كيف تتسلّل أقوال العصر الجديد المفخّخة ويستشهد بها المؤمنون إكليروساً وعلمانيين، عن حُسن نيّة ولكن بدون دراية منهم ولا روح تمييز، فينساقون عن جهلٍ منهم ورغماً عنهم، إلى أضاليل وكذبات العصر الجديد.
من أكثر مؤلّفات العصر الجديد إنتشارًا ومبيعًا، هي للأميريكية لويز هاي Louise Hay (+2017) وأشهرها كتاب “يمكنكَ شفاء حياتك”You can heal your life الذي حقّق نجاحًا باهرًا وقرأه الملايين من الناس حول العالم.
تقول “هاي” إنّها نجحت في تخطّي حياتها التقليدية الرتيبة وخلق حياة مكرّسة تساعد فيها الآخرين وتعلّمهم كيف يتحرّرون من معتقداتهم التي تحدّهم، ليخلقوا الحياة التي يحلمون بها. بدأت “هاي” حياتها العملية فعليًا سنة 1970 في مدينة نيويورك، عندما انتمت إلى”كنيسة العلوم الدينية” Church of Religious Sciences (من الحركات الروحانية البديلة التي تواكب حركة العصر الجديد وتروّج للتعاليم نفسها، مثل الحلولية، ألوهية الإنسان الطبيعية، القدرات العقلية اللامحدودة، …) حيث أتمّت فيها تدريبًا أهّلها لتصبح معلّمة ومبّشرة. تعلّمت فيها مثلاً قوّة الإيحاءات الإيجابية وأهمية التواصل الروحاني وكلّ تعاليم بدعة “العلم الديني” التي أسّسها إرنست هولمز (1887-1960) سنة 1927 وهي تروّج لتيّار الفكر الجديدNew Thought Movement الذي ابتدع ما يُسمّى بعِلم العقل. The Science of Mind
يُعتبر الفيلسوف والمنوّم المغناطيسي فينياس باركرز (1802-1866) أب الفكر الجديد المعروف بالفكر الأعلى، الذي يعلّم أنّ ذات الإنسان الحقيقية هي إلهية ومن طبيعة الألوهة، وأنّ المرض يصدر من العقل، وأنّ الفكر الصحيح لديه تأثير شافٍ. كلّ هذا مهّد لتعاليم مثل التفكير الإيجابيPositive Thinking (وهو غير التفكير الإيجابي في علم النفس الكلاسيكي)، ولقانون الجذبLaw of attraction ، والطاقة الكونيةCosmic Energy والتصوّر الخلاّقCreative Vizualisation والإيحاء الذاتيSelf Suggestion الخ … كلّ هذه الفرضيات مهّدت أيضًا لبدعة العلم المسيحيChristian Science (وهي غير بدعة السيونتولوجي) التي أسّستها ماري بايكر إيدي، وفيما بعد لتيّار كلمة الإيمان أو ما يُعرف بـ”إنجيل البحبوحة والرخاء” Prosperity Gospel[1]. من أهمّ تعاليمه المضلّلة: الإيمان مادة ملموسة تُقاس مثل الكهرباء، الكلمة قوّة داخل الإنسان تخلق الأشياء إلى الوجود، المؤمن الحقيقي لا يمرض، المؤمن الحقيقي يزدهر ويغتني ولا وجود لمسيحيّ فقير، الإنسان إله صغير، …. ومن أقوالهم المهرطقة: “إنّ الله جعلنا في مرتبة الله والمؤمن هو مدعو المسيح” (كينيث هيغن) – “ليس فيكم الله، أنتم واحد” (كينيث كوبلاند)- “أنتم لستم بشرًا. أنتم آلهة صغيرة والإله الصغير لا يمرض ولا يمكن أن يكون فقيرًا” (كريفلو دولار).[2]
في كتابها وعلى موقع “إشفِ حياتك” Heal your life تنصح لويز هاي بالتفكير الإيجابي والإيحاء الذاتي والتنويم الذاتي وبقانون الجذب. تنصح مثلًا بترداد نوع من الإيحاءات الذاتية خلال النهار وخصوصًا قبل النوم تسمّيها “تأمّل محبة الذات” Self Love Meditation تقول فيها: “أنا أعامل نفسي كأنّي شخص محبوب جدًا، كلّ أنواع الأحداث تأتي وتذهب، وحدها محبّتي لذاتي هي الثابتة… إنّ محبتي لذاتي هي تقدير لمعجزة وجودي الشخصي…”. المحور الأساس عندهم هو الإنسان بما أنّه الإله المعبود. لا ذكر لله ولا للعناية الإلهية ولا لعمل الروح القدس. من المفيد هنا أن نقارن هذا التأمّل بقولٍ شهير للقديسة تريزيا الأفيلية لنميّز كيف أنّ الله هو محور حياة الإنسان المسيحي وهو فيها حجر الزاوية الأساس. تقول : “لا تدع شيئًا يقلقك، لا تدع شيئًا يخيفك، فكلّ شيء هو زائل وحده الله لا يتغيّر…”.
الإنسان عندهم كالمغناطيس وكاللاقط الهوائي يُرسل ويستقبل، بحسب أفكاره، ذبذبات إيجابية أو سلبية من الطاقة الكونية المزعومة. تقول “هاي”: “أنا منفتحة ومستقبلة لكلّ الخير والوفرة التي في الكون”I’m Open and receptive to all the good and abundance in the universe
لذلك تشدّد وتقول أيضًا: “أنا لا أركّز على المشاكل. أنا أركّز على فكري. عندها المشاكل تحلّ نفسها”
I do not fix problems. I fix my thinking. Then problems fix themselves
وتقول أيضًا: “أحبّوا بعضكم بعضًا لتكونوا بصحّة جيدة”، لأنّ للتفكير الإيجابي طاقة وتردّدات وذبذبات تشفي. الفكر الإيجابي يتجسّد مادّة ملموسة لذلك يمكن للإنسان أن يخلق عالماً جديدًا بأفكاره!
عندما أحبّت القديسة تريزا الطفل يسوع الربّ والقريب، أحبّت من كلّ قلبها وفكرها وكيانها، طاعةً للوصية الإلهية ولأنّ حبّ الله امتلكها. ولا أحد يجهل أنّ القديسة تريزيا انتقلت إلى الأخدار السماوية بعمر الرابعة والعشرين بسبب مرض السلّ. نتساءل كيف جذبت بفكرها مرضًا مميتاً وهي كانت متيّمة بالمسيح حتى أصبح فكرها من فكر المسيح؟!
كلّ هذه التعاليم وما شابهها والتي تتناقض مع الإيمان المسيحي، يتبنّاها، ويا للأسف، بعضُ الكهنة والعلمانيّون. كما بدأت تتسرّب في بعض الرعايا ونشاطاتها، وفي بعض الجامعات المسيحية التي تُنشىء إكليريكيين، من خلال الدورات النفسية الروحية وتقنيات التنمية البشريةSelf Development ودورات في Life coach على اعتبار أنها من العلوم النفسية الحديثة. فيتمّ مثلاً إستقدام منشّطين في علم النفس عبر الشخصيTranspersonal psychology وعلم النفس الإيجابيPositive psychology وعلم النفس المتكامل Integrative psychology وتقنيات نفسية بديلة[3]، يعوّل فيها على قدرات الإنسان النفسية والروحية الخفية الكامنة فيه واللامحدودة من أجل بلوغ كمال شخصي مفترض والتألّه الشخصي.
لا يمكن إدارة الحياة الروحية كأنّنا ندير شركةً تجارية. “إنّ الكنيسة لا ترسل في خدمة البشارة أجراء متخصّصين ولا تنظّم شبكة من الدعاية المهنية… بلْ ترسلُ تلاميذًا للمسيح… أبطالًا متواضعين يؤمنون بالروح القدس وبالمسيح وبكنيسة المسيح، ومستعدّين أن يبذلوا من أجلها حياتهم! (اف5/ 25)”
(القديس البابا بولس السادس، الرسالة الرابعة، النهار العالمي للصلاة من أجل الدعوات، 1967)
لمجد المسيح.
جيزل فرح طربيه – باحثة في البدع
[1] من أشهر مبشّري كلمة الايمان او إنجيل البحبوحة: كينيث هاغن، كينيث كوبلاند،غلوريا كوبلاند، فريدريك برايس، كريفلو دولار، بيني هين، ماريلين هيكي، جويل أوستين،…
[2] لمعرفة المزيد عن بدعة إنجيل البحبوحة مراجعة كتاب :”تمييز الارواح، تيار كلمة الايمان”، الاب أنطونيو الفغالي، ر.م.م.
[3] لمعرفة المزيد عن التقنيات النفسية البديلة مراجعة: كتاب حقيقة البدائل الطبية بحسب تعليم الكنيسة، جيزل فرح طربيه