معالي رئيس مجلس الوزراء،
السادة أعضاء الحكومة وأعضاء السلك الدبلوماسي،
القادة السياسيون والمدنيون والدينيون المحترمون،
سيداتي وسادتي،
يسرّني أن أكون بينكم وأن أزور هذه الأرض الغنية بالكثير من العجائب الطبيعية، وتحفظ بشكل رائع تقاليد الأجداد الروحية والثقافية، مثل الضيافة التي أعيشها اليوم شخصيًّا والتي أودّ أن أتولّى مسؤوليتها كيما تنتشر وتزداد العلاقات مع المزيد من الصداقة بين الشعوب.
شكراً جزيلاً، معالي رئيس مجلس الوزراء، على الاستقبال وعلى كلمات الترحيب، وعلى مبادرتكم الوديعة والمسؤولة. شكرًا، لأني سوف أقوم بعد ظهر اليوم بزيارة رسميّة إلى صاحب الجلالة الملك راما العاشر والعائلة المالكة. أكرّر شكري لجلالة الملك على دعوته الكريمة لزيارة تايلاند، وأجدّد أطيب تمنياتي لعهده، وأصحبها بتحيّة صادقة لذكرى والده الراحل.
يسعدني أن أحيّيكم وأقابلكم: السلطات الحكومية، والقادة الدينيين، وممثّلي المجتمع المدني الذي أحيّي فيهم بشكل خاص الشعب التايلاندي بأسره. أعبّر عن كلّ احترامي أيضًا للسلك الدبلوماسي. في هذه المناسبة، لا يسعني إلّا أن أعرب عن أطيب تمنياتي بعد الانتخابات الأخيرة التي تعني العودة إلى العملية الديمقراطية الطبيعية. شكرًا لجميع الذين عملوا من أجل تحقيق هذه الزيارة.
نحن نعلم أن المشكلات التي يواجهها عالمنا اليوم هي في الواقع مشكلات عالمية؛ إنها تشمل جميع أفراد الأسرة البشرية وتتطلّب تنمية جهد ثابت من أجل العدالة الدولية والتضامن بين الشعوب. أعتقد أنه من المهمّ الإشارة إلى أن تايلاند، في هذه الأيام، سوف تنهي مدّة رئاستها لرابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، وهذا علامة لالتزامها التاريخيّ بأهمّ المشاكل التي تواجهها شعوب منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها، وكذلك لاهتمامها المستمرّ بتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة.
كدولة تتميّز بتعدّد الثقافات وبالتنوع، أدركت تايلاند منذ فترة طويلة أهمّية بناء الوئام والتعايش السلمي بين مجموعاتها العرقية العديدة، مظهرة بذلك الاحترام والتقدير لمختلف الثقافات والجماعات الدينية والأفكار والآراء. إن هذه الحقبة تتميّز بالعولمة، والتي غالبًا ما يُنظَر إليها من الناحية الاقتصادية-المالية البحتة، والتي تكاد تلغي العناصر الأساسية التي تشكل وتولّد جمال وروح شعوبنا، لكن التجربة الملموسة للوَحدة التي تحترم الاختلافات وتقبلها، تشكّل إلهامًا وتشجيعًا لكلّ من يهتمّون بالعالم الذي نريد أن نتركه للأجيال القادمة.
أرحّب بمبادرة إنشاء “لجنة أخلاقيّة-اجتماعية” التي دعوتم فيها الأديان التقليدية في البلاد للمشاركة، كيما تقبلوا مساهماتهم وتحافظوا على الذكرى الروحية لشعبكم. وبهذا النحو، ستُتاح لي الفرصة هذا الصباح بلقاء البطريرك البوذي الأعلى، كدليل عن أهمّية وضرورة تعزيز الصداقة والحوار بين الأديان وكخدمة من أجل التوافق الاجتماعي من أجل بناء مجتمعات عادلة وحساسة وشاملة. أريد أن ألتزم شخصيًا بكلّ الجهود التي بذلها المجتمع الكاثوليكي الصغير ولكن المفعم بالحيوية من أجل الحفاظ على تلك الميزات الخاصّة بالتايلانديين وتعزيزها، كما تَرد في نشيدكم الوطني: سلميّين ومحبّين، ولكن لسنا جبناء، من أجل مواجهة كلّ ما يتجاهل صرخة الكثير من إخواننا وأخواتنا الذين يتوقون إلى التحرّر من نير الفقر والعنف والظلم. في هذه الأرض، التي يُطلق عليها اسم “الحرّية”، نعلم أن هذا الأمر ممكن إذا استطعنا أن نشعر بالمسؤولية بعضنا عن البعض وأن نتغلّب على أيّ شكل من أشكال اللامساواة. لذلك من الضروري العمل حتى يتسنى للناس والجماعات الحصول على التعليم، والعمل الكريم، والرعاية الصحية، ويبلغوا بهذه الطريقة الحدّ الأدنى الضروري للاستدامة التي تسمح بتنمية بشرية متكاملة.
في هذا الصدد، أودّ أن أتوقّف قليلًا عند حركات الهجرة، التي تُعَدّ من إحدى العلامات المميّزة لعصرنا هذا. ليس بسبب الحراك نفسه ولكن بسبب الظروف التي يحدث فيها. هذه الظاهرة تشكّل واحدة من المشاكل الأخلاقية الرئيسية التي يواجهها جيلنا. لا يمكن تجاهل أزمة الهجرة العالميّة. تايلاند نفسها، المعروفة بالضيافة التي أولتها للمهاجرين واللاجئين، واجهت هذه الأزمة بسبب الهروب المأساوي للاجئين من البلدان المجاورة. أتمنّى مجدّدًا أن يتصرّف المجتمع الدولي بمسؤولية وبُعد نظر، من أجل حلّ المشاكل التي تولّد هذه الهجرة المأساوية، ومن أجل تعزيز هجرة آمنة ومنظّمة ونظاميّة. نأمل أن تضع كلّ الدول آليات فعّالة لحماية كرامة وحقوق المهاجرين واللاجئين الذين يواجهون المخاطر والشكوك والاستغلال في حين يبحثون عن الحرّية وعن حياة كريمة لعائلاتهم. إن الأمر لا يتعلّق بالمهاجرين فحسب، بل يتعلّق أيضًا بالوجه الذي نريد إعطاءه لمجتمعاتنا.
وبهذا المعنى، أفكّر في جميع نساء وأطفال عصرنا هذا، المجروحين والمعنَّفين والذين هم عرضة لجميع أشكال الاستغلال والعبودية والعنف والانتهاكات. أعرب عن امتناني للحكومة التايلندية من أجل الجهود المبذولة لإزالة هذه الآفة، كما ولجميع الأشخاص والمنظّمات التي تعمل بلا كلل من أجل القضاء على هذا الشرّ وتقديم طريق للعيش بكرامة. إننا مدعوّون في هذا العام، الذي نحتفل خلاله بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، إلى التفكير والعمل بعزم ومثابرة وسرعة، لضرورة حماية ازدهار أطفالنا وتطوّرهم الاجتماعي والفكري، وحصولهم على العلم، وكذلك نموّهم البدني والنفسيّ والروحيّ[1]. إن مستقبل شعوبنا يرتبط، إلى حدّ كبير، بالطريقة التي نضمن فيها لأبنائنا مستقبلاً كريماً.
سيّداتي وسادتي، إن مجتمعاتنا اليوم تحتاج، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى “حِرفيّين في حسن الضيافة”، رجال ونساء ملتزمون بتنمية متكاملة تشمل جميع الشعوب، ضمن أسرة بشريّة تلتزم بالعيش في العدالة والتضامن والوئام الأخوي. وأنتم قد كرّستم حياتكم، كلٌّ في مركزه، كيما تصل خدمة الخير العام إلى كلّركن من أركان هذه الأمّة؛ وهذه إحدى أنبل المهام للإنسان. بهذه المشاعر ومع أمنياتي بأن تتمكّنوا من تنفيذ المهمّة الموكلة إليكم، ألتمس لهذه الأمّة ولقادتها وسكّانها وافر النعم الإلهية. وأطلب من الربّ أن يقودكم ويقود عائلتكم في سبل الحكمة والعدالة والسلام. شكرًا!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019
[1] را. البابا فرنسيس، كلمة البابا إلى الدبلوماسيّين المُعتَمدين لدى الكرسي الرسولي، 7 يناير/كانون الثاني 2019.
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana