على هذا الواقع، يمكنه أن يصبح بسهولة طريدة للتشاؤم الذي يجعل كلّ شيء يتّشح بالسلبيّة والتهكّم والنقد المدمّر. وعندما يدخل التشاؤم إلى روح إنسان، قد ينال منها إلى درجة أنّه يصعب التخلّص منه، بدون أن ننسى أن نذكر أنّ المتشائم يشعر أنّه يرى نفسه أعلى من الآخرين، فيعجز حتّى عن رؤية ما خلف عالم تشاؤمه الذي يخنقه.
إلّا أنّه خلف هذا الظلام، هناك عالم كبير يدعو كلّ شخص إلى اختبار حريّته الروحية، والتي تترافق مع العيش بناء على الحقيقة، خاصّة عندما يصعب تقبّلها. أمّا عندما نبدأ بتقبّل الحقيقة، ينفتح العالم ونرى أشياء استحالت رؤيتها من قبل، لنبدأ بالشعور بوجود الله وبعنايته بكلّ تفاصيل حياتنا. عندها، لا نعود نعتبر أنّ الحياة مشكلة علينا أن نحلّها، بل نراها كلغز يجب عيشه، وكهديّة أعطانا إياها الخالق، فينهال علينا الجمال والتقدّم والعزاء والأمل!
في السياق عينه، شكّل تفادي التشاؤم محور صرخة البابا يوحنا الثالث والعشرين لدى انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1962، والذي قاد الكنيسة الكاثوليكية في التزامها في العالم. وقد كان البابا الراحل قد عاتب “أنبياء الكآبة الذين يتنبّأون دائماً بالكوارث، وكأنّ نهاية العالم وشيكة”.
من ناحيته، تابع البابا فرنسيس هذه الحملة ضدّ التشاؤم، وقال في بداية بابويّته: “يجب ألّا نستسلم للتشاؤم وللمرارة اللذين يقدّمهما لنا الشيطان كلّ يوم”. كما وقال في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”: “من بين التجارب الخطيرة التي تخنق الحماسة، نرى الانهزام الذي يحوّلنا إلى متشائمين لا يسعون إلّا إلى الخصام”. ويتابع الحبر الأعظم حتّى يومنا هذا حثّ المؤمنين على الابتعاد عن التشاؤم والتقرّب من تقدير الحقائق الروحيّة وعذوبة الحياة.
كلّ شخص مدعوّ للقاء الطيبة عبر تفادي التشاؤم والتوصّل إلى نضج في النقد، فتصبح الحياة أسهل وأكثر فرحاً ومتعة. أمّا إن تحاشينا الحقائق الروحيّة، نكون نخاطر بأن نعيش حياتنا في الغضب وفي الأمور الفاشلة بدلاً من أن نتعلّم الاستفادة من “إخفاقات” الحياة. وبدلاً من أن نبقى عالقين في هذه “العبوديّة” للتشاؤم، فلنرَ الحياة كما هي ولنقدّر الجود الذي فيها.