أنتَ لم تعدْ تفرح بالعيد الآتي، عيد ميلاد ربّ المجد يسوع المسيح، لأنّك بكلّ بساطة توقّفتَ عن الإندهاش!
لقد كبرْتَ وفقدتَ بساطتك و”ولْدَنتكَ” الأولى.
لقد “تركْتَ محبتك الأولى” (رؤ2/ 4) فأحزنتَ روح الله القدّوس الذي به خُتِمتَ ليوم الفداء (أف4/ 30). أصبحتَ، ويا للأسف، دميةً جميلةً محشوةً بالحضارة الرقمية، طاووساً ملوّناً منفوخاً بعمليّات التجميل،
حاسوباً مبرمجاً للإستهلاك والعقلنة والتحليل!
لقد فقدْتَ بهجةَ العيد. شجرةُ الميلاد، الزينةُ والألوان وحتى الهدايا، لم تعدْ تعني لكَ شيئاً.
دخلْتَ في الرتابة، في اللامبالاة، خدّرتْكَ الرفاهية، إستهلكتْكَ اللذةُ الآنيّة السريعة والموجعة!
كلّ الألوان صارت باهتة في عينيك، قلبك توقّف عن خفقان الإنتظار… تسطّحتْ توقّعاتك وتشقّقتْ تطلّعاتُك كأرضٍ صحراوية. توقّفتْ حواسُك عن تذوّق حلوَ المناسبة. لم تعدْ تشتمّ رائحة القشّ في المغارة، لم تعد تصغي لأجراس الكنائس تقرع، والترانيم الميلادية لم تعد تسمع. لم تعد عيناك تتأمّلان بفرح الأضواء في طرقات المدينة. كلّ شيء عندك أصبح يشبه كلّ شيء إلّا العيد.
سنة بعد سنة، أنت تكبر والعيد يصغر. لقد فقدْتَ الفرح لأنك لستَ على موعد. فرغت مفكّرتك من المواعيد وشختَ لأنّك بكلّ بساطة لم تعد طفلاً وتوقّفتَ عن الإندهاش! لقد اكتشفتَ أنّ بابا نويل هو القديس نيقولاوس وهو لا ينزل من المدفأة. أضعْتَ الطفل يسوع في عجقة مشغوليات الكبار وطوتْه ذاكرتُك في صفحات إنجيلك المنسيّ على الرفّ المملوء غباراً! هجرك الفرح وفقدْتَ سلامك!
إنْ لم تولدْ من فوق…
“إنْ كان أحد لا يولد من فوق لا يقدِر أن يرى ملكوت الله!” (يو3/3). إنْ لم تولدْ من جديد من فوق بالماء والروح، بدموع التوبة القلبيّة ونعمة الروح القدس، لن تعود طفلاً وتعاين الملكوت. أنتَ تعود طفلاً بالركوع، بالرعدة والخشوع أمام هذا السرّ العظيم الذي سبقَ وأنبأ عنه أشعيا: “الشعبُ السالكُ في الظلمة أبصرَ نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرقَ عليهم نور…”
“لأنّه يولدُ لنا ولدٌ ونُعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام !” (أش9/ 2 و6)
لذلك عُدْ إلى الطفولة الروحية واترك نفسك في حالة اندهاشٍ متواصل. بالتوبة القلبية المستديمة تعود إلى الطفولة الروحيّة لتستعيد حواسك السماوية. فتتأمّل مغارة الميلاد والأشخاص فيها كأنك تراهم للمرة الأولى. وتبقى حيث تجتمع العائلة لتتّحد معهم بالصلاة. حيث الجدّ والجدّة، الأب والأم، الأولاد والأحفاد وعجقة المائدة وطنين الصحون وتضارب الأنخاب. ستشارك بقدّاس منتصف الليل احتفالاً بميلاد ربّ السماء. “الكلمة الذي صار بشرًا وحلّ بيننا” (يو1/14). وأنت تخرج من الكنيسة تتأمّل النجوم في السماء لترى نجمة المجوس الآتية من الشرق.
هذه هي العلامة: “تجد طفلًا مقمّطاً مُضجعاً في مذود!” (لو2/ 12)
الطفل هو يسوع والمذود هو… قلبُكَ !
“المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر!”
الأرض والسماء في فرح عظيم!
حقاً إنّ كلّ شيء يدعو للدهشة!
كيف إنّ بتولاً تحبل وتلدُ طفلاً؟
كيف ربّ السماء، من لحمٍ ودم أخذَ جسمًا؟
كيف خالق الأكوان والمسكونة يسعُه مذود؟
وهل الله أصابه الجنون أن يتّضع من أجل الإنسان، حبًا وعشقًا؟
هل الله فقد صوابه فافتقر… ليُغنينا؟
تجسّد ومات وقام… ليُحيينا؟
أنتَ كالطفل تندهش وتفرح بميلاد ابن الله.
اليوم، الآن، اتركْ نفسك للدهشة وتلذّذ بقُدْسيّة الزمان.
تولد الدهشة عندما يولد المسيح في مغارة قلبك!
هلّل هلّل هلّلويا ! الله تجلّى!
يا فرحي! ولد المسيح هللويا!