Catholic Center for Information

"لا تَخَفْ فإِنِّي مَعَكَ" (أشعيا 43، 5)، إيصال الرجاء والثقة في زماننا"

رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الحادي والخمسين لوسائل الاتِّصال الاجتماعيِّ

Share this Entry

المركز الكاثوليكي للإعلام – عقد ظهر اليوم في المركز الكاثوليكي للإعلام مؤتمراً صحافياً، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الحادي والخمسين لوسائل الاتِّصال الاجتماعيِّ تحت عنوان : “لا تَخَفْ فإِنِّي مَعَكَ” (أشعيا 43، 5)، إيصال الرجاء والثقة في زماننا”. على أن يترأس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر  القداس الإلهي للمناسبة، الساعة الحادية عشرة من  يوم الأحد في 28 أيار الحالي في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في بيروت.

شارك في المؤتمر إلى المطران بولس مطر،  ممثل وزير الإعلام ملحم الرياشي المدير العام للوزارة د. حسان فلحة، نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، نقيب المحررين الياس عون، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وبحضور مديرة الوكالة الوطنية للإعلام لور سليمان صعب، مدير عام مجموعة تيلي لوميار جاك كلاسي، أمين عام جمعية الكتاب المقدّس مايك باسوس، العميد جوني خلف، الصحافي جورج بشير، مديرة برامج نورساتTV  ماري تريز كريدي ، المخرج فرنسوا زيادة، الأب بيار عطالله، وعدد من الإعلاميين والمهتمين.

مطر

بداية رحب المطران بولس مطر بالحضور وقال:

 “يُشرِّفُنا أَن نَنقلَ إِليكُم بِاسمِ اللَّجنةِ الأسقفيَّةِ لِوَسائل الإعلامِ في لُبنانَ فَحوَى الرِّسالةِ الثَّمينةِ الَّتي وَجَّهَهَا في هذا العامِ قداسةُ البابا فرنسيس إلى صَانِعِي الأَخبارَ في العالَمِ وإلى جميعِ الَّذينَ يَتَلقُّونَ هذه الأخبارَ من قُرَّاءٍ وَمُستمعينَ وَمُشاهدِينَ، أَفرادًا وَجَماعاتٍ، قَرِيبينَ في منطقتِنَا وَبَعِيدينَ يَضربُونَ أَطنابَهُم على آخرِ زَاويةٍ من الأرضِ.

تابع “لقد رَاحَت الكنسةُ منذُ انتهاءِ المَجمعِ الفاتيكانيِّ الثَّاني، لِحوالَيْ خمسين عامًا وَنيِّفٍ، تُوَاكبُ العملَ الإعلاميَّ بِاهتمامِهَا بهِ وَبِالدِّفاعِ عنهُ لِيَكونَ إِعلامًا حُرًّا وَليضَعَ نفسَهُ في خِدمةِ الحقيقةِ الموضوعيَّةِ، دُونَ سِواهَا. فَالإِعلامُ الحُرُّ هُو الإِعلامُ غيرُ المَأجُورِ وَغيرُ المُقيَّدِ، وَالَّذي لا يَخضعُ لِصَالحِ أَنظمةٍ أَو لِنَزوةِ أَفرادٍ. وَالجميعُ يَعرفُ أَنَّ دُوَلاً بِأَسرِهَا كانَت تُسخِّرُ الإِعلامَ أَو ما تَزالُ، خدمةً لِبَقاءِ جماعةِ السُّلطةِ فيها على كَرَاسيِّهِم، مُتَمتِّعينَ بِخَيراتِ شَعبِهِم، حَارِمِينَ منها غَالبيَّةَ أَهلِهِم وَمُوَاطِنِيهِم. لِذلكَ سَانَدَت الكنيسةُ حُرِّيَّةَ الإِعلامِ وَحُرِّيَّةَ الرَّأيِ وَالفكرِ وَالتَّعبيرِ لكَي يَصلَ النَّاسُ إِلى الحقيقةِ وَيَتصرَّفُوا في حياتِهِم بِوَحيٍ منها، وَلكَي تُصبحَ الحقيقةُ الموضوعيَّةُ هي القيمةُ الَّتي تُسانِدُ الحرِّيَّةَ في العملِ الإِعلاميِّ وَتُعطِي لهذه الحرِّيَّةِ محتوًى مَلمُوسًا وتُبَلورُ لها مشاريعَ قابلةً لِلحياةِ. لأجلِ ذلكَ دَعَت الكنيسةُ وَتَدعُو أَهلَ الإِعلامِ إلى تَوَخِّي الحقيقةِ في عَملِهِم فلا يَقبلُوا الانجِرَارَ في تَضليلِ الآخرينَ. بَلْ تكونُ لهُم الشَّجاعةُ في رَفضِ الزَّيفِ وَإِعلانِ الأمورِ على مَا هي دُونَ زيادةٍ أَو نقصانٍ.”

أضاف “لكنَّ قداسةَ البابا قد أَرادَ في رسالتِهِ الخاصَّةِ لِيَومِ الإِعلامِ العالميِّ الحادي والخمسين، بِالإِضافةِ إِلى التَّأكيدِ على ضَرُورةِ احترامِ الحرِّيَّةِ والحقيقةِ في العملِ الإِعلاميِّ، أَن يَتعمَّقَ أَكثرَ في الواقعِ الإِعلاميِّ وَرِسالتِهِ، وذلك من مُنطلقاتٍ فكريَّةٍ وَرُوحيَّةٍ. فَأَعطَى عن العملِ الإِعلاميِّ صُورةً تُشبِّهُهُ بِطَاحُونةِ المياهِ الَّتي تَتَحرَّكُ بِاستمرارٍ وَمِن دُونِ تَوقُّفٍ، طالما أَنَّ المياهَ تنزلُ فيها وتفعلُ فعلَهَا بِحسبِ ما هُو مرسُومٌ في بُنيَتِها القائمةِ. فالإِعلامُ هُو أَيضًا على هذه الصُّورةِ، فَيضٌ من الأَخبارِ ينزلُ إِلى ساحةِ النَّاسِ عَبرَ طَوَاحينَ تَقذفُهَا وَسائلٌ وَتَنشرُهَا بِسرعةٍ أَصبَحَت اليومَ جُنونيَّةً مع الطَّاقاتِ الرَّقميَّةِ مِن كلِّ نوعٍ. وَمَا مِن شكٍّ في أَنَّ هذه الأخبارَ المُوزَّعةَ على العالَمِ بِأَسرِهِ لَيسَت كلُّها مِن النَّوعِ الجيِّدِ وَلَيسَت كلُّها بَنَّاءةً بَلْ هي في كثيرٍ منها أَخبارٌ مُقلقةٌ أَو حتَّى هدَّامةٌ لِخَواطرِ الكثيرينَ، لأنَّها تَزرعُ فيهم اليأسَ ولا تُبَالِي بِالإِحباطِ النَّاجِمِ عن صِيَاغتِهَا وَعَن مَضمُونِهَا في آنٍ معًا. فَيقولُ قداستُهُ: «إِنَّ هذا الإِعلامَ المُتوحِّشَ الَّذي لا يَنطلقُ من إِرادةِ بِناءِ الكَونِ وَبناءِ الإِنسانِ يُصبحُ إِعلامًا خطرًا على حياةِ البشرِ وعلى مُستقبلِهِم. فَمَا نفعُ إِعلامٍ لا يُروِّجُ في الدُّنيَا سوى أَخبارِ الحُرُوبِ وَالفِتَنِ والإِرهابِ وَالفضائحِ وكلِّ أَشكالِ الفشلِ البَشريِّ؟». وَيستدرجُ قداستُهُ لِيُعلنَ أنَّ المطلوبَ مِن الإِعلامِ ليس العمل على تَجميلِ صُورةِ الوُجُودِ بِشكلٍ مُصنَّعٍ أَو مُزيَّفٍ، كأنْ يُقالُ مثلاً أَنَّ الدُّنيا بِأَلفِ خَيرٍ عندما تَكونُ حقًّا في أَوضاعٍ سيِّئةٍ لِلغايةِ؛ لأنَّ مَوقفًا مثلَ هذا يُجافِي الحقيقةَ وَهُو بِالتَّالِي غيرُ مَقبولٍ. لكنَّه يَعودُ وَيُؤكِّدُ أَنَّ المَطلوبَ هُو العملُ على تَخَطِّي اليأسِ وَالاستسلامِ أَمامَ الوَاقعِ الصَّعبِ لِلإِنسانيَّةِ وَأَمامَ الشُّرُورِ وَالخطايَا الَّتي تَغرقُ  فيها بِاستمرارٍ مُقلقٍ. فَالبَابَا لا يَرضَى بِأَن تَكونَ فلسفةُ الإِعلامِ أَو فلسفةُ الحياةِ عندنَا مَحكُومةً بِمَقُولَةِ «فالِج ولا تعالِج». بَلْ يُريدُ أَن تنتفضَ الإِنسانيَّةُ بِوَجهِ الشُّرُورِ على أَنواعِهَا وَأَن تُؤمنَ بِأَنَّ مَعركةَ الخَيرِ مُمكنٌ لها أَن تكونَ مَعركةً رابحةً، لا بَلْ هي رَابحةٌ بِدَفعٍ من مَوتِ المسيحِ وَقِيامتِهِ، أَيْ بِفعلِ فِدَائِهِ العظيمِ وَدَحرجةِ الحجرِ عَن سِجنِ الإِنسانيَّةِ المُغلَقِ عليها ضمنَ بَهوٍ مُظلمٍ، وَمِن غَيرِ رجاءٍ بِإِدخالِ النُّورِ إلى جَنَباتِهِ. فَمِن أَجلِ كَسرِ هذا الواقعِ الرَّهيبِ في الكَونِ، يُقدِّمُ قداستُهُ لِلإِعلاميِّينَ اقتراحًا وَفكرةً بِأَن يَكُونُوا إِيجابيِّينَ وَأَن يَحتفِظُوا بِالرَّجاءِ فَيُوجِّهُوا إِلى النَّاسِ كِتَاباتِهِم وَتَحاليلَهُم مَطبوعةً بما يُسمِّيهِ قداستُهُ «الخبرَ السَّارَّ»، أَو «الخبرَ الجيِّدَ»، وَهُما كَلِمتَان تُتَرجِمانِ مِن اليُونانيَّةِ العنوانَ الَّذي أُعطِيَ لِلكتابِ المُقدَّسِ في عَهدِهِ الجديدِ، لِكُتبِ «الإِنجيل».

وقال «إنَّ ما يَجرِي في الحياةِ، يَقولُ قداسةُ البابا، يُمكنُنَا نَحنُ المُتطلِّعينَ إِليهِ، أَن نُوجِّهَ إِليهِ عُيُونَنَا وَنَحنُ وَاضِعُونَ عليها نَظَّاراتٍ إِيجابيَّةً مُلوَّنةً بِلَونِ الرَّجاءِ وَالمحبَّةِ بَدَلاً مِن أَن نَضَعَ عليها نَظَّاراتٍ سلبيَّةً مُلوَّنةً بِلَونِ اليَأسِ وَالسَّوادِ. فالنَّاظِرُ إِلى الأمُورِ لهُ مَوقفٌ منها ولهُ رَدُّ فِعلٍ عليها يَتَخطَّى مُجرَّدَ التَّسجيلِ لِمَا يَحدثُ، وَهُو مَوقفٌ يَصلُ إِلى نَقضِ الاستسلامِ الكاملِ لِلوَاقعِ المَرِيرِ. فَهلاَّ وَضَعنَا على عُيُونِنَا، لِنُدركَ مَعنَى الأَحداثِ، نَظَّاراتٍ صَحيحةً؟”

تابع “إنَّها حقًّا عَمليَّةٌ رُوحيَّةٌ تَستطلعُ النُّورَ مِن الظُلمةِ وَالأَملَ مِن الخَيبةِ. وهذا ما يُخبرُهُ المَسيحيُّونَ النَّاظِرُونَ إِلى صَليبِ الرَّبِّ يسوعَ وَمَوتِهِ، لأنَّ هذا الصَّليبَ المَأساويَّ الظَّالمَ يَتحوَّلُ مُباشرةً إِلى نِعمةِ فِدَاءٍ، وَهذا المَوتَ الرَّهيبَ لِلمَصلُوبِ عليه يُؤدِّي إِلى انتصارِهِ بِالقيامَةِ. فَيقولُ قداستُهُ، «أَنَّ الخبرَ السَّارَ في هذه الحالِ إنْ هُو إِلاَّ يَسوعُ نَفسهُ، يسوعُ الَّذي عَبَرَ بَحرَ الآلامِ، وَتَضامَنَ مع المُتعثِّرينَ وَالمَظلُومينَ مُتبنِّيًا ضعفَ النَّاسِ وَهَشاشةَ الطَّبعِ البَشريِّ لِيَنقلَنا بِقوَّةِ قِيَامتِهِ مِن وَاقعِ الحُزنِ وَالشَّقاءِ إِلى وَاقعِ الفرحِ وَالنِّعمةِ المُستَفَاضةِ على العالَمِ بِأَسرِهِ». وَيُضيفُ البابا على هذه الحقائقِ الإيمانيَّةِ قائلاً: «مِن هذا المنظارِ تتحوَّلُ كلُّ مَأساةٍ جديدةٍ تَقعُ في تاريخِ العالَمِ إِلى سِيناريُو لِخبرٍ سارٍّ محتملٍ، عندما تتمكَّنُ المحبَّةُ من إِيجادِ السَّبيلِ لِلتَّقارُبِ وَتَحريكِ قُلُوبٍ قادرةٍ على التَّأثُّرِ وَوُجُوهٍ قادرةٍ على عدمِ الاستسلامِ وَأَيدٍ مُستعدَّةٍ لِلبِناءِ». هكذا نَدخلُ مع قداستِهِ في عُمقِ سرِّ المَلكُوتِ الَّذي طالَمَا حدَّثَنَا يَسوعُ عنهُ بِالصُّوَرِ، ومنها صُورةُ حَبَّةِ الخَردلِ الَّتي مَاتَت في الأرضِ ثمَّ نَبَتَت لِتَصيرَ شجرةً عظيمةً تُعشِّشُ طَيرُ السَّماءِ في أَغصانِهَا. وعلى شبهِ هذه الصُّورةِ عن مَلكُوتِ الله، فإِنَّ أَيَّ مَأساةٍ تَحدثُ في الأَرضِ، وَلأَيِّ شعبٍ أَو لأَيِّ إنسانٍ، لَن تكونَ لَهَا الكلمةُ الأخيرةُ في التَّاريخِ وَلا في الحياةِ، بَلْ نَحنُ قَادِرُونَ بِنِعمةِ اللهِ على أَن نَزرعَ فيها بُذُورَ الخلاصِ فَتَتحوَّلَ إِلى وَسيلةِ تَقدُّمٍ رُوحيٍّ وَإِنسانيٍّ أَكيدٍ. لكنَّ قداستَهُ يُنبِّهُ في الوَقتِ عَينِهِ إِلى ضَرُورةِ التَّبصُّرِ في الأُمُورِ قائلاً: «إنَّ ملكوتَ اللهِ قد يَحتجبُ عن الأنظارِ السَّطحيَّةِ وهُو لا يُكشَفُ إِلاَّ أَمامَ العُيُونِ الَّتي أَدخَلَ إِليهَا الإِنجيلُ نُورَهُ وَصَفاءَهُ».”

وختم سيادته “وَيَختتمُ قداستُهُ الرِّسالةَ بِنَظرةٍ نَحوَ الآفاقِ الَّتي يَفتحُهَا الرُّوحُ لِلتَّواصلِ بَينَ النَّاسِ، إذْ يَجعلُهُم قَادِرِينَ على تَميِيزِ كلِّ خَبرٍ سارٍّ وَسطَ وَاقعِ كلِّ حَدَثٍ وَحِيَالَ كلِّ شخصٍ نَلتَقِيهِ، فنُلقِيَ عليهِ ضَوءَ السَّماءِ، مُدرِكِينَ في النِّهايةِ أَنَّ الرَّجاءَ هُو الخَيطُ الَّذي يَحبكُ قصَّةَ الخلاصِ في سِينَاريُو كلِّ مَأساةٍ نَمرُّ فِيهَا، وَأَنَّ مَن يَقُومُ بهذا الحَبكِ إِنَّما هُو الرُّوحُ القدسُ عَينُهُ الَّذي يَجمعُ عَملَ الإِنسانِ إِلى عَملِ اللهِ. هكذا كَانَت حياةُ القدِّيسينَ مِمَّن صَارُوا أَيقُونَاتٍ لِمَحبَّةِ الرَّبِّ في الكَونِ؛ هؤلاءُ الَّذين تَركُوا الخبرَ السَّارَ يَقُودُهُم وَسطَ عَتمةِ التَّاريخِ فَتَحوَّلُوا بِأَشخاصِهِم إِلى مَصَابيحَ مُضاءَةٍ في عَتماتِ هذا العالَمِ، وَسَهَّلُوا لِفَتحِ طُرُقٍ جديدةٍ تُؤدِّي بِالإِنسانِ إِلى اللهِ.”

تابع “إِنَّ رِسالةَ البابا هذه لِلإِعلاميِّينَ تَختصِرُ في النِّهايةِ بِتَأكيدِهَا أَنَّ إِضاءَةَ شَمعةٍ وَسطَ الظَّلامِ تُعطِي نُورًا وَرَجاءً أَكثرَ فائدةٍ مِن القصورِ أَمَامَهُ وَالاستسلامِ لهُ في جَوٍّ تَشَاؤميٍّ قَاتلٍ؟ وَبِأَنَّ الإِيجابيِّينَ في النَّظرِ إِلى الأَحداثِ وَإِلى الأَشخاصِ هُم الَّذين يعطُونَ لِلإِنسانيَّةِ مَزِيدًا من فُرَصٍ يُحوِّلُها اللهُ بِرُوحِهِ القدُّوسِ إِلى قُوَّةِ تَغيِيرٍ وَقُوَّةِ خلاصٍ. إِلاَّ أنَّنا مُضطَرُّونَ في هذا المَنحَى لأَنْ نَكونَ مُتَواضعِينَ فَنتركَ للهِ مَكانةً في عَمَلِنَا وَفِي نَجاحِنَا، بَدلاً مِن أَن نَأخذَ مَكانَهُ وَنَدخلَ إِلى الفَشَلِ الذَّريعِ. أَلعلَّ مَعركَة الشَّرِّ القديمة باقيةً هي هي، أَيْ بِالخَيارِ بَينَ مَعركةِ الشَّراكةِ مَع اللهِ في أَعمالِ المحبَّةِ وَالإِنسانيَّةِ أَو قَتلِ أُبوَّةِ الله فينا لِنَجدَ أَنفسَنَا بَعدهَا يَتَامَى مِن كلِّ شيءٍ؟ فَتَعالَوا نَختارُ بَينَ الأُبوَّةِ وَالتَّيتُّمِ فَرحَ أُبوَّةِ اللهِ وَتَآخِينَا بعضنَا مع بَعضٍ. وَهَلْ مِن خَبرٍ سارٍّ سَيكونُ أَهمَّ من هذا الخَبَرِ؟”

 

فلحة

ثم كانت كلمة ممثل الوزير رياشي فقال:

“شرفني معالي وزير الإعلام الأستاذ ملحم الرياشي أن أمثله في هذا اللقاء للإعلان عن هذه الرسالة القيمة لقداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي الحادي والخمسين لوسائل التواصل الإجتماعي.”

أضاف “نحن أمام رسالة عابرة للطوائف والأديان لتصل إلى الإنسانية جمعاء وكل إنسان أنى كان هذا الإنسان وانتماء هذا الإنسان. ولا سيما أننا في عصر وسائل الإعلام التي أسقطت كل الحدود والمسافات وجعلتنا على مسافة واحدة في رؤية الأمور، ولكننا يجب أن نسعى  أن نعلي شان الحقيقة، هذه الحقيقة التي تسعى إليها كل الأديان. فما بالنا أمام رسالة إذا استعرنا منها بعض المفردات أو الجمل الأساسية التي يجب أن تكون عابرة للجميع، نحن ما أحوجنا إلى هذه الرسالة في زمن يطغى فيه الشر على الخير، وتطغى فيه المأساة على الفرح، هذا العالم الذي نريد أو نصبو إليه، أو سعت إليه الأديان كل الأديان، يجب أن يعلي شأن الحقيقة. نحن لا نريد أن نقلب الحقائق إذا كان هناك من شر يجب أن يقال أن هناك شر. ولكن يجب ألا نعلي الشر على حساب الخير.”

وقال “وما استوقفني في هذه الرسالة العظيمة عندما قرأتها، هي رسالة بدأ فيها قداسة البابا بالقول “منذ القدم عن الذهن البشري مشبّهين إياه بحجر الطاحون الذي تحرّكه المياه ولا يمكن إيقافه. لكن القيّم على الطاحون بإمكانه الاختيار بين طحن القمح أو الزؤان. الذهن البشريّ يعمل باستمرار ولا يستطيع التوقّف عن “طحن” ما يتلقّاه، لكن يتعيّن علينا نحن اختيار المادة التي نقدّمها.”

تابع “هذه الرسالة التي يجب أن تبلغ وتشجع الأشخاص الذين “يطحنون” يوميّا الكثير من المعلومات، أكان في مجال العمل أم في العلاقات الشخصيّة، ليقدّموا خبزا ذكيّا وطيّبا للمتغذّين من ثمرة تواصلهم. أودّ أن أحثّ الجميع على تواصلٍ بنّاء يقوم، من خلال نبذ الأحكام المسبقة تجاه الآخرين، بتعزيز ثقافة اللقاء التي نتعلّم بواسطتها النظر إلى الواقع بثقة فطِنة.”

وأردف “الأجمل عندما قال قداسته “أعتقد أن هناك ثمّة حاجة لكسر حلقة الغمّ المفرغة واحتواء دوّامة الخوف، التي هي ثمرة الاعتياد على صبّ الاهتمام على “الأنباء السيّئة” (الحروب، الإرهاب، الفضائح وكلّ أشكال الفشل البشريّ).”

ورأى فلحة “أن هذا ناموس يجب أن يحتذى به في قراءتنا للإعلام الذي نصبو إليه، بالطبع ليس المراد هنا كما يقول قداسة البابا “الترويج للتضليل الذي يتمّ فيه تجاهل مأساة الألم، أو الانزلاق نحو تفاؤل زائف لا يتأثّر بفضيحة الشرّ. بل على العكس أودّ أن نسعى جميعًا إلى تخطّي شعور الاستياء والاستسلام الذي غالبا ما يستحوذ علينا ويرمينا وسط اللامبالاة مولّدًا الخوف أو الانطباع باستحالة وضع حدّ للشرّ. عدا ذلك، ففي منظومة من التواصل يطغى عليها المنطق القائل إن الخبر السار لا يثير الاهتمام وبالتالي ليس خبرا، وحيث يتحوّل بسهولة لغزُ الشرّ ومأساة الألم إلى استعراض جماهيريّ، يمكن التعرّض لتخدير الضمير أو الانزلاق نحو اليأس.”

في هذه الرسالة لقداسة البابا يجب أن تكون عنواناً للإعلاميين في العالم وخصوصاً في لبنان.” وختم “نحن في لبنان لدينا حرية إعلامية ولكن نحن بأحوج ما نكون إلى إعلام حر، بعيد عن التمويل الذي فيه إلتباس، بعيد عن الإعلام الذي يثير النعرات الطائفية، بعيد عن الإعلام الذي لا يظهر حقائق الدين السمحة، الذي لا يظهر التسامح ولا يظهر المحبّة، نحن بحاجة في هذا الزمن وما تعيشه منطقتنا من ويلات وحروب أن نهتدي بهذه الرسالة التي أطلقها قداسة البابا فرنسيس كرسالة للبشرية جمعاء.”

 

الكعكي

ثم كانت كلمة نقيب الصحافة عوني الكعكي فقال:

“في العام الماضي التقينا في هذا المركز المحترم، لنقف، بتقدير، أمام رسالة قداسة البابا فرنسيس الأول، حول وسائل الإعلام، كما نلتقي اليوم في المناسبة المماثلة، ولا يزال يرن في اذاننا قول الحبر الأعظم: ” التواصل والرحمة: تلاقٍ مثمر”. وقد تكون المرة الأولى التي يتناول فيها مرجع عالمي كبير الربط بين التواصل (والإعلام أبرز وجوهه) والرحمة.

تابع “وفي هذا كله يطرح السؤال ذاته بقوة: أين الرحمة في مواجهة الحقيقة القاسية؟ .. وقد يكون الجواب جاء في مداخلة سبق أن أدلى بها سيادة المطران بولس مطر الداعي الى هذا اللقاء المهم عندما قال: “تَرَى الكنيسةُ أَيضًا إنَّ الحقيقةَ لَيسَت القيمةَ الوحيدةَ الَّتي يَجبُ أَن تَحكُمَ العمليَّةَ الإِعلاميَّةَ بَينَ النَّاسِ. بلْ تُضيفُ إِليها قيمةَ بِناءِ المُجتمعِ على أُسُسٍ من الوحدةِ وَالمحبَّةِ. فَالصحافيُّ المَسؤُولُ عَن نَشرِ الحقيقةِ هُو مَسؤُولٌ أَيضًا عَن خَلقِ جَوٍّ تَصَالُحيٍّ في العالَمِ وَعَن تَقريبِ النَّاسِ بَعضِهِم إِلى بَعضٍ عَبرَ تَأكيدِ ضَرُورَةِ التَّفاهُمِ فِيمَا بَينَهُم، وَعَن التَّضامُنِ مِن أَجلِ الخَيرِ العامِّ وَتَرجِيحِ كَفَّةِ السَّلامِ ما استَطاعَ إِلى ذلكَ سَبيلاً. بِهَذا المَعنَى يَقُولُ قَداستُهُ إِنَّ لِلرَّحمةِ مَكانًا خاصًّا وَمُميَّزًا في رِسالةِ الإِعلامِ وَالإِعلاميِّين. لكنَّ هذه الرَّحمةَ قَد صَارَت، وَبِكلِّ أَسفٍ، مُغَيَّبَةً عَن العَلائقِ بَينَ الدُّولِ وَالشُّعوبِ وقد حَلَّت مَحلَّها القَساوَةُ في التَّعاطِي إِلى حَدِّ اعتِمَادِ الحُرُوبِ القاتِلَةِ وَالمُدَمِّرةِ، نَاهِيكَ عَن سَيطرَةِ المَصَالحِ الخاصَّةِ على حِسابِ المُشارَكةِ في الخَيراتِ بِرُوحٍ مِن الأُخوَّةِ وَالمُسَاوَاةِ بَينَ الجميعِ”.

 أضاف “وأما الرحمة، فمن أسفٍ شديد إنها باتت مفقودة بين الناس الى حد كبير، وهي مفقودة في منطقتنا الى حدٍ أكبر… أليس أننا نعيش جحيماً من القتل والدمار والذبح والتعذيب والإرهاب والسلاح الكيماوي والمحارق الحقيقية؟”

وقال “أنا أتشرف، فعلاً، في أن أتحدّث أمام هذا المنتدى الثقافي الكبير الذي اعتبره منبراً إنسانياً بامتياز، قبل أن يكون مركزاً دينياً. ويأتي الكلامُ هنا من القلب إلى القلب كون بركة وقداسة سيّدنا البابا فرنسيس حاضرتين معنا. أنا المسلم البيروتي اللبناني أكثر مًن يُدرك قلق قداسة البابا على مصير المسيحيين في الشرق، ليس فقط لأنَّ والدتي، أمدَّ الله في عمرها، مسيحية مارونية، بل بالذات لأنني أعرف قيمة أخي (ولا أقول شريكي) المسيحي اللبناني الذي نُشكلُ معاً صيغة واحدة فريدة في العالم كلّه. وأعترفُ بأنّ هذا القلق هو في محلّه، لأنّ هناك أسباباً موجبة له منذ المجازر الأرمنية الرهيبة قبل قرن من اليوم، إلى المجازر المرعبة التي يرتكبها تنظيم”داعش” الإرهابي وسواه في حق المسيحيين وايضاً في حق المسلمين في العراق وفي سوريا. وفي كل مكان.”

تابع “ولا أقول جديداً إذا ادعيت إن وسائل الإعلام العديدة التي أُشرفُ عليها كانت مستنفَرَةً في مرحلة الفراغ الرئاسي، التزاماً بالصرخة التي أطلقتها، من هنا بالذات، في مثل هذا الوقت من العام الماضي مناشداً الزعامات المسيحية أن تبادر إلى الإتفاق في ما بينها على مرشح لينتخبه النواب رئيساً، لأنّ لبنان من دون رئيس، وأقول: من دون الرئيس المسيحي الماروني، ليس لبنان الذي نحبّه ونريده.”

وقال “عندما يتحدث قداسة البابا فرنسيس الأوّل عن وسائل الإعلام فهذا يفترض أنها موجودة، وقادرة، وحرّة… وكم يؤلمني أن تكون صحافة الورق، في وطننا لبنان، وبقدر أقل في بلدان عديدة، تواجه معاناة قاسية. وهي مهددة بالتوقف وببطالة جيش من العاملين فيها… وذلك بعدما دخلت الصحافة الإلكترونية هذا المضمار النبيل.”

تابع “لذلك أسمح لنفسي، أن أغتنم وجودنا على هذا المنبر المحترم لأطالب الفعاليات الرسمية والدينية والسياسية والوطنية والإجتماعية والإقتصادية بالوقوف الى جانب هذه الصحافة وداعمة لها لأنها ضمانة للكلمة ولتداول مبادىء الرسالة السماوية.”

وختم بالقولً “أتمنى لكم التوفيق ببركة قداسة البابا فرنسيس. والسلام عليكم.”

 

عون

ثم كانت كلمة النقيب الياس عون جاء فيها:

أمام عظمة وتواضع قداسة البابا فرنسيس، هذا القائد الروحي في الكنيسة، أنحني. وما رسالته في اليوم العالمي الحادي والخمسين لوسائل التواصل الإجتماعي “ايصال الرجاء والثقة لزماننا”، إلا دليل على إيمان الحبر الأعظم بالرجاء الذي بدونه لا نستطيع أن نعيش والثقة التي هي مفتاح الأمل بغد مشرق على الرغم من كل التحديات والصعوبات التي يواجهها عالمنا اليوم.”

تابع “كلّنا مدعوون لنعيش الرجاء، وليس فقط في هذه السنة ، وهذه الدعوة المميزة تعني كلّ الأديان.. نعم كلنا أبناء للرجاء في هذا العالم الذي بات قريّة صغيرة بفضل وسائل التواصل الإجتماعي والثورة الإلكترونيّة، شرط أن نعرف كيف نستخدم هذه الوسائل لخير المجتمع والإنسان وليس لتعاسته.”

أضاف “تحيّة لكم صاحب السيادة على دعوتكم لنا لنقرأ معًا ما علّمنا إياه قداسة البابا، ليبقى الرجاء والثقة في قلوبنا ، كما أراد هو عنوانًا لرسالته: نعم بالتواصل والحوار تُبنى المجتمعات والسلام.”

وختم بالقول “صدق قداسة البابا في رسالته لنا في اليوم الحادي والخمسين للإعلام، وعلينا أن نعي ما يقوله ونعمل بوحيه وهديه لأن استخدام وسائل التواصل، بفضل التطوّر التكنولوجي،، كما قال قداسته، أصبح سهلا لدرجة أنه يتيح أمام العديد من المستخدمين إمكانية التقاسم الفوري للأنباء ونشرها على نطاق واسع للغاية. وهذه الأنباء قد تكون سارة أو سيّئة، صحيحة أو كاذبة. وكان آباؤنا في الإيمان قد تحدّثوا منذ القدم عن الذهن البشري، مشبّهين إياه بحجر الطاحون الذي تحرّكه المياه ولا يمكن إيقافه. لكن القيّم على الطاحون بإمكانه الإختيار بين طحن القمح أو الزؤان. الذهن البشريّ يعمل باستمرار ولا يستطيع التوقّف عن “طحن” ما يتلقّاه، لكن يتعيّن علينا نحن اختيار المادة التي نقدّمها.

وختامًا لنعمل كلّنا ليكون الإعلام وسيلة بناء لمجتمعاتنا وليس لهدمها، والسلام.”

أبو كسم

واختتم المؤتمر بكلمة الخوري عبده أبو كسم فقال:

“نلتقي اليوم مثله من كل عام لنعلن عن رسالة قداسة البابا الخاصة بيوع الإعلام العالمي، ولنجعل من رسالته محور عملنا الإعلامي الكاثوليكي من خلال عناوين تخدم المجتمع والكنيسة.”

تابع “وكم يسّرنا اليوم وجود معالي الوزير ملحم رياشي، وهو الإعلامي الملتزم مسيحياً ووطنياً، هو رسول سلام وكنارةَ الكلمة الطيبة.”

أضاف “نتوجه إليكم في عيد الإعلام الكاثوليكي لنتقدم منكم بتمنياتنا الطيبة ونشد على أيديكم من أجل أن تكونوا رسل سلامٍ من خلال مؤسساتكم الإعلامية، فنحن وإياكم مرآة هذا الوطن وحراس الحقيقة التي يجب أن ننقلها إلى الرأي العام بفرح ورجاء حتى لو كانت هذه الحقيقة صعبة ومؤلمة.”

أردف “أما التحدي الكبير فهو الحفاظ على أدبيات المهنة وأخلاقيتها، في مواجهة بعض البرامج التي تنحدر تحت سقف مستوى الأخلاق تحت ستار الحرية الإعلامية، فالحرية الإعلامية تحقق ذاتها عندما تراعي حرية وشعور الآخرين وليس بالكلام الهابط والإيحاءات الإباحية لترويج منطق السبق الإعلامي.”

وختم بالقول “في كل الأحوال، نحن جميعاً نعمل من أجل خير المجتمع والوطن، نحن ملتزمون بأن نقدم للرأي العام الحقيقة ولأن نكون مصابيح تنير دروب الناس على طرقات هذا العالم. فلكم أيها الزملاء الصحافيون والإعلاميون أسمى أيات الشكر والتقدير وإلى موعد آخر.”

 

Share this Entry

فيوليت حنين مستريح

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير