يُعرّف الإبداع بأنه القدرة على تحويل الأفكار الجديدة والمبتكرة إلى حقيقة، إنه القدرة على إدراك العالم بأساليب جديدة، وإيجاد أنماط خفية، فسواء أكنت مفتوناً بلوحة فنسنت فان جوخ “ليلة النجوم” أو نظريات ألبرت أينشتاين عن الزمان، فمن المؤكد أنك تعلم أن كلا العملين هما نتاج إبداعي، فالخيال هو ما يدفعنا إلى الأمام إنه يوسع عوالمنا ويجلب لنا أفكاراً واختراعات واكتشافات جديدة.
إذاً كيف يمكن للمعلم رعاية الإبداع في الفصول الدراسية في عصر التغير التكنولوجي السريع، عندما تكون هناك حاجة إلى الابتكار البشري ويكون الأطفال أكثر تشويشًا؟
أشار كين روبنسون أحد المتحدثين المعروفين في مجال الإبداع والابتكار في التعليم والأعمال إلى أهمية الإبداع في التعليم اليوم عندما قال “الإبداع لا يقل أهمية في التعليم عن القراءة، وينبغي التعامل معه بنفس الاهتمام، جميع الأطفال لديهم مواهب هائلة ولكننا نبددها بلا رحمة”، فعادة ما نميل إلى التركيز على تدريس الموضوعات والمهارات الخاصة بمحتوى معين لأنها عناصر يمكننا اختبارها وتقييمها بسهولة، ولكن كيف يمكننا أن نتبع تلك المفاهيم الأصعب، مثل المثابرة والإبداع؟
يعتقد البعض أن الإبداع يقتصر على كونه موهبة فطرية، أو سمة شخصية تولد مع الشخص، لذا عندما يتعلق الأمر بالأنشطة المدرسية التي تشجع على الإبداع، يشعر الكثير من المعلمين أنه أمر لا يمكن تعليمه، بينما العكس هو الصحيح فالإبداع مهارة يمكن تعلمها وتنميتها، حيث نجد أن البيئة الصفية الناجحة تحتوي غالباً على بعض عناصر الإبداع التي تجعل من العملية التعليمية التعلمية أكثر إثارة وتفاعلًا، وبالتالي إلى تغيير طريقة حصول الطلاب على التعليم وكيفية تطبيقه في حياتهم الحقيقية، في الواقع ، يلعب التعليم الإبداعي دورًا رئيسيًا في إعداد الطالب للحياة.
وهنا سنذكر عدد من الاستراتيجيات والأنشطة التي تساعد على خلق بيئة تعزز التفكير الإبداعي في الفصول الدراسية:
مساحة خاصة للإبداع: أحد أفضل الطرق وأسهلها لتشجيع الإبداع تكمن في إنشاء مساحة خاصة أو مكان محدد في الفصل الدراسي للاستكشاف والتفكير الإبداعي، يمكن أن يطلق عليه اسم “تفكير” وهو مكان يمكن أن يذهب له الطلاب للتفكير واستكشاف ومناقشة الأفكار مع زملائهم.
التشجيع: تعرف على اهتمامات طلابك وما الذي يحفزهم حقاً، ثم شجعهم على التعمق به بشكل أكبر، على سبيل المثال، إذا وجدت أن أحد الطلاب لديه شغف بكل ما يتعلق بالفضاء، فحثه على قراءة كتب حول الفضاء، أو القيام بجولة افتراضية على الإنترنت لمركبة فضائية، خذ وقتك لتشجيع طلابك على الابتكار، وسوف ترى قدراتهم الإبداعية تتوسع.
التفكير المتباين (الإبداعي): يميل طلابنا إلى استخدام التفكير المتقارب (التقليدي)، مما يعني أنهم يجيبون عن الأسئلة الأساسية التي لا تتطلب أي إبداع، بينما طريقة التفكير المتباين(الإبداعي) هي العكس تماماً، حيث تتطلب هذه الطريقة في التفكير أن يكون الأطفال مبدعين، فحاول تطبيق أسلوب العصف الذهني لتطوير التفكير الإبداعي لديهم، وحرضهم على التفكير بشكل مختلف واستكشاف وجهات نظر مختلفة من خلال تطوير استراتيجيات التدريس التي تحثهم على استخدام كل من التفكير المتقارب و المتباين.
المعايير التربوية: جزء من وظيفة المعلم أن يكون على دراية بالمعايير التربوية، فهي العنصر الرئيسي في تطوير مكونات النظام التعليمي وممارساته، وبينما يشعر الكثير من المعلمين أن هذه المعايير لا تسمح بأي مساحة لأي إبداع، إلا أن معرفة المعايير تُمكنك من العثور على طرق للتعامل مع الدرس أو النشاط، حيث يمكنك أن تنظر إلى كل معيار وتفكر، “كيف يمكنني أن أتعلم من هذا الدرس بأسلوب يعزز الإبداع؟” وبمجرد معرفة هذه المعايير سيكون من الأسهل بالنسبة لك دمج الإبداع في دروسك.
نظرية الذكاء المتعدد: الاستفادة من نقاط القوة لدى الطالب باستخدام نظرية الذكاء المتعددة، وذلك من خلال معرفة نوع القدرات الإضافية التي يتمتع بها: (الذكاء الجسمي،ـ الحركي)، (الذكاء البصري، الفضائي) وما إلى ذلك، فكل شخص يولد ولديه قدرات متعددة منها ما هو ضعيف ومنها ما هو قوي، ومهمتك كمعلم أن تنمي ما لدى الطالب من قدرات ضعيفة وتعمل على تحفيز ما هو قوي لديه، لأن استخدام هذه النظرية يساعد الطالب على تحقيق ذاته وتعزيز قدراته الإبداعية.
المهارات الإبداعية: من خلال تعلم المهارات الإبداعية مثل كيفية استخدام خيالك، وكيفية التعاون مع زملائك، والتحفيز الذاتي، يتمكن الطالب من استخدام قدراته الإبداعية، فهذه المهارات هي الطريق لتحقيق الأفكار المبتكرة.
نموذج الإبداع: من أجل تعزيز الإبداع، حاول استخدام نموذج أوزبورن – بارنس في تنمية مهارات التفكير الإبداعي، حيث يمكنك أن توجه الطلاب من خلال الاستراتيجيات الست: المشكلة الضبابية، تقصي الحقائق، تحديد المشكلة، إيجاد الأفكار، إيجاد الحلول، وإيجاد القبول والرضى عن الحلول، كل خطوة على الطريق تتحدى الطلاب لاستخدام طريقة التفكير المتباين.
اكتشاف الإبداع: تلمُس الإبداع والقدرة على اكتشافه وتمييزه حال رؤيته من خلال إنشاء بيئة لتشجيعه داخل الغرف الصفية، حيث يمكن الاستفادة من الجدران واللوحات الإعلانية في عرض أعمال الطلاب الإبداعية، هذه الطريقة يمكن أن تكون ملهمة لطلابك فضلاً عن أنها تساعد على تنمية الإبداع وروح الابتكار لديهم.
هذه ليست سوى بعض من الطرق العديدة التي يمكنك من خلالها تعزيز الإبداع في الفصل الدراسي، فكل طفل يمتلك قدرات إبداعية خاصة به وطالما أنك تدرك وتشجع وتضفي مساحة منفصلة للخيال والتفكير والابتكار، فإنك بذلك تساهم في خلق بيئة تعليمية يمكن فيها لكل طالب أن يحقق ذاته وأن يكون قادراً على مواجهة التحدّيات الجديدة والمربكة وأكثر قدرة على الإنجاز والإبداع.