Saint Maroun

من دير مار مارون عنايّا: "مارون "السيد الأصغر" فهٍم السرّ"

صلاته معنا آمين!

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

دير مار مارون- عنايا 

عيد مار مارون

الخميس 9 شباط 2017

بمناسبة عيد القدِّيس مارون يوم الخميس 9 شباط 2017، احتفل رئيس عام الرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة قدس الأب العام نعمة الله الهاشم بالقدَّاس الإلهيّ في دير مار مارون – عنّايا ضريح القدِّيس شربل، عاونه كلّ من قدس الأباتي طنّوس نعمة رئيس الدير والأب شربل رعد،  خَدَمَت القدَّاس جوقة “الصوت العتيق” بإدارة الأستاذ إيلي حردان.

وقد شارك في القداس الآباء المدبرين العامين في الرهبانيَّة: النائب العام الأب كرم رزق، الأب هادي محفوظ، الأب جوزف قمر وأمين السرّ العام الأب ميشال أبو طقة ووكيل عام الرهبانيَّة الأب أسعد لحود، ورئيس كاريتاس- لبنان الخوري بول كرم.

وبحضور سعادة النائب الدكتور وليد خوري مُمَثِّلاً فخامة رئيس الجمهوريَّة اللبنانيَّة العماد ميشال عون، ومَثَّل وزير الخارجيَّة معالي المهندس جبران باسيل السيِّد جان جبران، والسادة النواب: سيمون أبي رميا وعباس الهاشم، وسعادة القائمقام السيِّدة نجوى سويدان فرح.

كما شارك أعضاء المجالس البلديَّة والاختياريَّة في المنطقة والمناطق المجاورة وفعاليّات مدنيَّة واجتماعيَّة وقضائيَّة وسياسيَّة وأمنيَّة واقتصاديَّة وإعلاميَّة إلى جانب عدد من الآباء الأجلاّء والرهبان والراهبات الفاضلات وجمهور غفير من المؤمنين.

وألقى قدس الأب العام عظة بالمناسبة وهذا نصها:

“إنّ حبّة الحنطة، إن لم تقع في الأرض وتمت، تبقى واحدة. وإن ماتت تأتي بثمر كثير” (يوحنا 12: 24)

يقدّم لنا هذا المقطعْ من إنجيل يوحنا، صورةً واضحة عن شخص يسوعَ المسيحِ ورسالتِه الخلاصيّة.

نعلمُ، من الأناجيل الإزائيّة، أنّ الربَّ يسوعَ قال هذا الكلامَ في بستان الزيتون، وكأنّه، في خواتيم حياته ورسالته البشريّة، وعلى عتبة الدخولِ في ساعةِ الآلام والصلبِ والموتِ ثمّ القيامة، يقدّمُ لأبيه السماوي تقريرا عن سَيرِ مهمّتِهِ على الأرض، وعن استعدادِه للمضيِ قدما حتّى النهاية، حتى بلوغِ لحظةِ الذروة في الصلبِ والموتِ والقيامة؛ ويودّعُ تلاميذَه تاركا لهم وصاياه الأخيرة، شارحا ومفسّرا كلامَه وأعمالَه والحدَثَ الجلل الذي هو مقدمٌ عليه.

في الموقفين، مع أبيه السماويّ ومع التلاميذ، يعبّر يسوع بشفافيّة مطلقة، عن التجاذب العميق الذي يعانيه. فنراه مظهرا محبّتَهُ للحياةِ التي عاشها على أرضنا، مقرّا بصعوبةِ فُقدانها: “نفسي الآن مضطربة، فماذا أقول؟ يا أبتِ، نجّني من هذه الساعة؟”. كما نراه معلنا عن تصميمه النهائي للدخول في هذه الساعة، ساعةِ تمجيدِ اسم الله :”ولكن من أجل هذا بلغت إلى هذه الساعة! يا أبت مجّد اسمك”.

يحدّد هذا النصّ، أن مجدَ الله هو هدفُ تجسّدِ يسوعَ وتدبيرِهِ الخلاصي من أجلنا، كما يرسمُ الطريقة لتحقيقِ هذا الهدف، وهي التخلّي عن الذات حتّى الموت والاستشهاد في سبيل مجد الله وخلاص البشر.

وكما أنّ حبّة الحنطة إن ماتت أتت بثمار كثيرة، فإنّ موت يسوع أثمر خلاصا للكثيرين.

فهم القديس مارون، شفيعُ كنيستنا المارونيّة، الذي نحيي اليوم تذكارَه، هذا السرّ، فقادته محبّته لله وللقريب، إلى اتباع الربّ يسوع في مسيرة التخلّي عن الذات، فترك كلّ شيء، مختارا العيش في العراء على الجبل، وكأنّه قرّر الإقامة الدائمة مع يسوع في بستان الزيتون، في حالة مخاطبة مستمرة لله بواسطة الصلاة الدائمة، وإماتة دائمة للذات بمختلف انواع التقشّفات. بدل استشهاد الدم، الذي لم يكن متاحا، اختار مارون الراهب الموت البطيء عن الذات، كلّ يوم، تمجيدا لله وخلاصا لإخوته البشر، مما انعكس بركة وخيرا على تلاميذه ومعاصريه.

على مثال شهادة معلّمه، السيّد الأكبر، أثمرت الشهادة البطيئة لمارون، السيّد الاصغر، ثمرا كثيرا، واختار نهجه الكثير من المسيحيين التوّاقين لعيش هذا النوع من الشهادة البيضاء، وانتظموا في جماعات وأديار، أهمّها دير مار مارون في سوريا، الذي تأسست فيه وحوله الكنيسة المارونيّة، وبقيت وفيّة منذ نشأتها وحتّى يومّنا لنهج الشفيع.

على مثال شفيعها، وتشبّها به، اختارت كنيستنا المارونيّة، ملازمة الربّ يسوع في بستان الزيتون، مثل الربّ، تستشعر الخطر الداهم بشكل مستمر، مثله تنتظر الخيانة والألم والصلب والموت، ومثله أيضا، تصميمُها نهائيٌ للمضي قدما حتى الاستشهاد. هذا ما حدا بغبطة أبينا السيّد البطريرك، مار بشاره بطرس الراعي، رأس كنيستنا المارونيّة، إلى إعلان هذه السنة سنة الشهادة والشهداء، تبدأ اليوم، في عيد مار مارون، وتنتهي في عيد مار يوحنا مارون، في الثاني من آذار من السنة المقبلة 2018.

على خطى مار مارون، بقيت كنيستنا المارونيّة وفيّة لهويّتها الرهبانيّة، فعاشت الشهادة البطيئة، بحياة يوميّة طابعها نسكي تقشّفي، مكرَّسة بكليّتها لله وللقريب، وتزيّن تاريخُها بنسّاك وزهّاد وأديار ومناسك ومحابس وجماعات رهبانيّة رجاليّة ونسائيّة، وأعطت الكنيسة والإنسانيّة أبطالا منهم، مثل الراهب البطريرك القديس يوحنا مارون، والقديس نعمةالله الحرديني والقديسة رفقا، والطوباوي الأخ إسطفان وبشكل خاص القديس شربل، مالئ الدنيا، الذي نحتفل قرب ضريحه بعيد أبيه القديس مارون. هذا الطابع الرهباني للكنيسة المارونيّة، ليس حكرا فيها على فئة الرهبان والراهبات، إنمّا يتخطّاها ليطال كافة أبناء الطائفة، إكليروسا وعلمانيين، الذين يجسّدون في حياتهم القيم الرهبانيّة.

ومنذ نشأتها وحتّى يومنا، عاشت الكنيسة المارونيّة، كما باقي الكنائس، شهادة الدم، قدّمت وما زالت تقدّم، الشهيد تلو الشهيد، بسبب ثباتها على محبّة الربّ يسوع، تمجيدا لله وخلاصا للإنسان، منذ رهبان مار مارون الثلاثمئة والخمسين، مرورا بالشهداء الذين سقطوا نتيجة المواجهات مع الأمويين والبيزنطيين والدولة العبّاسيّة بمختلف فروعها، والحملات الصليبية ومستتبعاتها، وحملات المماليك الغاشمة، وخبث الحكم العثماني بمختلف مراحله، لا سيّما مجازر القرن التاسع عشر في لبنان وسوريا وحملة الإبادة والتهجير بواسطة المجاعة في بداية القرن العشرين، وصولا إلى جميع شهداء القرن العشرين والحرب الأخيرة على لبنان والحرب في سوريا والاستهدافات المتتاليّة في قبرص.

هذه الاضطهادات والخيانات، رغم حدّتها، لم تحوّل وجهها يوما عن الرب وعن الثبات في محبّته ومخاطبته بالصلاة، ولم تتمكن من قطع صلاتها بمحيطها المشرقي بمختلف مكّوناته الدينيّة والمذهبيّة، كما لم تتمكن من إغلاقها على ذاتها وقطع علاقتها بالغرب ومكّوناته الدينيّة والثقافيّة.

حياة الشهادة، شهادة الدم وشهادة الحياة، عاشتها الكنيسة المارونيّة بشكل أساسي في لبنان، ونقلت إليه رسالتها، رسالة الإيمان الثابت بالله والانفتاح الدائم على الإنسان، فتحوّل لبنان، بفضل أبنائها وشركائهم في الوطن إلى بستان الزيتون، يعيش فيه الإنسان خبرة اللقاء بالله والانفتاح على الآخر وعدم الإنغلاق والتقوقع على الذات، في حالة تخلّ عن النفس في سبيل مجد الله وخلاص الإنسان، كلِّ إنسان.

واليوم، ونحن نحتفل بعيد القديس مارون، نلتمس شفاعته من أجل لبنان ورسالته، كي يحفظه الربّ موطن لقاء الإنسان بالله وبأخيه الإنسان. كما نطلب شفاعته من أجل جميع الموارنة في لبنان والعالم كي يبقوا أمناء لرسالة الانفتاح على الله والإنسان والتضحية بالذات من أجل الله والإنسان.

نذكر بشكل خاص رئيس جمهوريتنا العماد ميشال عون، خير من يجسّد رسالة الثبات في الإيمان والانفتاح على الغير، على مثال الربّ يسوع في بستان الزيتون. نطلب له شفاعة القديس مارون، وقد جسّد في حياته انتماءه لمدرسته بالتزام شبه رهباني برسالة لبنان التاريخيّة القائمة على الإيمان بالله والانفتاح على جميع البشر.

باركنا الربّ جميعا وحفظ لنا إيماننا ولبناننا ورسالتنا المارونيّة بشفاعة مار مارون، ومار يوحنا مارون ومار شربل ومار نعمة الله ومرت رفقا والطّوباوي الأخ اسطفان نعمه.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير