Pixabay, CC0 creative commons

هل الترمّل نعمة؟

اليوم العالمي للأرامل في 23 حزيران

Share this Entry

نعمة الترمّل

يصادف يوم 23 حزيران من كل سنة، اليوم العالمي للأرامل، خصصته الأمم المتحدة، لكي تذكّر المجتمعات والحكومات والمنظمات الدولية والمحلية، بضرورة العمل في رفع شأن الأرامل، لاسيما اللواتي يتحملن مشقات مسؤولية العائلة، وفي هذه المناسبة، نخصص بدورنا مقالاً متواضعًا، حول مكانة الأرملة في تدبير الله، وواضعين بعض الخطوط العريضة لروحانية الترمّل، علّنا نسهم فيفهم المعنى العميق للترمّل كدعوة جديدة في قلب الكنيسة ومشروع القداسة، وذلك من خلال عيش روح الخدمة الإنجيلية والتكرّس لله من أجل الآخرين.

  • الله والأرامل

الرب صانع حق اليتيم والأرملة (ر.ا، تثنية 10: 18). أي هو من يعمل دومًا على مرافقة الأرملة، من خلال مساعدتها في تأمين حياتها وحياة أولادها من خلال الحفاظ على حقوقها المشروعة التي رسمتها لها الشريعة أو من خلال كلام الأنبياء وموافقهم. والرب هو من «… يَحْفَظُ الْغُرَبَاءَ. يَعْضُدُ الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَيُعَوِّجُهُ» (مز146: 9). و”يَقْلَعُ بَيْتَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَيُوَطِّدُ تُخْمَ الأَرْمَلَةِ”(أم15: 25). إنه الناصر الدائم والملجأ الآمن للضعفاء ولاسيما الأرامل.

  • دور الجماعة تجاه الأرامل

« لا تُسِيءْ إِلَى أَرْمَلَةٍ مَا وَلاَ يَتِيمٍ» (خر22: 22)، فإنصاف حق الأرملة هو قرار اجتماعي- ديني /ليتورجيّ، اتخذته الجماعة عهدًا امام الله «مَلْعُون مَنْ يُعَوِّجُ حَقَّ الْغَرِيبِ وَالْيَتِيمِ وَالأَرْمَلَةِ. وَيَقُولُ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ.» (تثنية 27: 19) ويصبح هذا الوعد نمطًا وسلوكًا دينيًّا وأخلاقيًّا في سلوكيات الشعب ولاسيما في ممارسة الحكم والتحكيم.فعلى رؤساء الشعب، أن يقضوا للأرامل بالعدل والإنصاف (ر.ا، أش 1: 23)،لأن الحفاظ على البركة والحماية من قبل الله، مرتبطان إرتباطًا جوهريًّا وكيانيًّا، بمدى وعي الحاكم أو القاضي لهذا الحق الإلهي غير المشروط الذي خصّه للأرملة(ر.ا، إر7: 6 و 22: 3؛ حز22: 7؛ زك7: 10).وفي يوم الدين العظيم، سيحاسب الله على كل إساءة ارتُكِبَت بحق الأرملة (ر.ا، ملا 3: 5).ويسوع أثناء حياته الأرضية، دافع عن حقوق الأرامل المُغتصبة، من قبل رؤساء الشعب، فكان يوبّخهم على إهمالهم الفاضح لتلك الحقوق(ر.ا، مت 23: 14)؛ وأثناء تبشيره للقرى نراه يتحنن على وحيد أرملة فيقيمه من الموت (ر.ا، لو 18: 3)، وفي  مكان آخر،يضرب المثل الصالح بأرملة فقيرة تثق بالله ، أعطت من حاجتها ما تملكه من المال لصندوق الهيكل (ر.ا، مر12: 44). وعندما علّم تلاميذه على ضرورة المداومة والإلحاح في ممارسة الصلاة ،من غير ملل، اعطاهم مثل القاضي الظالم والأرملة، فلولا إلحاح وإصرار تلك الأرملة لما كان القاضي الظالم استجاب لطلبها (ر.ا، لو18: 1- 7) ومن الأرملة، تتعلّم الكنيسة الإتكال على الله والثقة به، دون ملل. فالأرملة في الكنيسة، هي إمرأة علامة اليقظة والثقة والإتكال والإستسلام لعناية الله (ر.ا، إر49: 11).

  • روحانية الترمّل

لم يقدّم لنا الكتاب المقدّس روحانيّة محددّة حول كيفية عيش الترمّل، ولكنه قدّم لنا أشخاصًا اختبروا بُعد الترمّل في حياتهم الشخصيّة. على سبيل المثال لا الحصر « النبية حنّة ابنة فانوئيل من سبط آشير» (لو2:36)، يصفها القديس لوقا وصفًا دقيقًا، هي من «عاشت مع زوجها سبع سنوات، ثم بقيت أرملة فبلغت من الرابعة والثمانين من العمر لا تفارق الهيكل، متعبّدة بالصوم والصلاة ليل نهار» (لو2: 37)، نستنتج من هذا الوصف بأن حنّة كرّست كل حياتها في خدمة الهيكل، لديها حياة روحيّة تتألف من: التعبّد لله، والتأمل بكلمة الرب والصلاة والصوم وخدمة الهيكل، فهي إمرأة الرغبات التي وضعتها بكلّيتها في الإلتصاق ببيت الرب، طول أيام حياتها (ر.ا، مز27: 4).

  • رسالة الترمّل

تطلعنا كلمة الله، على دور الأرملة ومكانتها وأهميتها في تاريخ الخلاص، فهي التي تثق بكلمة الله وبوعوده، وعندما يُطلب منها أن تعطي من حاجتها كل ما تملك، على غرار أرملة صرفة صيدا، إذ فض معجنها طحينًا وقاوروتها زيتًا، بفضل استقبالها لرجل الله إيليا، فكانت علامة رضى الرب، وسط شعب تنكّر لإيمانه بالله (ر.ا، 1مل17: 14و 24)؛ وهناك أيضًا الأرملة الفقيرة في العهد الجديد التي بدورها تكشف لنا عن عمق اتكالها ومحبتها وثقتها بالله فهي “من حاجتها ألقت  جميع ما تملك، كلّ رزقها” (مر12: 44)، مطبّقة وصية المحبة التي تقول : « أحبب الرب إلهك من كل قلبك وعقلك ونفسك وقوّتك، وأحبب قريبك حبّك لنفسك» (لو10: 27)،

  • رعوية الأرامل

الأرامل هم دومًا في وسط الجماعة، لديهن مكانة خاصة ومميّزة (ر.ا، 16: 11). فمن واجبات المؤمنين الإهتمام بهنّ، من خلال المشاركة في الخيرات الأساسيّة: كالقمح والزيت والعنب (تثنية 29: 19- 21)، وهذه ثلاثة رموز تدلّ على: القوّة والشفاء والفرح. ومنذ انطلاقة الكنيسة الأولى، كان همّ الأرامل في سلّم أولوياتها الرعوية، إذ كرّست لهذه الغاية النبيلة، سبعة شمامسة أقيموا من أجل الإهتمام بالأرامل «وتوزيع الأرزاق اليوميّة » (أع 6: 1). وبولس في رسائله، شدّد على إكرام الأرامل أي « اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ.» (1طيم5: 3) وهذا الإكرام يبدأ في المنزل من قبل الأولاد والأحفاد، إنها المسؤولية الأولى الملقاة عليهم «لأَنَّ هذَا صَالِحٌ  وَمَقْبُولٌ أَمَامَ اللهِ.» (1طي 5: 4).

إنّ اليوم العالمي للأرامل يطرح أمامنا اسئلة جمّة وعديدة ونحن نكتفي بالتالي: كيف على العمل الرعوي في الكنيسة، ولاسيما في الرعية، أن يستفيد من خبرة الأرامل [الحكمة العمليّة ] الإيمانية ليدخلها في صلب عمله الرعوي؟ يقول لنا القديس يهوذا في رسالته أن«الدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ.»(يهوذا 1: 27).تبقى دعوة الترمل في الكنيسة، مفتاح نجاح لأي رعوية كنسية، بدونها تفتقر الرعوية الى الحيوية، ولاسيما البركة.

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير