Gargoyle - Pixabay - CC0 PD

من أين أتى الشرّ والشيطان ، ولماذا لا يوقفه الله ! أوهل هو أقوى من الله؟!

لا نستطيع بمجرّد بعض الأسطر الإحاطة بكلّ جوانب هذا الموضوع الكبير والمعقّد الذي ليس له حلّ. كل  ما نستطيع قوله هو بضعة أسطر لعلّها تشفي بعض غليلنا الساكن فينا الذي يجعلنا في دوّامة كبيرة لا نقدر أن نخرج منها. قبل طرح القضيّة، […]

Share this Entry

لا نستطيع بمجرّد بعض الأسطر الإحاطة بكلّ جوانب هذا الموضوع الكبير والمعقّد الذي ليس له حلّ. كل  ما نستطيع قوله هو بضعة أسطر لعلّها تشفي بعض غليلنا الساكن فينا الذي يجعلنا في دوّامة كبيرة لا نقدر أن نخرج منها.
قبل طرح القضيّة، أقولُ من الآن: ليس لديّ أبدًا جواب محدّد للسؤال ! فهل سيجدُ السائل الكريم الراحة لنفسه المحتارة إن وجدَ جوابًا قطعيّا لسؤاله؟! لا أعتقد ذلك.
ليس همّنا أن نجدُ أجوبة ً قطعيّة محدّدة، بل طرح التساؤلات للتفكير أكثر وعدم إنغلاق الفكر والتحليل والتشخيص. ألم نسمع بالمثل الذي يقول: الوقاية خيرٌ من العلاج! لعل التشخيص (تشخيص المرض) هو نصفُ الدواء والعلاج. لأنّنا دائمًا نرى أنّ أكثريّة العالم، عندما يشتكي أحدهم من ألم ما، يعطوه عشرة وصفات وعلاجات !  هذا سيُدمّر المسكين أكثر ممّا سيعالجه. في هذا الموضوع، لا يمكننا إيجاد وصفات جاهزة سريعة وعلاجات منوّعة. لأنّ الشرّ قضيّة وجود ! صحيحٌ أنه ” مرض ” ، والمرض لا يمكننا التصالح معه، بل فقط إيجاد مخرج لعلاجنا منه والتخلّص من آلامه. ماذا يقول لنا التعليم المسيحيّ واللاهوتيون والمفكّرون ؟
الشرّ في العالم سرٌّ مظلم. الكثير فيه لا يمكنُ فهمه غير أنّ أمرًأ واحدًا نعرفه بالتأكيد: الله خيرٌ مئة في المئة. لا يمكنه أن يكون سبب فعل ٍ شرير. وليس هو خالق الشرّ. والشرّ خارج عن إرادة الله. فلم يُرد الشرّ. في مسألة الشرّ، تكثر الأسئلة وتقلّ الأجوبة. فالشرّ، موضوع يفلتُ من جميع تساؤلاتنا. فجزءٌ كبير منه يفلت من المعقول. الشرّ يغوص في أعماق ذات الإنسان ما وراء منطقة الأسئلة. لأنّ الشرّ يمسّ صميم حياتنا، في عقلنا، في عواطفنا، في أحاسيسنا، في كياننا، في وجداننا.
فكرة مغلوطة عن الله تؤدّي بنا إلى فكر مشوّه وخاطئ عن الشرّ!  هناكَ من يقول: بما أنّ الشرّ موجودٌ وبكثرة، والله لا يقوى على إيقافه . فمسألةالشرّ تكفي للبرهان على أن الله غير موجود! لا يمكننا خلط الأمور بهذه الطريقة الساذجة. وما أكثر الذين وقعوا في الفخّ وفي هذه الشبكة المعقدّة، فألحَدوا. والكثيرين أصبحوا لا دينيّين! لا بدّ أن نقولَ أمرًا مهمّا: الله ليس فكرة! الله موجود خارج كلّ شيء وعن كلّ فكرة. وخارج عن كلمة الوجود عينها. عندما يقولُ الملحد ” الله غير موجود “، اللامنطق واضح: كما لو قال ” الموجود غير موجود “.
لم يخلق الله الشرّ (الشيطان)، فالشيطان كان ملاك نور وسقط بكبرياءه.  لكن : لماذا وكيف تكبّر وسقط! هذا ما لا نجد له جوابًا . الجواب الوحيد الذي بين يدينا هو : الحريّة! الله حرٌّ  ولا يمكن أن يتدخّل في حريّات الآخرين. فإن تدخّل، فلا يحقّ له أن يُحاسبنا في الآخرة! هذا هو المنطق.
في سفر التكوين، الشرّ مسألة غير متوقّعة في مخطط الخلق. فهو غير مخلوق مع البقيّة. أصله غير مشروح. الشرّ لا معنى له. إنه اللامنطق، واللامعقول، واللامعنى. لكن، لماذا يصوّر بالحيّة الناطقة؟! سنرى موضوع الحيّة بالتفصيل في موضوع خاصّ.  للشرّ إذن قوّة مخرّبة وهدّامة للكيان . إنه ضياع الكيان وتيهانه. إنّ الشرّ قضيّة وجودية – مصيرية، وليس قضيّة أخلاقيّات وشعور بالذنب فقط. ديونيسيوس الأريوفاغي، في كتاب له عن الأسماء الإلهيّة، يستعمل للشيطان تعبير parkyrostase أي ما يشبه الاقنوم أو الشخص.  ليعبّر عن مطلقيّة الشرّ وإفراطه ومبالغته. فلا رحمة له. ولا إمكانيّة للإتفاق معه. ولا إهتداء وتوبة له (كما قال أوريجانوس )، هو مبدأ الخراب والفوضى والجنون والدوار وشلل العقل وإنسداده. بالضبط، تساؤلاتنا وحيرتنا و ” دوختنا ” حول موضوع الشيطان والشرّ، هو هذا ما يريده الشيطان ! أن ” يدوّخ ” العالم، ويصيبهم بالجنون والتفكير فيه. هذا هو هدفه.
العالم مكسور، ناقص، غير مكتمل. فيه مآسي كثيرة.  لكنّ يسوع وعدنا بأنّ ” الحقّ سيحرّرنا “، هو ذاته الحقّ المطلق. والمخلّص الشامل للبشريّة. فمقابل الشرّ المطلق، يجبُ أن يكون هناك مخلص شامل ومطلقْ. لا نقوى على الشرّ إلا بنعمة المسيح.  إذن، الله والإنسان في مشروع قضاء على الشرّ. فكلاهما ليسا مسؤولان عن الشرّ. إنه يأتي من مكان آخر. من مكان مقنّع، مظلم، لا معنى له ولا تفسير. غامض. الإنسان ضحيّة الشرّ، ضعيف، مُجَرّب، منحرف عن طريقه، ويحتاج لخلاص.
أخيرًا وليس آخرًا، في صلاة الأبانا، نرى الآب في البداية والشرير في النهاية. كالمرآة المتقابلة، الصورة الحقيقيّة والإنعكاس الكاذب: الأوّل يفتحُ الباب أمامَ ا لأنا، والثاني يوصده ويطردني خارجًا عنه، ولهذا يمكننا أن نقول: إنّ الطرد من الفردوس هو طردٌ من الأنا. لهذا، نقولُ: لا تدخلنا ( لا تسمح بأن نقع) في التجربة، ولكن نجّنا من الشرير. هنا يضعنا يسوع أمام الخطر والعدوّ الحقيقيّ.

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير