لقد غذّى سفر الرؤيا، وعلى مدى أجيال، تكهّنات كثيرة حول توقيت نهاية العالم. ولا عجبَ في ذلك، طالما أنّ السفر، في ظاهره، لا يتحدّث سوى عن القتال الأخير: إنه يعلن ” ما يجب أن يحدث”. إلاّ أنّ هذا ” الكشف”، في الواقع، كما يدلّ اسمه، يهدف إلى إعطاء معنى للأحداث التي تعيشها الجماعات المسيحيّة في آسيا الصغرى، في ضوء مشروع الله الأبديّ. هكذا يتّضح أنّ هدف المؤلّف ليس إعلان نهاية العالم، أو التنبّؤ بها بشكل من الأشكال، وإنما الكشف عن أنّ لهذا العالم معنى وغاية: إنه يسيرُ، من دون احتمال أيّ غلط، نحو نجاح مُلك الله الحاسم.
ملكُ الله قريب
لكَم رجّع الإنجيل صدى هذه الحقيقة : ” اعلموا أن ابن الإنسان قريب، وهو على الأبواب” (متى 24 : 33). هذا يعني أنّ نهاية العالم قريبة، كما خيّل للمسيحيّين الأوّلين (1 تسا 4 : 15)، وإنّما ان اقتراب مُلك الله هو على مستوى داخليّ، في العمق وليس في المدى. فمنذُ أن أصبحَ الكلمة الأزليّ بشرًا، عرفنا أنّ الزمن والأبديّة ممتزجان إلى حدّ كبير، ذلك أنه منذ البدايات، يندرجُ النسيج الأرضيّ للتاريخ، مع حرية الإنسان، في مجرى مخطط الله.
تنبّؤات أم مواعظ
لك يدّع انبياء العهد القديم قطّ التنبّؤ بالمستقبل؛ وإنـــــّما انكبّوا فقط على التكلّم، باسم الله، مع معاصريهم،كي يُنيروا سلوكهم ويذكّروهم بمشروع الله في شعبه. ولَكَم نتعرّض لتشويه المعاني حين ننسى بأنّ أقوالهم النبيّة هي مواعظ وليست تنبّؤات. وهكذا هي الحال مع كاتب سفر الرؤيا الذي لم يتلقّ سوى أمر واحد : ” ما تراه فاكتبه في كتاب وابعث به إلى الكنائس السبع “( رؤ 1 : 11).
لا أحد، لا الابن …
لك ينسَ الكاتب، بالطبع، أقوالَ الربّ لرسله الذي سألوه عن اقترب الأزمنة ” متى سيكون ذلك؟ متى تعيد الملك إلى اسرائيل؟” وكان يسوع قد أجابهم بهدوء وسكينة: ” ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي حدّدها الآب بذات سلطانه “(رسل 1 : 7). و حين سألوه ” متى تكونُ هذه الأمور؟” أجاب: ” أما ذلك اليوم أو تلك الساعة، فما من أحد ٍ يعلمها، لا الملائكة في السماء، ولا الابن، إلا الآب” (مر 13 : 4 ). وعلى كلّ حال، لم تعد المدة مهمّة، طالما أنّ ” الألف سنة، عند الله، كيوم ٍ واحد ” ( 2 بط 3 : 8).
إنتظار النهاية القريبة
لا شكّ أن العهد الجديد يحتوي على آثار ٍ واضحة ٍ لترقّب نهاية وشيكة للعالم. من أين أتى؟ هل يعود إلى يسوع هل يعكس مضمونَ رسالته الحقيقيّ؟ منذ فايس وشفايتسر، تكوّنت لديهما قاعدة تطوّر منيرة جدا تُرشد بوضوح إلى إثبات تعاقب المراحل الأقدم في الرسالة المسيحيّة. هذه القاعدة تنصّ على ما يلي: “بقدر ما يُشدّد نصٌّ ما على نهاية وشيكة للعالَم، بالقدر عينه يكون قديمًأ؛ وبالقدر الذي يكون فيه الترقّب الإسكاتولوجيّ غائبًا، بالقدر عينه يجب عدّه متأخّرا”. عندما يقولُ متى ولوقا، في نصّ أمثالهما، إنّ الربّ، أو العريس، ” يُبطئ في قدومه”، فما هذا إلاّ لأنّ الكنيسة القائمة في حالة ترقّب تُدرِج في أقوال يسوع القديمة اختبارها لتأخّر مجيئه. يقولُ البابا بنديكتوس السادس عشر: ” إنّ مجيء المسيح لا ينسجمُ على الإطلاق مع زمن التاريخ ومع نواميس سيره، وبالتالي لا يمكن أبدًا أن يُحسَبَ بأيّ شكل ٍ من الأشكال إنطلاقا من التاريخ عينه ….. فالمسيح ليس نتيجة التطوّر ولا مرحلة جدليّة في مسيرة العقل، بل هو الآخر، الذي، من الخارج، يفتح أبواب الزمن والموت، فمجيئه بحدّ ذاته لا يمكنُ أن يؤرّخ. فليس من المعقول أن أقولَ لكم مثلا: لقد حصلت نهاية العالم العام 2001 مثلا، أو ستحصل العام 2022 ! لا يمكنُ تأريخ النهاية .
علينا فقط ” السهر واليقظة “.
المصادر: مجموعة من الأخصّائيين في الكتاب المقدس
البابا بنديكتوس السادس عشر، الاسختولوجيا -الموت والحياة الأبديّة
Zenit
متى تأتي نهاية العالم؟
لقد غذّى سفر الرؤيا، وعلى مدى أجيال، تكهّنات كثيرة حول توقيت نهاية العالم. ولا عجبَ في ذلك، طالما أنّ السفر، في ظاهره، لا يتحدّث سوى عن القتال الأخير: إنه يعلن ” ما يجب أن يحدث”. إلاّ أنّ هذا ” الكشف”، في الواقع، […]