“في آخر حياتنا، سنُحاسَب على الحبّ”: عبر ذكر القديس يوحنا للصليب، أجرى المونسنيور فرانشيسكو فولو (المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأونسكو في باريس) تأمّلاً حول تذكار الموتى، ونشر القسم الفرنسي من زينيت هذا التأمّل.
1 تذكّر موتانا كأساتذة في التعليم
إنّ القداسة ليست أمراً غير طبيعيّ، وليست فقط مسألة أخلاقيّة. إنّها المعيار، وهي ثمرة نِعمة الله في الإنسان البشريّ وفي الكنيسة. يجب ألّا ننسى أنّه إن كان القدّيسون نماذج وأساتذة في الحياة المسيحيّة، الموتى هم أيضاً كذلك.
وأيّ معنى قد نُعطيه لزيارة المقابر والصلاة على نيّة الموتى إن كنّا لا نؤمن بالقيامة ولا نُغذّي الإيمان لأجل قيامتنا وقيامة مَن هم غالين علينا وسبقونا في الحياة وفي الإيمان؟؟
كان الأب ماتزولاري يقول إنّ المقبرة قد تكون “أوّل كنيسة في القرية، وقد تكون مدرسة وداراً للعدل ومنزلاً للراحة. سيكون لله دائماً نبيّه، وسيكون للديانة كهنتها طالما هناك مقبرة في القرية، حتّى ولو لم تُدقّ الأجراس ولو لم تعد الكنيسة موجودة ولو أصبح الكاهن عاجزاً عن الكلام… إنّ الموتى هم أنبياء الله وملائكته. لذا، يصرخون إلينا: أيّها الإخوة، الحياة ليست هنا، بل في الأعلى”.
فلنتوجّه إذاً إلى المقابر. ليس لتذكّر الموتى كظلال، بل كأشخاص موجودين في حضرة الله، يُمكنهم أن يجعلونا نفهم كلمته، أي كلمة الآب الذي يستقبل الجميع.
2 الصلاة تُقدِّس
فلنُصلِّ لأمواتنا. يشير القدّيس أغسطينوس إلى أهمية الصلاة على نيّة الموتى قائلاً: “الدمعة التي تُذرَف لأجل الموتى تتبخّر، والزهرة على المقبرة تذبل، لكنّ الصلاة تصل مباشرة إلى قلب الله. فلننعم بالصفاء إذ لا نفقد أبداً مَن نحبّهم لأنّنا نستطيع أن نحبّهم في مَن لا يضيع ابداً”.
ولنتذكّر موتانا في القدّاس الإلهي لأنّ الموتى يتقدّسون كالأحياء عبر قرابين المذبح. وفي هذا السياق، كتب نيكولا كاباسيلاس: “لرتبة القدّاس الإلهي تأثير مزدوج: بداية، إنّها تقدّس عبر الشفاعة، فالقرابين تُقدّس من يقدّمها ومَن تُقدَّم لأجلهم، كما وتجعل الله رحوماً حيالهم. ثانياً، إنّها تُقدِّس عبر المناولة لأنّها طعام ومشرب حقيقيّ، بناء على كلمة الله. ومِن هذين التأثيرَين المُقدِّسَين، الأوّل معروف لدى الحياء والأموات لأنّ التقدمة تفيد الفئتَين، فيما الثاني يصلح فقط للأحياء لأنّ الموتى لا يمكنهم الأكل ولا الشرب! إذاً؟ لهذا السبب لن ينعم الموتى بهذا التقديس فيكونون أقلّ تميّزاً عن الأحياء؟؟ لا أبداً، لأنّ المسيح يصل إليهم بالطريقة التي يعرفها هو”. (مقتطفات من شرح الليتورجيا الإلهية، الفصل 42).