Robert Cheaib - theologhia.com - CC BY-NC

عظة المطران ميشال قصارجي في قداس عيد الملاك رافائيل

آبائي الأجلاء، والشمامسة الأحباء حضرة الراهبات الفاضلات أبناء الكنيسة الكلدانية في لبنان أيُّها الإخوة والأخوات الكرام   لقد أرسَلَ الآبُ ابنه الوحيدَ يسوعَ المسيحِ الى العالم ليكشف له بالقول والفعل وجه الله الرحوم ولذلك طاف المعلّمُ الإلهيُّ في أرضنا يشفي المرضى ويعزّي […]

Share this Entry

آبائي الأجلاء، والشمامسة الأحباء
حضرة الراهبات الفاضلات
أبناء الكنيسة الكلدانية في لبنان
أيُّها الإخوة والأخوات الكرام
 
لقد أرسَلَ الآبُ ابنه الوحيدَ يسوعَ المسيحِ الى العالم ليكشف له بالقول والفعل وجه الله الرحوم ولذلك طاف المعلّمُ الإلهيُّ في أرضنا يشفي المرضى ويعزّي الحزانى ويُقيم الموتى وينشُر تعاليم الخلاص ويدعو الى التوبةِ الخطّائين ويُعلن بالكلمة وبالعمل حلول ملكوتِ العدالة والمصالحة والسلام.
وحينما أرسل يسوعُ تلاميذه، “أرسلهم اثنَين اثنَين” (لوقا 10)، الى كُلّ بقعةٍ من بقاع الأرض ليُكمِلوا رسالته الخلاصيّة وينشروا اينما حلّوا وبشتّى السُبل المتاحة، حضارة المحبّة والتآخي.
في هذه المهمّة الشاقّة التي كان الرُسُل حاملي لوائها بشجاعةٍ هي من العلوّ منسكبة، من فيضِ أنوار الروح القدس المؤيّد والمعزّي، “كانت يدُ الرب معهم”.
كيف لا يكون اللهُ سلاحَ صانعي السلام ورفيقَ السائرين في دروب خدمة المحتاج؟ أو ليس هو القائل بلسان مختاريه: “جعلتُكَ نوراً للأمم لتحمل الخلاص الى اقاصي الأرض!؟” (رسُل 13/47).
هذه الخميرةُ، بل تلك الحبَّةُ التي غرسها الربُّ في حقل العالم، أعني الكنيسةَ التي أسَّسها على صخرة الإيمان، تواصل الى منتهى الدهر ما ابتدأه المخلّص الفادي يسوع. وهذا ما ورد في أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني “دستور عقائدي في الكنيسة”، حين قال: “الكنيسة التي هي جسدُ المسيح ونحن أعضاءٌ فيه، قد جُهّزت بمواهب مؤسّسها وتسلكُ بأمانةٍ في حفظ وصاياه في المحبَّة والتواضع والكفر بالذات، تسلّمت رسالة الدعوة الى ملكوت الله والمسيح وإنشائِه في جميع الأمم، فكانت على الأرضِ بذرةَ هذا الملكوت وبَدْأهُ وكانت تصبو الى كمالِ هذا الملكوت، راجيةً ومتمنيّةً بكل قواها أن تتحّد بملكها في المجد”.
وحين تحدّث المجمعُ الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائدي: “دورُ الكنيسة في عالم اليوم” عن البُعد الاجتماعي لتحقيق الملكوت على الأرض، اشار بطريقةٍ أو بأخرى الى ما يستطيعُ كُلُّ واحدٍ أن يقدّمه في سبيل خدمة هذا الهدف السامي، بواسطة المواهب والقدرات التي منَّ اللهُ بها عليه وميّزه عبرها عن سواه، في استذكارٍ لقول القديس ِ بولسَ الرسول في رسالته الأولى الى أهل كورنتُس 12/27 : ” انتم جسدُ المسيح وكُلُّ واحدٍ منكم عضوٌ فيه”!
وهكذا، يضيف المجمعُ الفاتيكاني، فالكنيسةُ جماعةٌ منظورةٌ وشركةٌ روحيّةٌ “تسيرُ مع البشريّة بأسرها لتشارك العالمَ في مصيره الأرضي، وهي بمثابة الخميرة… أو هي كالروح للمجتمع البشريّ الذي ينبغي ان يتجدّد في المسيح ويتحوّل الى عائلة الله..”
ايُّها المباركون
هذا النداء الذي يسمعهُ كلُّ معمَّد يوم يتحوَّل الى إنسانٍ سماويٍّ بواسطة الولادة الجديدة، لبّاه كثيرون عبر التاريخ على الوجه المميّز، وقد لبّته القديسة الأم ترازيا دي كالكوتا بشكلٍ خاص حينما اطلقت رسالة غوث الأكثر فقراً بدءاً من بلاد الهند التي انتشر فيها البؤس والفقر والعوز.
في اختتام سنة الرحمة اليوبيليّة التي ابتدأت في الثامن من كانون الأوَّل الفائت، تلتقي ذخائرُ هذه القديسة التي حرّكت عمل المحبَّة على الأرض، بالتذكار السنوي الذي تقيمُه أبرشيةُ بيروت الكلدانية لملاك الرحمةِ، الملاك رافائيل شفيعِ هذه الكاتدرائية، الذي حرّك مياه الرحمة والشفاء من أمراض النفس والجسد، ليَطْهُرَ بواسطتها طالبو النجاة على ما سمعنا في انجيل اليوم.
يلتقي ملاكُ الرحمة ورسولةُ الرحمة في هذه الرعيّة ليقولا لنا بلسانَي حالهما إنَّ عمل الرحمة يحتاجُ الى محرّكٍ الى من يوقظه ويدفعه قُدُماً نحو الأمام، لأنَّ عمل الله يمرُّ بواسطتنا وعبر قنوات الإنسانية المصغيةِ لإلهامات الروح القدس.
ايُّها الأحبّاء،
الأسقف ُ يُرسَلُ الى الأبرشية كملاكٍ مُرسَلٍ من الله الى شعبه ليبشّرهم بالخلاص، لذلك يُطلق الرسول يوحنا الإنجيلي في رؤياهُ على رئيس الكهنة لقب “الملاك” الذي يتولّى حراسة مدينةٍ من المدُن ونقلِ التعليم الصحيح الى اهلها… يعاونه في ذلك الكهنة والشمامسة… لكنَّ الملاك يحرك الماء، يحرّك الروحَ… ويبقى على الآخرين ان يرتموا في بحر الله لينتعشوا وتَدُبَّ الحياة فيهم!
لقد حرَّك اللهُ، استجابةً لصلواتنا وتحقيقاً لمقاصد ذوي الإرادات الصالحة، عقول المسؤولين والقيّمين على الحياة السياسيّة والقرار الأمني، فابتدأت وبخطواتٍ سريعةٍ وجديّةٍ، عمليَّةُ تحرير الموصل من يد الإرهاب وقيود الإجرام وسلاسل الموتِ والجحيم. هذا التطوُّر النوعيّ على المستوى العراقي، إنّما يشكّل بادرة خيرٍ وأملٍ تلوحُ في الأفق وتبشّر بإمكانية العودة المسيحيّة الى قرى سهل نينوى والموصل، أرضِ الآباء والأجداد ومهد حضارة بلادِ ما بين النهرين.
إخوتي،
لقد أسسنا بمعونة الله مركزَ سيدة الرحمة في سد البوشرية لاستقبال المهجّرين العراقيين ونحنُ اليوم بصدد توسيعه، كما نواصلُ العملَ بالشراكة مع كاريتاس – لبنان – في مركز سان ميشال الصحي والاجتماعي ونتابعُ العملَ البِشاريّ في مختلف مجالس الطائفة وحركاتها الرسولية واخويّاتها إن في دارة المطرانية أو في رعيّتَي مار الياس – الدكوانة ومار يوسف – الروضة، لكنَّ الحاجة الملحاح هي الى حضوركم الفعّال ومشاركتكم القويّة حتى يتكامل عملُ الإكليروس والمؤمنين فيشكّلوا معاً جسد المسيح الواحد ذي الأعضاء المتناسقة والوظائف العديدة المتناغمة.
دعائي ان يحرّك الروحُ القدس في قلب كُلّ ٍ منا عاطفة التوبة وعاطفة الغيرة الرسولية المضطرمة… لنتعاون في خدمة الله وخدمة خمسة الآف عائلةٍ عراقيةٍ متواجدةٍ في نطاق أبرشية بيروت الكلدانية… دعائي ان يحرّك الروح القدس، رئيسُ السلام، قلوب المسؤولين في بلادنا وفي العراق وسوريا ودولِ القرار… ليعود الأمان والاستقرارُ والهدوء الى ربوع أرضنا المباركة… دعائي أن يحرّك روحُ المشورة الصالحة الضمائرَ النائمةَ لننعم برئيسٍ جديدٍ للجمهوريّة…. دعائي ان نكون جميعاً رسُلَ رحمة الآبِ في عالم الظلمة الذي نحن فيه قائمون وان يُعيد عليكم هذا الموسم المبارك بالخير واليُمن وفيض البركات بشفاعة الأم ترازيا دي كالكوتا والملاك رافائيل والعذراء مريمَ أمِّ الرحمة الإلهية، فتكون “يدُ الربّ معنا” دائماً. (رُسُل 11/21). آمين.
 
وكل عام وانتم بخير!
 

Share this Entry

ميرا قصارجي

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير