Veillée pascale 2019 @ Vatican Media

البابا: فلنُعطِ للرب الحيّ المكانة المركزيّة في حياتنا

النصّ الكامل لعظة البابا خلال سهرة عيد الفصح

Share this Entry

مساء السبت 20 نيسان 2019، ترأس البابا فرنسيس سهرة عيد الفصح، ومنح أسرار المعموديّة والتثبيت والمناولة الأولى لثمانية أشخاص (5 إناث و3 ذكور).

Veillée pascale 2019, baptême d'une jeune Indonésienne @ Vatican Media

Veillée pascale 2019, baptême d’une jeune Indonésienne @ Vatican Media

وفي ما يلي، نصّ العظة التي ألقاها.

1. أتتِ النسوة بالطبيب إلى القبر، لكنهن كنّ يخشين أن يكون مجيئهنّ بلا الفائدة، لأن حجرًا كبيرًا كان يُغلق مدخل القبر. إن مسيرة تلك النسوة هي مسيرتنا أيضًا؛ وهي تشبه درب الخلاص، التي عبرناها مجدّدًا هذه الليلة. وفيها يبدو كلّ شيء وكأنه يسير نحو الاصطدام بالحجر والتحطم: جمال الخليقة يصطدم بمأساة الخطيئة؛ والتحرير من العبودية بخيانة العهد مع الله؛ ووعود الأنبياء بعدم مبالاة الشعب المخزية. كذلك الأمر في تاريخ الكنيسة وفي تاريخ كلّ واحد منّا: يبدو أن الخطوات التي قمنا بها لا تبلغ بنا مطلقًا إلى الهدف. هكذا يمكن أن تندس فكرة إحباط الرجاء وكأنها القاعدة المعتمة للحياة.

لكننا نكتشف اليوم أن مسيرتنا ليس عبثًا، وأنها لا تصطدم بحجر القبر. إن عبارة قد هزّتْ النسوةَ وغيّرت التاريخ: “لِماذا تَبحَثنَ عن الحَيِّ بَينَ الأَموات؟” (لو 24، 5)؛ لماذا تعتقدون أن كلّ شيء بلا فائدة، وأنه لا يمكن لأحد أن يزيل أحجاركم؟ لماذا تستسلمون للخضوع والفشل؟ إن الفصح، إخوتي وأخواتي، هو عيد إزالة الحجارة. يزيل الله أصعب الحجارة، التي تتحطم عليها الآمال والتطلّعات: الموت، والخطيئة، والخوف، والدنيوية. لا ينتهي تاريخ البشرية أمام حجر القبر، لأنه يكتشف اليوم “الحجر الحيّ” (را. 1 بط 2- 4): يسوع القائم من بين الأموات. نحن ككنيسة قد تأسّسنا عليه، وبالتالي حتى عندما نفقد شجاعتنا، عندما نميل إلى الحكم على كلّ شيء وفق إخفاقاتنا، يأتي هو ليجعل كل الأمور جديدة، ليقلب خيبات أملنا رأسًا على عقب. كلّ منّا مدعوّ هذا المساء لأن يجد مجددًا في المسيح الحيّ الشخصَ الذي يزيل عن قلوبنا أثقل الحجارة. لنسأل أنفسنا أوّلًا: ما هو حجري الذي يجب إزالته، ما اسم هذا الحجر؟

إن الحجر الذي غالبًا ما يعوق رجائنا هو حجر الشكّ. عندما نفسح المجال لفكرة أن كلّ شيء يسير بشكل سيّء، وأن الوضع لن يتحسَّن على الإطلاق، ونتوصّل باستسلامنا إلى الاعتقاد أنّ الموت أقوى من الحياة ونصبح متهكّمين وساخرين، يسكننا إحباط سقيم. فنبني في داخلنا، واضعين حجرًا على حجر، نصبًا لعدم الرضا، وقبرًا للرجاء. إذ نتذمر على الحياة، فإننا نشيّد حياتنا فوق الشكاوى وتَمرض روحيًّا. ويتسلّل بهذه الطريقة نوع من سيكولوجية القبر: كلّ شيء ينتهي هناك، دون أيّ رجاء بالخروج منه حيّ. هنا يكمن السؤال اللاذع لعيد الفصح: لماذا تبحثون عن الحيّ بين الأموات؟ إن الربّ لا يسكن في الخنوع. لقد قام وليس هناك. لا تبحث عنه حيث لن تجده أبدًا: إنه ليس إله الأموات، بل إله الأحياء (را. متى 22، 32). لا تدفن الرجاء!

هناك حجر ثانٍ غالبًا ما يغلق القلب: حجر الخطيئة. الخطيئة تغري، وتَعِد بأمور سهلة وجاهزة، بالرفاهية والنجاح، ولكنها لا تترك في داخلنا سوى الوحدة والموت. الخطيئة هي البحث عن الحياة بين الأموات، وعن معنى الحياة في الأمور الزائلة. لماذا تبحثون عن الحيّ بين الأموات؟ لماذا لا تقرّر أن تترك تلك الخطيئة التي، كحجر على مدخل القلب، تمنع دخول النور الإلهي؟ لماذا لا تفضّل يسوع، النور الحقيقي (را. يو 1، 9)، على الأضواء المتلألئة للمال، والحياة المهنية، والتفاخر واللذة؟ لماذا لا تقول للأمور الدنيوية إنك لا تعيش من أجله بل من أجل ربّ الحياة؟

2. لنَعُد إلى النسوة اللواتي ذهبن إلى قبر يسوع. لقد وقفنَ مذهولات إزاء الحجر المدحرج؛ يقول الإنجيل إنهن “خِفنَ” عند رؤية الملائكة “ونَكَسْنَ وُجوهَهُنَّ نَحوَ الأَرض” (لو 24، 5). لم يتحلّينَ بالشجاعة لرفعِ نظرهنّ. كم من مرّة يحدث لنا هذا الأمر: نفضّل البقاء جاثمين في محدوديتنا، ومختبئين في مخاوفنا. أمر غريب: لكن لماذا نفعل ذلك؟ لأننا غالبًا ما نكون نحن الروّاد في انغلاقنا وحزننا، لأنه من الأسهل أن نبقى وحدنا في غرف قلبنا المظلمة بدلاً من أن ننفتح على الرب. ومع ذلك فهو الوحيد الذي ينهضنا. كتبت الشاعرة: “نحن لا نعرف أبدًا طول قامتنا، ما لم نُدعَى للنهوض” (إ. ديكنسون، لا نعرف أبدًا مدى سمونا). الربّ يدعونا للنهوض، وللقيام مجدّدًا بناء على كلمته، ولرفع نظرنا إلى أعلى وللإيمان بأننا خُلقنا للسماء، وليس للأرض؛ خلقنا من أجل عظمة الحياة، وليس من أجل وضاعة الموت: لماذا تبحثون عن الحيّ بين الأموات؟

الله يطلب منّا أن ننظر إلى الحياة كما ينظر إليها هو، الذي يرى دائما في كل واحد منا نواة جمالٍ لا يمكن إزالته. يرى في الخطيئة، أبناءً يجب إنهاضهم؛ وفي الموت، إخوةً يجب إحياءهم؛ وفي الأسى، قلوبًا يجب تعزيتهم. لا تخف، إذًا: الربّ يحبّ حياتك هذه، حتى عندما تخاف من النظر إليها والإمساك بها. في عيد الفصح يُظهِر لك، كم هو يحبّها: لدرجة أنه قد عبرها بالكامل، وجرب الحزن والتخلّي والموت والجحيم كي يخرج منها منتصرًا ويقول لك: “أنت لست وحدك، ثق بي!”. يسوع اختصاصيٌّ في تحويل موتنا إلى حياة، وعويلنا إلى رقص (را. مز 30، 12): يمكننا معه أن نعيش نحن أيضًا الفصح، أي العبور: العبور من الانغلاق إلى الشركة، ومن اليأس إلى التعزية، ومن الخوف إلى الثقة. لا نبقينّ شاخصين بالأرض خائفين، بل لننظر إلى يسوع القائم: نظرته تبثّ فينا الرجاء، لأنها تُعلِمُنا بأننا محبوبون على الدوام وأنه على الرغم من كل ما يمكننا أن نصنع، فإن محبته لنا لا تتغيّر. هذا هو اليقين غير القابل للتفاوض في الحياة: إن محبته لا تتغيّر. لنسأل أنفسنا: إلى أين أنظر في الحياة؟ هل أتأمّل في “محيط القبور” أم أنني أبحث عن الحيّ؟

3. لماذا تبحثن عن الحيّ بين الأموات؟ تسمع النساء قول الملائكة الذين يضيفون: “أُذكُرنَ كَيفَ كَلَّمَكُنَّ إِذ كانَ لا يَزالُ في الجَليل” (لو 24، 6). تلك النسوة نسيّنَ الرجاء لأنهنّ لم يتذكّرن كلام يسوع ودعوته في الجليل. بعد أن فقدن الذاكرة الحيّة ليسوع، بقين ينظرن إلى القبر. إن الإيمان يحتاج للعودة إلى الجليل، لإنعاش الحبّ الأوّل مع يسوع، وإحياء دعوته: يحتاج إلى “إعادة ذكراه” (ri-cordarlo باللغة الإيطالية)، وهذا يعني حرفيًّا “العودة في قوبنا إليه”. العودة إلى الحبّ الحيّ مع الربّ هو أمر ضروري، وإلّا فإيماننا هو إيمان “متاحف”، وليس إيمانًا فصحيًّا. فيسوع ليس شخصًا من الماضي، إنه شخص يحيا اليوم؛ لا نلتقي به في كتب التاريخ، إنما نلتقي به في الحياة. لنتذكر اليوم عندما دعانا يسوع، عندما انتصر على ظلامنا، ومقاومتنا، وخطايانا، وكيف لمس قلوبنا بكلمته.

إيها الإخوة والأخوات، دعونا نعود إلى الجليل.

تذكرت النسوةُ يسوع فتركنَ القبر. يعلّمنا عيد الفصح أنّ المؤمن يتوقّف قليلًا عند القبر، لأنه مدعو إلى السير باتّجاه الحيّ. لنسأل أنفسنا: في حياتي، في أيّ اتّجاه أسير؟ إننا نسير في بعض الأحيان دومًا وفقط باتّجاه مشاكلنا، التي لا تنقص أبدًا، ونذهب إلى الرب فقط كي يساعدنا. ولكن احتياجاتنا هي التي توجهنا حينها وليس يسوع. وبالتالي فهو على الدوام بحث عن الحيّ بين الأموات. كم من مرّة، بعد اللقاء بالربّ، نعود بين الأموات، ونتجوّل في داخلنا ونغرق في التحسر والندم والجروح والاستياء، دون أن نسمح للرب القائم من الموت بأن يحوّلنا. أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لنعطِ للرب الحيَّ المكانة المركزية في حياتنا. ولنطلب نعمة عدم الانجراف بالتيار، وببحر المشاكل؛ وعدم التحطم أمام حجارة الخطيئة وصخور الشكّ والخوف. لنبحث عنه، ولندعه يبحث هو عنا، لنبحث عنه في كلّ شيء وقبل كلّ شيء. ومعه سوف نقوم مجدّدًا.

***********

©جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019


© Copyright – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير