كان يعتقد يونغ أنّ كلّ الديانات هي مجرّد أساطير. وأنّ سرّ الحياة يكمن في قلب صوفية جميع الديانات. فيها يسافر الإنسان من أجل إيجاد أناه الحقيقية المتماثلة مع الإله. ولا عجب من هذا الفكر المنحرف عند يونغ، إذ كانت علاقته بالمسيح علاقة مشوّشة.
“إنّ يسوع، ماني، بوذا ولاوتسي، هم جميعهم عواميد الروح ولا يُفضَل أحدهم على الآخر”[1]
الرب يسوع بالنسبة له ليس هو الله، أقنوم الإبن، أحد الثالوث القدوس المساوي لله الآب في الجوهر بحسب الإيمان المسيحي، بل هو إنسان مستنير كما تُفهم الإستنارة في العلوم الباطنية. إذ لا إله شخصي عندهم، بل ألوهة لاشخصية إنطلاقًا من منظور الحلوليةPantheisme[2] التي لا تميّز بين طبيعة الخالق والطبيعة المخلوقة. يرون الإنسان قبْسًا من نور وجزءًا من الألوهة. هذه الحلولية طوّرها العصر الجديد فيما بعد وعبّر عنها ضمن مفهوم جديد سمّاه “الكُليانية”Holisme . يرى من خلاله، أنّ الإنسانية جزءٌ من شبكة شاملة للطبيعة والعالم، كلّ عنصرٍ فيها متناغم مع العناصر الأخرى. ومن الكُليانية انبثقت فرضية عبادة الأرض “غايا” التي هي أساساً مقتبسة عن عبادة وثنية قديمة.
نقرأ في وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحيّ”، في الفصل السابع، وهو ملحقٌ يتضمّن بعض صيغ قصيرة لأفكار العصر الجديد ومعجماً مختاراً لبعض أهمّ مصطلحاته وأسماء بعض مراكزه المشهورة،
“إنّ يونغ، أحد تلامذة فرويد القدماء أسّس ما يسمّى ب علم نفس الأعماق Psychologie du profond وكان يعترف أنّ الدين والمسائل الروحية هي ذات تأثيرٍ كبير على رفاهية الأفراد وصحّتهم. ترتكز طريقته خصوصًا على تفسير الأحلام وتحليل النماذج المثالية أو الأصليةArchétypes وهي أشكال تنتمي إلى البنية الوراثية للنفسانية الإنسانية وتظهر في الدوافع المتواترةMotifs récurrents أو في صور الأحلام وأحلام اليقظة والأساطير وقصص الجنّيات”(!)
إذاً من أجل فهم النفس الإنسانية، حاول يونغ تفسير الأحلام التي تعكس برأيه ليس فقط اللاوعي الشخصي بل اللاوعي الجماعي أيضًا.
كان يعتقد في “اللاوعي الجماعي” أي اللاوعي الكوني للإنسانية وهو برأيه، مجموع الفكر الإنساني من بداية تطوّره ومجموع كلّ التجارب الكونية في كلّ الأزمنة. هذا الإعتقاد مهّد لدى أتباع العصر الجديد لما يسمّونه بالذاكرة الكونية أو شيفرة الكون أو سجلّات الأكاشا Akasha Records وهي تضمّ برأيهم، جميع المعارف الإنسانية ويمكن التواصل معها بالتأمّل الماورائي لبلوغ مستويات أسمى من الوعي.
يعلّق ريتشارد ويبستر ويقول إنّ فرضية اللاوعي الجماعي هي مجرّد أسطورة وهي كيان خفائيّ لا إثبات علمي على صحّة وجودها. هي وهْمٌ ونوع من الهلوسة الفكرية.[3]
كان يعتقد مثل الغنّوصيين، وبتأثيرٍ أيضًا من الطاوية والبوذية، أنّ الخير والشرّ يتكاملان. بالنسبة له هما مبدآن كونيان متساويان ومتوازيان ضمن معادلة كونية واحدة. ما يسمّى ب “اتحاد التضاد”. الأمر نفسه بالنسبة للذكورة والأنوثة عبّر عنهما بمبدأيْ Anima et Animus وهما الأنوثة في الرجل والذكورة في المرأة. وهما نموذجان أصليان مؤثّران يحدّدان مجمل مكوّنات الشخصية. هذا الإعتقاد استوحى منه العصر الجديد مبدأ “الخنثية”Androgynie
وهو يشير ،بحسب ما حدّدته وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحي”، “إلى وجود سماتٍ جسدية للجنسين في الفرد ووعي الشخص لحضور عناصر مذكرة ومؤنثة فيه… هي حالة تناغم داخلي ناجم عن التوازن بين النفس المذكّرة والنفس المؤنثة… هي الحالة الناتجة عن وعي هذه الإزدواجية الجنسية في الكائن”. هذا المبدأ نفسه ألهم نظرية الجندر gender theory التي بدأ تدريسها في بعض المناهج التربوية في أوروبا والتي تنادي بها الأقليات الجنسية لتطالب بتشريع زواج المثليين والإجهاض وغيرها.
آمن أيضًا بنظرية التقمّص بعد أن قرأ كتاب الموتى التيبتي واعتقد أن الذاكرة الجماعية تحوي أيضًا ذكريات الحيوات السابقة المتعدّدة. واعتقد بقوة التصوّر Visualisation ، التي أصبحت فيما بعد من أهم التقنيات النفسية البديلة في العصر الجديد. كما اهتمّ بأساطير الصحون الطائرةUFO’S وكتب كتاباً عنها.
كلّ هذه المعتقدات بما فيها الحلولية والمؤسّسة على التجربة الروحية الشخصية، استبدلت عند يونغ الحقائق الإلهية المطلقة والحق الإنجيلي المعلن.
هذا الإلتباس بين النفسي والروحي، الذي بدأ مع يونغ وأدّى فيما بعد إلى الإلتباس بين ما هو من عمل الطبيعة وما هو من عمل النعمة، سيكون أساس ما عرف ب حركة تنمية القدرات البشرية Mouvement de développement du potentiel Humain التي ولدت في مركز العصر الجديد “إيسالين” ومنه انطلقت كل التقنيات النفسية البديلة وما نتج عنها من إنتهاكات.
في المقالات المقبلة، سنعرّف عن هذه الحركة ونعطي رأيًا موضوعيًا بشأن محاذيرها وإشكالياتها المتعدّدة،
إستنادًا إلى عدّة مراجع كاثوليكية مهمّة.
يتبع
لمجد المسيح
[1] Jhon Dourley, C.G.Jung and Paul Tillich,The psyche as sacrament, Inner city Books,1981, p 65
[2]الحلولية من اليونانية pan= كل شيء وtheos= الله، إعتقاد بان كلّ شيء هو الله، وأن كل شيء هو في الله، وأن الله هو في كلّ شيء. كل عنصر في الكون هو إلهي والألوهة هي في كلّ شيء. هذه الرؤية لا تترك مكاناً لله كشخص متميّز مثلما تراه المسيحية.
[3] Richard Webster, Why Freud was wrong, Harper Collins, 1995, p 250