كنّا قد نشرنا يوم الأربعاء الجزء الأوّل من قصّة إليز لينكفيست التي عاشت طفولة لا تُحسَد عليها، بحسب ما أورده القسم الفرنسيّ من موقع “فاتيكان نيوز” الإلكترونيّ.
لكن الآن عبر النظر إلى تلك المرأة، نرى وجهاً لا يُعبّر إلّا عن السلام والفرح، ولا يعكس أيّ أثر لماضيه المأساويّ، ولا أيّ مرارة أو ضغينة!
وبعد أن قرأنا كيف تعرّضت إليز للاعتداءات المتكرّرة، وصولاً إلى بيع جسدها والإدمان على الكحول والمخدّرات، تُكمل لنا قصّتها قائلة: “عام 1994، تمّ إدخالي إلى مركز لإعادة التأهيل. كان الجميع يخافون منّي. وما إن كان أحدهم يقترب منّي حتّى أضربه. ولدى رؤيتي رجلاً، كنتُ أبصق عليه وأشتمه. كلّ ما كنتُ أعرفه هو الغضب… كانت تصرّفات الآخرين في هذا المركز تبدو لي غريبة، إذ كان الجميع يبتسمون. في البداية، قلت لنفسي إنّني وصلتُ بالتأكيد إلى مصحّ للمجانين، وكانت ابتسامات الجميع تستفزّني. حتّى أنّني ظننت أنّه خلف الابتسامات، هناك بالتأكيد أدوية كيميائيّة مذهلة، فبدأت أسأل أيّة أقراص يتناولون!”
لكن بدلاً من إعطائها الحبوب، اصطحبوها إلى كنيسة وابتدأوا يُصلّون لأجلها. ومع اتّسامها بالحذر والانغلاق، شاركت إليز في الحدث بدون أن تفهم حقّاً ما يحصل من حولها. “لم أكن أعرف شيئاً عن الله ولا عن الصلاة. ولم تكن الكنيسة بالنسبة إليّ إلّا مكاناً للموت”.
وفي لحظة ما، حصل شيء وصفته إليز بالتدخّل “الفائق للطبيعة”: “شعرتُ بأنّني كَمَن استحمّ للتوّ، لكن تحت مطرٍ من نور وسلام. كان يسوع الوحيد الذي يستطيع شفائي، إذ كنتُ حالة إنسانيّة مُستحيلة. وفي تلك اللحظة، وُلدتُ. منذ 25 سنة، منحني يسوع الحياة، وتعلّمتُ السَير في حبّه”.
Elise Lindqvist, à 80 ans dans les rues de la capitale suédoise @ Vatican media
لا شفاء بدون مسامحة
بعد أشهر، وفيما كانت تعتاد على النظر حولها بنظرة جديدة، مع قيامها بخطواتها الأولى في الإيمان، قال لها مرشدها الروحيّ إنّه عليها إتمام خطوة إضافيّة: عليها المسامحة!
“مرّة جديدة، اتّسمت ردّة فعلي بالغضب. كيف كان يتوقّع أن أسامح العديد من الأشخاص على الشرّ الذي ألحقوه بي؟”
وتُخبر إليز أنّه وجب أن يشرح لها المرشد مطوّلاً أنّها لن تُشفى بالكامل إن لم تسامح.
“كانت عمليّة طويلة ومؤلمة أمضيتُها بالصلاة في الكنيسة. اسماً تلو الآخر، تمكّنت وأخيراً من مسامحة أمّي التي لم تحببني ولم تدافع عنّي. وفهمتُ أنّها لم تكن تستطيع ذلك، وأنّها هي أيضاً كانت ضحيّة”.
ملاك المومسات
منذ أكثر من 20 سنة، تغرف إليز من اختبارها المأساويّ لمساعدة نساء أخريات: “أوّل مرّة خرجت فيها مساء إلى شارع المومسات الشهير في ستوكهولم، رأيتُ ماضيَّ وأدركتُ أنّه المكان الذي وجب أن أعمل فيه”.
وتُحدِّد إليز مهمّتها على أنّها وجود أموميّ ودائم، بما أنّها شخص يُصغي ويُقبّل ويُعطي النساء ما يؤكَل ويُشرَب، بالإضافة إلى بعض الثياب التي تقي من برد ليالي الشتاء.
Elise Lindqvist au cours d’une maraude nocturne pour distribuer vêtements et nourriture @ Vatican Media
“عندما أتمكّن من إخراج فتاة من الشارع، تكون هذه أكبر مكافأة بالنسبة إليّ. لكنّ وجودي يقضي بتقديم العزاء والتشجيع، كما ويقضي بإعلام النساء أنّ هناك مَن يحبّهنّ وأنّهنّ لسنَ لوحدهنّ. إنّهنّ يُنادينَني “أمّي”!”
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ إليز دُعِيَت لإلقاء كلمة خلال إحدى جلسات البرلمان الأوروبيّ بتاريخ 18 تشرين الأوّل 2016، لمناسبة اليوم الأوروبيّ ضدّ الاتجار بالبشر. وأشارت في كلمتها التي ألقتها على مسامع النوّاب الأوروبيّين إلى مسؤوليّتهم التي تقضي بتعزيز منع الاتجار بالبشر عبر قرارات حسّية، بما أنّ جميع البلدان الأعضاء قد أدركت المشكلة: “ختمتُ كلمتي قائلة إنّني سأعود عندما أبلغ سنّ التسعين لأرى إن كانت الالتزامات تُؤخَذ على محمل الجدّ”.
أمّا لدى مغادرتها المقابلة العامّة (التي ذكرناها في الجزء الأوّل)، فقد كانت إليز تعرج. والسبب؟؟ “لقد تمّ رميي عن الدرج المتحرّك منذ بعض الوقت. بالنسبة إلى بعض الأشخاص، إنّ وجودي قرب النساء المومسات مُزعج”.
Elise Lindqvist à l’écoute d’une prostituée @ Vatican media