من المغري دائماً أن نرى القدّيسين، ليس كأفراد مع النضال البشري الذي يصيبنا جميعاً، بل تحيط بهم هالة من القداسة. إلّا أنّ هذا لا يُسدي إلى القدّيسين خدمة، ولا إلينا حتّى، بما أنّهم يبدون بهذا بعيدين عن حياتنا لنتمكّن من تقليدهم.
لفهم هذا الواقع، تطرّق مقال من إعداد فرانسيس فيليبس نشره موقع catholicherald.co.uk الإلكتروني إلى كتاب دايفد سكوت المعنون The love that made Saint Teresa (أو الحبّ الذي صنع القديسة تريزا)، وهو كتاب وصفه المقال بالمنعش، لأنّه يتأمّل في نواح من حياة الأم تريزا تمّ التستّر عنها. أمّا المذهل فهو التفاصيل التي أعطاها سكوت عن “ليل روحها المظلم” والذي دام 50 سنة، بالإضافة إلى رؤاها ليسوع ولأمّه عام 1947، والتي أدّت إلى تكرّسها للفقراء والمحتضرين.
من ناحية أخرى، ومع أنّ الأم تريزا أتلفت رسائلها ومدوّناتها، بقيت هناك الرسائل التي وجّهتها لمرشدها الروحي. وقد قالت القديسة في إحداها إنّ يسوع أخبرها أنّها أكثر شخص عاجز وضعيف وخاطىء، “لكن بما أنّك هكذا، أودّ أن أستعملك لمجدي. فهل سترفضين؟” وتصف الأم تريزا كيف أنّها هاجمت هذا الطلب الطارىء من يسوع وطلبت إليه أن يجد شخصاً آخر، لأنّها كانت خائفة من الصعوبات التي سيتوجّب عليها تحمّلها. كما ووعدته أن تكون راهبة صالحة إن سمح لها أن تبقى في ديرها المريح، إلّا أنّه بقي يتملّقها ويتحدّاها بجملة “هل سترفضين فعل هذا لأجلي؟”
هذا كلّه يزعجنا ويربكنا ضمن الصورة العاطفيّة التي نرسمها نحن البشر عن القداسة، لكنّه يظهر لنا أيضاً كيف يمكن أن يكون القدّيسون، بالإضافة إلى ما يتحمّلونه أحياناً لتقبّلهم الدعوات الإلهيّة، ممّا يحملنا على طرح سؤال: “ماذا لو قالت الأم تريزا لا؟؟” فكم من شخص رفض نداء الروح القدس أو المسيح بحدّ ذاته وأحبط عمل خلاصنا؟
نشير هنا إلى أنّ الأم تريزا خلال السنوات الأولى لشعورها بأنّ الله تخلّى عنها، راسلت مرشدها الروحي قائلة: “يُقال إنّ مَن هم في الجحيم يعانون من الألم الأبدي بسبب خسارتهم لله… وفي روحي، أشعر بهذا الألم المريع الخاص بفقدانه، وأشعر أنّ الله غير موجود… أرغب في رفض الله… صلِّ على نيّتي كي لا أصبح كيهوذا بالنسبة إلى يسوع خلال ظلامه المؤلم”.
أوَليس من الجيّد أنّ رسائل الأم تريزا لمرشدها لم تُتلف على الرغم من أنّها طلبت ذلك؟ تلك الرسائل تخبرنا كم كانت “بطلة” وكم كانت بشريّة في الوقت عينه!