L'Osservatore Romano

"البابا: "الربّ قريب ويعتني بنا وهو الذي يحوِّل جماعاتنا في عنصَرَة أبديّة، إلى علامات حيّة للرّجاء

النص الكامل للمقابلة العامة مع المؤمنين يوم الأربعاء 8 شباط

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

لقد رأينا يوم الأربعاء الماضي أن القدّيس بولس، في الرّسالة الأولى إلى أهل تسّالونيقي، يحثُّ على البقاء متجذّرين في رجاء القيامة (را. ٥، ٤- ١١) من خلال تلك الكلمات الجّميلة: “فنَكونُ هكذا مع الرَّبِّ دائِمًا أَبَدًا”؛ وفي الإطار عينه يُظهر الرّسول أنّ الرّجاء المسيحيّ لا يملك فقط نفحة شخصيّة وفرديّة وإنّما جماعيّة وكنسيّة أيضًا. جميعنا نرجو وكلّنا نملك الرّجاء وإنّما أيضًا بشكل جماعيّ.

لذلك يوسّع بولس النّظر فورًا على الوقائع التي تكوّن الجّماعة المسيحيّة ويسألهم أن يصلّوا من أجل بعضهم البعض وأن يعضدوا بعضهم البعض. ينبغي علينا أن نساعد بعضنا البعض وليس فقط عند العوز أو في ضرورات الحياة اليوميّة وإنّما علينا أن نساعد بعضنا البعض ونعضد بعضنا البعض في الرّجاء أيضًا. ليس من قبيل الصدفة أن يبدأ بالإشارة إلى الذين أُوكلت إليهم المسؤوليّة والقيادة الراعويّة. فهم أوّل من دُعوا ليغذّوا الرّجاء، وذلك ليس لأنّهم أفضل من الآخرين وإنّما بقوّة خدمة إلهيّة تذهب أبعد من قواهم. لذلك يحتاجون للإحترام والتفهُّم والعضد المحبّ من قبل الجّميع.

بعدها ينتقل الاهتمام إلى الإخوة الذين يواجهون خطر فقدان الرّجاء والوقوع في اليأس – نسمع على الدّوام عن أشخاص يعيشون في اليأس ويقومون بأمور سيّئة، إنّ فقدان الرّجاء هو ما يحملهم على هذه التّصرّفات السيّئة… – والإشارة هنا إلى اليائس والضّعيف ومن يشعر أن ثقل الحياة وثقل خطاياه يسحقانه ولا يمكنه أن ينهض مجدّدًا. في هذه الحّالات ينبغي على قرب الكنيسة ودفئها أن يكونا أقوى ومفعمَين بالمحبّة وينبغي عليهما أن يأخذا شكل الرّأفة لا الشّفقة، لأنّ الرّأفة هي التألّم مع الآخر والشّعور بألمه والاقتراب منه… بكلمة أو بلمسة حنان نابعة من القلب، هذه هي الرّأفة! هم يحتاجون أيضًا إلى التّعزية والعزاء. إنّه لأمرٌ مهمّ جدًّا: لا يمكن للرّجاء المسيحيّ أن يستغني عن المحبّة الأصيلة والملموسة. وبالتّالي يؤكّد رسول الأمم، بحرصٍ شديد، في الرّسالة إلى أهل روما: “عَلَينا نَحنُ الأَقوِياء – أي نحن الذين نتحلّى بالإيمان والرّجاء ولا نواجه العديد من الصّعوبات –  أَن نَحمِلَ ضُعْفَ الَّذينَ لَيسوا بِأَقوِياء ولا نَسْعَ إِلى ما يَطيبُ لأَنفُسنا” (١٥، ١). نعم ينبغي علينا أن نحمل ضعف الآخرين! وهذه الشّهادة لا تبقى منغلقة داخل حدود الجّماعة المسيحيّة بل يتردّد صداها بقوّة إلى الخارج، في الإطار الاجتماعي والمدنيّ، كنداء لعدم خلق جدران وإنّما جسور ولعدم مبادلة الشّرّ بالشّرّ وللتغلّب على الشّرّ بالخير وعلى الإساءة بالمغفرة: إذ لا يمكن أبدًا للمسيحيّ أن يقول: “سوف تدفع الثّمن!” هذا ليس تصرُّفًا مسيحيًّا! علينا أن نتغلّب على الإساءة بالمغفرة ونعيش بسلام مع الجّميع. هذه هي الكنيسة! وهذا ما يعمله الرّجاء المسيحيّ عندما يتّخذ الملامح القويّة والحنونة للمحبّة. فالمحبّة قويّة وحنونة وهذا لأمر جميل!

يمكننا أن نفهم إذًا أنّه لا يمكننا أن نتعلّم الرّجاء لوحدنا. لا أحد يتعلّم الرجاء لوحده. إنّه لأمر مستحيل، لأنّ الرّجاء، ولكي يتغذّى، يحتاج بالضّرورة لـ “جسد” تعضد فيه الأعضاء بعضها البعض وتنعش وتحيي بعضها البعض. هذا الأمر يعني أنّه إن كنّا نرجو فذلك لأنّ العديد من إخوتنا وأخواتنا قد علّمونا الرّجاء وحافظوا على شعلة الرّجاء فينا مُتّقدة. من بين هؤلاء يتميّز الصّغار والفقراء والبسطاء والمهمّشون. نعم! لا يعرف الرّجاء الذي ينغلق في رفاهيّته لأنّه يرجو فقط برفاهيّته وهذا ليس رجاء وإنّما ضمانة نسبيّة؛ كما لا يعرف الرّجاء أيضًا الذي ينغلق في أنانيّته ويشعر بأنّه مكتفٍ. أمّا الذين يرجون فهم الذين يختبرون يوميًّا المحن والفقر ومحدوديّتهم. إنّ إخوتنا هؤلاء هم الذين يقدّمون لنا الشّهادة الأجمل والأقوى لأنّهم يثبتون في اتّكالهم على الربّ، عالمين أنّه أبعد من الحزن والإضطهاد وحتميّة الموت، ستكون الكلمة الأخيرة له وستكون كلمة رحمة وحياة وسلام. إنّ الذي يرجو، يرجو أن يسمع يومًا هذه الكلمات: “تعال إليّ يا أخي وتعالي إليَّ يا أختي وامكثا معي إلى الأبد”.

أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إن كان – وكما قلنا – مسكن الرّجاء الطبيعيّ “جسد” تضامنيّ، فجسد الرّجاء المسيحيّ هذا هو الكنيسة، فيما النّفحة الحيّة ونفس هذا الرّجاء هو الرّوح القدس. لا وجود للرّجاء بدون الرّوح القدس. فلهذا السبب يحثنا بولس الرّسول في النّهاية على استدعاء الروح القدس باستمرار. فإن لم يكن الإيمان سهلاً فكذلك الرّجاء أيضًا، لا بل إنّ الرّجاء أصعب ولكن عندما يقيم الرّوح القدس في قلوبنا فهو الذي سيُفهمنا بأنّه لا ينبغي علينا أن نخاف وأنّ الربّ قريب ويعتني بنا؛ وهو الذي يحوِّل جماعاتنا، في عنصَرَة أبديّة، إلى علامات حيّة للرّجاء من أجل العائلة البشريّة.

* * * * * *

Speaker:

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يُظهر لنا بولس الرّسول، في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي، أنّ الرّجاء المسيحيّ لا يملك فقط نفحة شخصيّة وفرديّة وإنّما جماعيّة وكنسيّة أيضًا. لذلك يوسّع بولس النّظر على الوقائع التي تكوّن الجّماعة المسيحيّة ويسألهم أن يصلّوا من أجل بعضهم البعض وأن يعضدوا بعضهم البعض. ويبدأ بالإشارة إلى الذين أُوكلت إليهم المسؤوليّة والقيادة الراعويّة. لأنّم أوّل من دُعوا ليغذّوا الرّجاء، وذلك ليس لأنّهم أفضل من الآخرين وإنّما بقوّة خدمة إلهيّة تذهب أبعد من قواهم. بعدها ينتقل الإهتمام إلى الإخوة الذين يواجهون خطر فقدان الرّجاء والوقوع في اليأس. ويؤكِّد في هذا السياق أنّه “عَلَينا نَحنُ الأَقوِياء أَن نَحمِلَ ضُعْفَ الَّذينَ لَيسوا بِأَقوِياء ولا نَسْعَ إِلى ما يَطيبُ لأَنفُسنا”. يمكننا أن نفهم إذًا أنّه لا يمكننا أن نتعلّم الرّجاء لوحدنا. لأنّ الرّجاء، ولكي يتغذّى، يحتاج بالضّرورة لـ “جسد” تعضد فيه الأعضاء بعضها البعض وتنعش وتحيي بعضها البعض. أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إن كان مسكن الرّجاء الطبيعيّ “جسد” تضامنيّ، فجسد الرّجاء المسيحيّ هذا هو الكنيسة، فيما النّفحة الحيّة ونفس هذا الرّجاء هو الرّوح القدس الذي يقيم في قلوبنا ويُفهمنا بأنّه لا ينبغي علينا أن نخاف وأنّ الربّ قريب ويعتني بنا؛ وهو الذي يحوِّل جماعاتنا، في عنصَرَة أبديّة، إلى علامات حيّة للرّجاء من أجل العائلة البشريّة.

* * * * * ** * * * * *

Speaker:

أُرحّبُ بالحجّاجِ الناطقينَ باللغةِ العربية، وخاصةً بالقادمينَ من الشرق الأوسط. أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء، لا يمكننا أن نتعلَّم الرجاء بمعزل عن الآخرين، بشهادتكم ومُثابرتكم أنتم تُغذُّون رجاءَنا! ليبارككُم الرب!

* * * * * *

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2017

 

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير