أيها الإخوة الأعزاء، فصحًا مجيدًا!
تجدّد اليومَ الكنيسةُ إعلان التلاميذ الأوائل: “قام يسوع!” ومن فمٍ لآخر، ومن قلب لآخر، يتردّد صدى الدعوة إلى التسبيح: “هللويا! … هللويا!”. في صباح عيد الفصح هذا، الذي هو الشباب الدائم للكنيسة وللبشرية جمعاء، أودّ أن أنقل لكلّ واحد منكم أولى كلمات الإرشاد الرسولي الأخير المكرّس بشكل خاص للشبيبة:
“إن المسيح يحيا. هو رجاؤنا، وهو الشابّ الأجمل في هذا العالم. وكلّ شيء يلمسه يصبح شابًّا، ويصبح جديدًا، ويمتلئ بالحياة. بالتالي، إن أوّل كلمات أودّ أن أوجّهها لكلّ الشبيبة المسيحيّين هي: إنّه حيّ ويريدك أن تكون حيًّا! إنه فيك ومعك ولن يتركك أبدًا. ومهما ذهبت بعيدًا، إنه هناك بجانبك، هو القائم من الموت، يدعوك وينتظرك كي تعود إليه وتبدأ من جديد. عندما تشعر بأنك تشيخ من الحزن والاستياء والمخاوف والشكوك أو الفشل، سوف يكون معك كي يعطيك القوّة والرجاء” (المسيح يحيا، 1- 2).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن هذه الرسالة موجّهة في الوقت نفسه إلى كلّ شخص وإلى العالم. فقيامة المسيح هي بداية حياة جديدة لكلّ رجل وكلّ امرأة، لأن التجديد الحقيقي يبدأ دائمًا من القلب، من الوجدان. لكن عيد الفصح هو أيضًا بداية العالم الجديد، الذي حُرِّر من عبودية الخطيئة والموت: العالم الذي ينفتح أخيرًا على ملكوت الله، ملكوت المحبّة والسلام والأخوّة.
المسيح يحيا ويبقى معنا. وهو يُظهر نور وجهه “القائم من الموت” ولا يتخلّى عن الذين يجتازون المحن، والألم والحزن. ليكن، هو الحيّ، رجاءَ الشعب السوري الحبيب، ضحيّة صراع مستمرّ قد يجعلنا نستسلم أكثر فأكثر أو أن نكون حتى غير مبالين. لكن الوقت قد حان لتجديد الالتزام بحلّ سياسي يلبّي التطلّعات المشروعة إلى الحرّية والسلام والعدالة، ويواجه الأزمة الإنسانية، ويشجّع على العودة الآمنة للنازحين، فضلا عن الذين لجأوا إلى البلدان المجاورة، وخاصة إلى لبنان والأردن.
ليحملنا عيد الفصح إلى توجيه أنظارنا إلى الشرق الأوسط، الممزّق بالانقسامات والتوتّرات المستمرّة. ليستمر مسيحيو هذه المنطقة في تقديم الشهادة، بمثابرة صبورة، للربّ القائم من الموت ولانتصار الحياة على الموت. أوجّه فكري بنوع خاصّ إلى الشعب اليمني، ولا سيما الأطفال، المنهكين من الجوع والحرب. ليضيء نور عيد الفصح جميعَ مسؤولي وشعوب الشرق الأوسط، بدءًا من الإسرائيليين والفلسطينيين، وليحثّهم على تخفيف الكثير من المعاناة والسعي إلى مستقبل من السلام والاستقرار.
لتتوقّف الأسلحة عن هدر الدماء في ليبيا، حيث عاد الموت ليخطف أشخاصًا عُزّلا في الأسابيع الأخيرة، وحيث أجبر العديد من الأسر على مغادرة منازلهم. أحثّ الأطراف المعنيّة على اختيار الحوار بدلاً من إخضاع الآخر، تفاديا لإعادة فتح جراح عقدٍ من الصراع وعدم الاستقرار السياسي.
ليهب المسيحُ الحيُّ السلامَ لقارّة إفريقيا المحبوبة بأسرها، حيث لا تزال تنتشر التوتّرات الاجتماعية والصراعات وأحيانًا التطرّف العنيف الذي يخلّف انعدام الأمن والدمار والموت، ولا سيما في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا والكاميرون. كما يتوجه فكري أيضًا إلى السودان الذي يمرّ بفترة من الغموض السياسي، وحيث أتمنى أن يُسمع صوت كل الأطراف، وأن يعمل الجميع كي يجد هذا البلد الحرية والنمو والرخاء، التي يطمح إليها منذ زمن بعيد.
ليرافق الربّ القائم من الموت الجهودَ التي بذلتها السلطات المدنيّة والدينيّة في جنوب السودان، والتي تدعمها ثمار الخلوة الروحيّة التي عُقدت قبل بضعة أيام هنا في الفاتيكان. لتتمكن البلاد من فتح صفحة جديدة في تاريخها، تلتزم فيها بفاعلية كلّ العناصر السياسية والاجتماعية والدينية من أجل الصالح العام ومصالحة الأمّة.
وعسى أن يجد العزاءَ، في عيد الفصح هذا، شعوب المناطق الشرقية في أوكرانيا، التي لا تزال تعاني من الصراع المستمرّ. وليشجّع الربّ المبادرات الإنسانية وتلك التي تهدف إلى تحقيق سلام دائم.
ليملأ فرح القيامة قلوبَ الذين، في القارة الأمريكية، يعانون من عواقب المواقف السياسية والاقتصادية الصعبة. أفكّر بشكل خاصّ في الشعب الفنزويلي: في الكثير من الأشخاص المحرومين من أدنى الشروط الأساسيّة التي تسمح بعيش حياة كريمة وآمنة، بسبب الأزمة التي تستمرّ وتشتدّ. ليعطِ الربّ المسؤولينَ السياسيين أن يجتهدوا من أجل وضع حدّ للظلم الاجتماعي، والانتهاكات، والعنف، واتّخاذ خطوات ملموسة تمكّن الشعب من معالجة الانقسامات وتقديم المساعدة التي يحتاجها السكان.
لينِر الربّ القائم من الموت الجهودَ التي تُبذل في نيكاراغوا لإيجاد حلّ سلميّ وتفاوضيّ، في أقرب وقت ممكن، لصالح جميع سكّان نيكاراغوا.
إزاء الكثير من المعاناة في عصرنا، نتمنى ألّا يجدنا الربّ فاترين وغير مبالين. بل ليجعل منّا بناةَ جسور، لا جدران. وليُوقِف الرب، الذي يعطينا سلامه، دوي الأسلحة، أكان في مسارح الحرب أم في مدننا، وليُلهِم قادة الأمم على العمل على إنهاء سباق التسلّح وانتشار الأسلحة المقلق، لا سيما في أكثر البلدان تقدّمًا اقتصاديًّا. وليفتح القائمُ من الموت، الذي فتح أبواب القبر، قلوبَنا على احتياجات المعوزين، والعُزّل، والفقراء، والعاطلين عن العمل، والمهمّشين، وأولئك الذين يطرقون بابنا بحثًا عن الخبز والملجأ والاعتراف بكرامتهم.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، المسيح يحيا! إنه رجاء وشباب كلّ منّا والعالم بأسره. لنسمح له بأن يجدّدنا! عيد فصح مجيد!
***********
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء ،
لقد علِمت ببالغ الحزن والأسى نبأ الهجمات الخطيرة التي تسببت، اليوم، يوم عيد الفصح، بالحداد والألم في بعض الكنائس وأماكن اللقاء الأخرى في سري لانكا. أودّ أن أعرب عن قربي الودود من المجتمع المسيحي، الذي صُدم أثناء تجمعه للصلاة، ومن جميع ضحايا هذا العنف الوحشي. أعهد إلى الرب بالأشخاص الذين غادرونا بشكل مأساوي ونصلّي من أجل الجرحى وجميع الذين يعانون بسبب هذا الحدث المأساوي.
أجدّد تمنياتي بعيد فصح مجيد لكم جميعًا، من إيطاليا ومن مختلف البلدان، وكذلك للذين انضموا إلينا عبر التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام الأخرى. وفي هذا الصدد، أودّ أن أذكّر أنه منذ سبعين عامًا، في عيد الفصح عام 1949، تحدّث البابا لأوّل مرّة عبر شاشات التلفزيون. خاطب المكرّم بيوس الثاني عشر مشاهدي التلفزيون الفرنسي، مشددًا على كيف يمكن لنَظَر خليفة بطرس أن يلتقي بنَظَر المؤمنين أيضًا من خلال وسائل الاتّصال الجديدة. وتتيح لي هذه المناسبة الفرصة لتشجيع المجتمعات المسيحية على استخدام جميع الأدوات التي تتيحها التقنية لإعلان بشرى قيامة المسيح، للتواصل، وليس فقط للاتصال بالآخرين.
ولا تنسوا أن تصلوا من أجلي. غداء هنيئا، وإلى اللقاء!
©جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana