Pixabay - CC0 PD

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة

الجزء الثاني عشر

Share this Entry

استراتيجية العصر الجديد (3)

لا يوفّر أتباع العصر الجديد وسيلةً للتشكيك في شخص المسيح الإله، أقنوم الإبن المتجسّد، الإنسان الكامل والإله الكامل، بإيحاءٍ من المشتكي “الكذّاب أبو الكذب” “الذي اقتنصهم لإرادته”(2تم2/ 26). والذي سيكون مصيره حتماً “في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبيّ الكذّاب وسيعذّبون نهارًا وليلاً إلى أبد الآبدين!”(رؤ20/ 10)

ولا يتوارعون أيضًا عن التشكيك بالوحي الإلهي وبكلمة الله، فينسجون الأكاذيب ويختلقون قصصًا وأساطير من خيالاتهم المريضة الموسومة بفكر الشرّير.

التشكيك في الكتاب المقدّس. ” وللشرير قال الله: ما لكَ تحدّث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك؟”(مز50/ 16)

أولاً/ يتجرّأ أتباع العصر الجديد فيدّعون أنّ الكنيسة المقدّسة، حرّفت الأناجيل حوالي القرن السادس، فحذفت مثلًا الآيات التي تتكلّم عن عقيدة التقمّص والتي كان، بحسب زعمهم، المسيحييون الأوائل والآباء القدّيسون يؤمنون بها. هذه الإدّعاء كاذب، لأن ّكلّ مخطوطات العهد الجديد تؤكّد أصالة الأناجيل وعدم تحريفها. أضف أنّ لا أحد من الآباء القدّيسين على الإطلاق علّم عن التقمّص، بمن فيهم أوريجنس الذي تكلّم عن “الوجود المسبق للأرواح” وليس عن التقمّص، فأدانته الكنيسة على هذا التعليم في المجمع المسكوني الخامس سنة 552.

ثانيًا/ يستشهدون مرارًا بآيات من الكتاب المقدّس، مثلهم مثل سائر البدع، فيقتطعون ويحرّفون بحسب مزاجهم ولخدمة مصالحهم، من أجل أن يروّجوا لتعاليمهم المضلّلة عن الحلولية والتقمّص والخفائية وغيرها. وفي الوقت نفسه يشكّكون بالوحي الإلهي ويدّعون أنّ في الكتاب المقدس الكثير من الأخطاء.

مثلاً يعتبر F. Aster Barnwell في كتابه: “معنى المسيح في زمننا”The Meaning of Christ for our Age  أنّ الكتاب المقدّس هو مجموعة من الميتولوجيا والأساطير المليئة بالأخطاء والتناقضات، لذلك ينصح من أجل فهمه ولكي نتعرّف على يسوع، أن نستعين بعلم النفس. ويقول أنّ كلّ الأحداث الواردة في الإناجيل مثل الولادة من العذراء مريم، صلب وموت وقيامة المسيح، هي من الميتولوجيا المستوحاة من تعاليم الشرق الأقصى! ويدعونا لتخطّي المعاني الخارجية من أجل فهم المعاني الخفية و اكتشاف أنّ يسوع ليس هو الطريق الوحيد للخلاص!

كذلك يهاجم جون بينيتJhon Bennett  في كتابه:” معلّمو الحكمة”The Masters of Wisdom  الإنجيليين الأربعة ويعتبر أنّهم استوحوا كتاباتهم من الحكماء الآلهة والأرواح المرشدة!  وينتقد بنجامين كريمBenjamin Crème  هو الآخر، كتابات الرسول بولس ويقول أنها مليئة بالأخطاء.و يعيد البعض منهم تفسير الكتاب المقدس بحسب أهوائهم مثل جون رندولف برايسJhon Randolph Price وغيره الكثيرون.

ثالثًا/ يروّجون للأناجيل المنحولة أو الأبوكريفية Apocrypha التي لم تُدخلها الكنيسة في قانونية الكتاب المقدّس ومن بينها الكتابات الغنّوصية مثل إنجيل يهوذا وإنجيل توما. وقد اكتُشف أغلبها من ضمن مخطوطات نجع حمادي في صعيد مصر سنة 1945 وهي تعود إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين. تتكلّم عن تعاليم مزعومة للمسيح في التقمّص والكارما والألوهة الذاتية وغيرها. كما يروّجون لكتب أخرى أوحت بها أرواح وملائكة (ساقطة) مثلما أوحت إلى قادة بدع المورمونMormons و العلم المسيحيChristian Science والسيونتولوجيScientology  وغيرهم.

إذن يسعى أتباع العصر الجديد بكلّ الوسائل، إلى التشكيك بالوحي الإلهي لزعزعة إيمان الكنيسة الجامعة. يقول الرسول بولس لتلميذه تيموتاوس: “كلّ الكتاب هو موحى به من الله، وهو نافعٌ للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي للبرّ” (2تم3/ 16). وفي التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية تعليم حول الوحي الكتابي يوضح أنّ الله هو واضع الكتاب المقدّس وأنّ الروح القدس هو مفسّره الوحيد. (بنود 105 إلى114)

رابعًا/ بخصوص المواهب الروحية التي تكلّم عنها الرسول بولس مثل ما ورد في اكو12 وأف4 ، فهي بحسب ادّعائهم ليست عطية من الروح القدس لبعض المؤمنين “لأجل تكميل القدّيسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح”(أف4/ 12). بل هي قوى فائقة للطبيعة متاحة للجميع ولغير المسيحيين على السواء وهي من ضمن ما يسموّنه الإدراك ما فوق الحسيّ Perception extra sensorielle .(غير المثبتة علميًا). فباستطاعة الكلّ، بحسب رأيهم، أن يكونوا معلّمين وأنبياء وشفاة وصانعي عجائب متى تواصلوا مع عالم الأرواح (الساقطة) بواسطة الكتابة الأوتوماتيكيةEcriture automatique  والوساطة الروحيةMediumnité spirituelle  والتأمّلMeditation  والتنويمHypnose  والسفر الأثيريVoyage astral  وما شابه. هذا ما يتعلّمه مثلاً تابع العصر الجديد في كتاب: “دورة دراسية في المعجزات”  A Course in Miracles للكاتبة هيلين شوكمين Helene Schucman التي تدّعي أنّ يسوع المسيح نفسه قد أملاه عليها بالوحي. روّجت له فيما بعد و بقوّة الكاتبة ماريان ويليامسونMarianne Williamson   من خلال برنامج أوبرا وينفري Oprah Winfrey المقدّمة التلفزيونية والممثّلة الشهيرة التابعة للعصر الجديد.

 يعتبرون إذن هذه المواهب وسيلةً من أجل التفوّق الشخصي والتألّه الذاتي وليس لبناء الكنيسة وخير البشر كما ترى الكنيسة المقدّسة في تعليمها الرسمي. كما يعتبرون أنّ صنع العجائب هو أمر طبيعي وأنّه إذا فشل شخص في اجتراحها، فهذا يعني أنّ هناك خللًا ما في نموّه الروحي. في الحقيقة إنّ المواهب الروحية نِعمٌ من الروح القدس، لبناء جسد المسيح أيّ الكنيسة، بحسب فضيلة المحبة، المقياس الحقيقي لهذه المواهب، وهي بحاجة إلى التمييز بالرجوع إلى رُعاة الكنيسة والخضوع لهم. (أنظر إلى المواهب اللدنية: بنود799 الى 801 من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية)

إنّ القيام بالمعجزات ليس مصدره بالضرورة إلهي، لأنّ بمقدور الشيطان هو أيضًا، أن يقوم بمعجزات وآيات ويعطي أتباعه كذلك قدرات خفائية (مت24/ 24)، وهي ليست معياراً أساسياً للقداسة بل مغبوط كلّ من يعمل بمشيئة الله. يقول الرب: ” ليس كلّ من يقول لي: يا ربّ يا ربّ! يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات.كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا ربّ يا ربّ! أليس باسمك تنبّأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوّاتٍ كثيرة؟ فحينئذٍ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط! إذهبوا عني يا فاعلي الإثم!”(مت7/ 21-23)

خامسًا/ يسعون أيضًا بحسب مخطّطاتهم الدنيئة، إلى إعادة كتابة الكتاب المقدّس وتحديثه بشكلٍ يُصبح فيه بحسب ادّعائهم، أكثر ملاءمةً لزمننا الحاضر. من خلال إبتداع كتاب مقدّس حديث مكتوب للجنسيْن unisex، بتشجيعٍ من الجماعات النسوية feminist وبعض رجال الدين المتحرّرين. مثلاً باستبدال بعض الكلمات مثل “السيد” و”الملك” ب “ذات السيادة”، أو باستبدال كلمة “الإبن” التي تدلّ على يسوع ابن الله، ب كلمة “ولد” أو “طفل”، أو باستبدال كلمة “الله” ب ” أبانا وأمّنا” والضمير “هي”. محاولةً منهم لتهميش ألوهية الرب يسوع ولإحياء عبادة بابلية للإلهة الأم وللترويج ل”الخنثية”Androgyne  ونظرية النوع أو الجندرTheory of Gender  التي تقول بوجود مبدأيْ المذكّر والمؤنث في الشخص الواحد.

سادسًا/ يروّجون أنّ في الكتاب المقدس تعاليم مبطّنة يمكن فهمها عبر فكّ شيفرةٍ إلهية خفيّة بواسطة علوم “الكابالا”Kabala وهو تيّارٌ غنوصي يهودي من القرن الثالث عشر، يستعين بعلم الأرقامNumérologie   ويعتبر الأبجدية العبرية لغةً إلهية كُتبت بها الأسفار اليهودية ويمكن من خلالها معرفة طرق خفية لكشف أسرار التألّه والإتحاد بالله. كما يأمل أتباع العصر الجديد بإعادة تفسير الكتاب المقدّس على ضوء صوفية الشرق الأقصى، لذلك تنشط دورُ نشرهم بإصدار تفاسيرَ جديدة. مثلاً يقترح الكاتب بيتر دي كوبنزPeter De Coppens  أن ينشئ المسيحيون الذين يمارسون اليوغا “أخوّةً كونية”Cosmic Brotherhood  تضمّ كلّ البشر، لأنّه يرى من الأهمية الكبرى أن تُدمجَ المسيحية التقليدية ب صوفية الشرق الأقصى والعلوم الباطنية، الخفائية، علم النفس غير الكلاسيكي، التيوزوفيا، الأنتروبوزوفيا، الوردة الصليب، الخيمياء، البارابسيكولوجيا، السحر والعرافة!  ولا عجب في ذلك بما أنهم يؤمنون أن للديانات جذورًا مشتركة وهي طرق مختلفة تؤدي جميعها إلى الخلاص والتألّه الشخصي.

لمجد المسيح.

(يتبع)

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير