كان صعود الرب المنظور للتلاميذ بسيطاً، يفيدنا فيه الفصل الأول من أعمال الرسل (ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم).
فلماذا لم يشأ السيد أن يعاين التلاميذ الأمجاد العلوية وهو يدخل إلى السماء؟
يؤكد لنا كثيرون من آباء الكنيسة أن الرب، الذي يحفظ مشهد الأمجاد هذا لإستعلان مجد ملكوته في المجيء الثاني، هو لا يريد كنيسة منشغلة حصراً بالمظاهر الفائقة للطبيعة… لكي لا تنسى أن رسالتها الحقيقية تكمن في حمل الصليب والكرازة بالإنجيل بتواضع الروح.
… ولكن بالطبع يحدث في بعض الأوقات أن تظهر بعض “التذكيرات” السماوية كالظهورات وذلك لضرورة خلاصية، وهي تُترجم في مشهدية الصعود من خلال إرسال السيد لإثنين من الملائكة ليؤكدا للتلاميذ أنه قد انطلق إلى السماء، وأنه سوف يعود مرة أخرى، ولينصحهم بالذهاب إلى أورشليم انتظارًا لحلول الروح القدس الضامن لعمل الكرازة.
الظهورات أو العجائب هي علامات موجودة وحقيقية، ولكن على المؤمن الناضج ألّا يتوقف عندها طويلاً كمن يمكث على صخرة الصعود مكتفياً بظهور الملاكين عوض عيش الرسالة وإستكمال الطريق في لقاء القائم والإتحاد به.
يإيمان ناضج ومع حلول الروح القدس، وبعين الإيمان والقلب النقي، يستطيع الأبرار معاينة لاهوت الرب الحاضر في كل زمان ومكان…
أن الرب فتح درب السماء، وما دربها سوى درب الحب الذي لا بدّ أن يمرّ عبر الصليب. وعليه، يرد في تعليم الكنيسة الكاثوليكية أنّ: “الارتفاع على الصليب يعني ارتفاع الصعود إلى السماء” (662). وأن بعد إرتفاع الرب على الصليب و موته عليه، انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل ( متى 27: 51). حجاب الهيكل هو الفاصل بين القدس وقدس الأقداس، وفي إنشقاقه إعلانٌ بأنّ السيد المسيح قد فتح الطريق إلى أحضان الآب السماوي.
…. وتأتي ذكرى الصعود، مرة جديدة :
قد لا تنطوي على رؤية تشغل عيون اللاهثين خلف الظواهر ولكنها، من دون أي شك، تخاطب القلب… تدعوه إلى أن يميّز حضور الرب الحيّ بكل مظاهره الطبيعية منها والإستثنائية وكلّها خارق فصنع الرب أعجوبة الحياة و عرسها!!
ذكرى الصعود تحفّزنا لنشهد للقائم و الصاعد… فبثقة، هلمّ نسير درب الرب ونسلّمه صلباننا في “صعود” الطريق ولا نخافنّ…
أوَليس السيد هو “الطريق” (يو 6:14) ؟!