Pixabay PD CC0

ما هو المطهر في الكنيسة الكاثوليكيّة؟

المطهر هو جزءٌ من الملكوت، وليس خارجًا عنه

Share this Entry

طرحَ أحدهم هذا السؤال، والمشكلة أنه يريدُ جوابا صغيرًا بسيطا ! لقد صدَعتْ رؤوسنا مثل هكذا أسئلة والتي أصبحت في الفم كالعِلكة! نمضغ به ولا ينزلُ المعدة….! لكَ ما تريدُ أيّها السائل الكريم، وسأقومُ بإختصار ٍ مبسّط للسؤال، ولا أتصوّر أنه سيكفي. عندما تُجرَح يداي، أو يحصلُ أيّ ضرر ٍ فيها، أذهبُ، إن كنتُ في بيتي أو في مكان ِ عملي، فورًا لأجدَ ” مــــــُطهّرا ” ، أو ” إسبيرتو ” لكي أعقّم ما سبّبه الجرح أو الضرر. هذا مثال رمزيّ، لكننا لا نستخدمه إلا بصورة تشبيهــــيّة ومجازيّة.

المَطهَر، هو كالمُعقّم، المُطهّر من شوائب وجراثيم في حياتنا، كي تتنقّى صورتنا أمام وجه الله، وتظهرُ على حقيقتها بدونَ شوائب وخطايا. المطهَر هو نارُ المحبّة الإلهيّة. لا يمكننا أن نعتبره كفكرة ٍ أو نظريّة مفصولة عن المسيح ! لا بل هو ذاته، سرّ الربّ يسوع المسيح، المَطهَر، النار المُحِبّة. شخص المسيح هو نفسه المطهر. فيسوع المسيح ليس في جهة، والمطهر في الجهة المقابلة. أساقفة المانيا يقولون :” إنّ الإنسان لا يمكنه بعد نهاية رحلته الأرضيّة أن يُسهِم إسهامًا فعّالا في تقديسه؛ ولكن يمكنه أن يُطهّر ويُنقّى بالعذاب. (العذابُ، يقولُ البابا بنديكتوس السادس عشر، ليس المطهر ايضا معسكر إعتقال ٍ في الأخرة، حيث يتوجّب على الإنسان أن يتحمّل عقوبات ٍ تُفرَض عليه وترتدي طابعًا أكثر أو أقلّ ماديّة. بل هو مسيرة باطنة وضروريّة لتحويل الإنسان، يصيرُ من خلالها قادرًا على تقبّل المسيح، وقادرًا على تقبّل الله، وبالتالي قادرًا على الإتحاد بجماعة القدّيسين كلّها. وعندما يدور الكلام على النار، فما هذه إلاّ صورة، ولكنّها صورةٌ تشيرُ إلى حقيقة ٍ عميقة. فالنار يمكن فهمها على أنها ” قدرة قداسة الله ورحمته، تلك القدرة المُطهّرة والمنقّية والمقدّسة”.

اللقاءُ الذي يحدث مع نار محبة الله لكلّ إنسان اختارَ الله إختيارًا أساسيّا، ولكنّ اختياره هذا لم يجسده في كل أعماله، فبقيَ دون المثال المرجوّ – ومن منّا ليس على هذه الحال -، هذا اللقاء يملكُ قدرة مطهّرة ومحوّلة، من شأنها أن تدينَ وتنقّي وتُخلّص وتُكمّل كلّ ما يبقى ناقصا بعد الموت. ” الكنيسة الكاثوليكيّة تدعو إلى التحفّظ ، لا مجالَ في العظات الشعبيّة أمام الشعب غير المثقّف للأسئلة الصعبة والمعقدة، التي لا تدعو للبنيان، والتي في معظمها لا تُنمي التقوى. ” على الأساقفة أن يُحظّروا ما لا يخدم إلاّ الفضوليّة أو الخرافة، أو يبدو كأنه من قبيل المكسب الخسيس ” (دنتسنغر 1820). و من ثمّ يتبيّن لنا بكلّ يقين ما يتضمّنه تعليم الكنيسة من دعوةٍ إلى التيقّظ، ترفضُ التنظيرات الساذجة، أو التي هي وليدة الخيال.

إنّ المضمون الدائم لعقيدة المطهر، يقول البابا بنديكتوس السادس عشر، في أنّ النار هو الربّ ذاته، أن ليس هناك من زمن، بل المسألة كلها هي ” مسألة ملاقاة ٍ إسختولوجيّة مع الديّان، ليس هناكَ من تطهير، بل هناك مجرّد حكم: هذا الإنسانُ سوف يخلص بجهد ٍ كبير. يقول بنديكت أيضا، إنّ المطهر يأخذُ معناه الحقيقيّ عندما نعطيه معنىً مسيحانيّا، فنُفسر أنّ الربّ نفسه هو تلك النار الديّانة، التي تحوّل الإنسان وتجعله ” مشابهًا لصورة جسده الممجّدة. ألا يقومُ الإنتقال الحقيقيّ من فكرة المطهر اليهوديّة القديمة إلى الفكرة المسيحيّة بالتحديد في إدراك أن التطهير لا يتمّ بأيّة وسيلة ٍ كانت، بل بقدرة الرب المحوّلة، التي تُحرّر نارها قلبَنا المغلق وتصوغه من جديد، بحيث يصيرُ قابلا للدخول في جسده الحيّ؟

أقولُ بدوري ما قاله الأب فرنسوا فاريون: ” إن لم يكن المطهَر موجودًا، وجبَ ايجاده “. فلا بدّ من المطهر للمشاركة في حياة الله. لا تدخل في الله أيّة ذرّة من الأنانيّة، لأنّ الأنانيّة هي نقيض الله، في تعارضه. المحبّة وحدها تمثّل بالمحبّة. فمن الذي يجرؤ على الإعتقاد في ساعة موته بأنه قائمٌ في حالة المحبة الكاملة وأنه تخلّص من كلّ ذرّة من الأنانيّة؟ هذا أمرٌ مستحيل، باستنثاء مريم العذراء. إذن، المطهر ليس مكانـــــًا يتوسّط بين العالم والملكوت . لا نضع هذه المعادلة : العالم – المطهر – الملكوت … كأنّها ثلاثةُ أجزاء ٍ منفصلة! كلّا، بل إنّ نضعها هكذا: العالم – المطهر .. الملكوت، لأنّ المطهر هو جزءٌ من الملكوت، وليس خارجًا عنه. لأنه عبورٌ ومسيرة وتوبة دائميّة بلا مقاييس زمنيّة

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير