شكرًا للمونسيور جوزيف (برادهان سريدارونسيل) على كلمات الترحيب نيابةً عنكم جميعًا. أنا سعيد بأن أراكم، وأستمع إليكم، وأشارككم فرحكم، وأن ألمس كيف أن الروح يعمل في وسطنا. شكرًا لكم جميعًا معلّمي الدين المسيحيّ والكهنة والمكرّسين والمكرّسات، لهذا الوقت الذي تمنحونه لي.
شكرًا أيضًا لبينديتّا لمشاركتها حياتها وشهادتها. عند إصغائي لها، ملأني شعور بالامتنان لحياة الكثير من المبشّرين والمبشّرات الذين طبعوا حياتكم وتركوا بصماتهم. لقد حدّثتنا بينديتّا عن راهبات المحبّة. أريد أن تكون كلماتي الأولى كلمات شكر لجميع المكرّسين، الذين أثمروا عبر شهادتهم الصامتة، شهادة الأمانة والتفاني اليومي. لا أدري ما إذا تمكّنوا من رؤية أو تذوّق ثمار تضحياتهم، لكن حياتهم، دون شكّ، كانت خصبة. لقد كانوا وعدًا بالرجاء. ولذا، في بداية لقائنا، أودّ أن أدعوكم إلى أن نضع في اعتبارنا بشكل خاصّ جميع معلّمي الدين المسيحيّ والمكرّسين المسنّين الذين “أدخلونا” في محبّة يسوع وصداقته. لنرفع الشكران من أجلهم ومن أجل مسنّي جماعاتنا الذين لم يتمكّنوا من الحضور. قولوا للمسنّين الذين لم يستطيعوا الحضور، أنّ البابا يباركهم ويشكرهم ويطلب أيضًا بركتهم.
أعتقد أن قصّة دعوة كلّ منّا قد تأثّرت بحياة هؤلاء الأشخاص الذين ساعدوا في اكتشاف نار الروح وتمييزها. من الجميل والمهمّ أن نعرف كيف نشكر. “إن الامتنان يشكّل دائمًا «سلاحًا قويًّا». فنحن نسمح للروح بأن يمنحنا هذا الهواء النقيّ القادر على تجديد حياتنا ورسالتنا “وليس ترقيعها”، فقط إذا استطعنا أن نتأمّل ونشكر بشكل ملموس كلّ أعمال المحبّة والكرم والتضامن والثقة، وكذلك أعمال التسامح والصبر والقدرة على التحمّل والرحمة التي عوملنا بها” (كلمة البابا إلى الكهنة، 4 أغسطس/آب 2019). لنفكّر فيهم، ممتنّون، ولنشعر، “على أكتافهم”، بأننا نحن أيضًا مدعوّون لأن نكون رجالًا ونساءً يساعدون على منح الحياة الجديدة التي يعطينا إيّاها الربّ. إننا مدعوّون إلى خصب رسوليّ، مدعوّون لنناضل بشراسة من أجل الأشياء التي يحبّها الربّ والتي بذل حياته لأجلها؛ لنسأل نعمة أن تنبض مشاعرنا ونظراتنا على إيقاع قلبه، وأجرؤ أن أقول لكم، وحتى أن يجرحنا حبّه نفسه؛ أن يكون لدينا هذا الشغف بيسوع وبملكوته.
في هذا السياق، يمكننا أن نسأل أنفسنا جميعًا: كيف ننمّي الخصوبة الرسوليّة؟ إنه سؤال جميل، نطرحه كلّنا على أنفسنا، وكلّ يجيب في قلبه. –الراهبة تترجم ما ليس موجودًا في النصّ- ليس من السهل بالنسبة لي أن أتواصل معكم من خلال الجهاز، ليس أمرًا سهلا. وأنتم ذوي الإرادة الصالحة. شكرًا.
بينديتّا، لقد أخبرتنا عن كيف جذبك الربّ من خلال الجمال. جذبك جمال صورة للسيّدة العذراء ودخلت قلبك نظرتها الخاصّة، وأثارت الرغبة في معرفتها أكثر: من هي هذه المرأة؟ لم تكن الكلمات، أو الأفكار المجرّدة أو القياسات المنطقيّة الباردة. بل بدأ كلّ شيء من نظرة جميلة سحرتكِ. كم من الحكمة تخفي كلماتك! إنه إيقاظ على الجمال والدهشة والذهول قادر على فتح آفاق جديدة وعلى إثارة تساؤلات جديدة. فالحياة المكرّسة غير القادرة على الانفتاح على المفاجآت هي حياة توقّفت في منتصف الطريق. أريد أن أكرّر هذا. الحياة المكرّسة غير القادرة على الانفتاح يوميًّا على المفاجآت وعلى الفرح أو البكاء، على الاندهاش، هي حياة توقّفت في منتصف الطريق. لم يَدعُنا الربّ كي يرسلنا إلى العالم لفرض التزامات على الناس أو أعباء ثقيلة أكثر ممّا لديهم، وهي كثيرة، إنما لنتشارك بالفرح، وبأفق جميل وجديد ومدهش. أحبّ حقًّا هذا القول لبندكتس السادس عشر والذي أعتبره نموذجيًّا ونبويًّا لزمننا هذا: لا تنمو الكنيسة بمحاولة اكتساب الأشخاص (prosélytisme) بل بالجذب (را. الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل، 14). “التبشير بالمسيح يعني إظهار أن الإيمان به واتّباعه ليسا فقط شيئا حقًّا وصائبًا، بل أيضًا شيئًا جميلًا وقادرًا على أن يغمر الحياة برونق جديد وفرح عميق، حتى في المصائب” (نفس المرجع، 167).
هذا يدفعنا إلى عدم الخوف من البحث عن رموز وصور جديدة، عن موسيقى خاصّة تساعد التايلانديين على إيقاظ الدهشة التي يريد الربّ أن يمنحها لنا. لا نخافنّ من الرغبة في انثقاف الإنجيل أكثر فأكثر. من الضروريّ البحث عن هذه الطرق الجديدة لنقل الكلمة القادرة على تحريك وإيقاظ الرغبة في معرفة الربّ: من هو هذا الرجل؟ من هم هؤلاء الناس الذين يتبعون المصلوب؟
عند إعدادي لهذا اللقاء، قرأت، وبألم، أن الإيمان المسيحي هو بالنسبة للكثيرين، إيمان أجنبي، أنه دين الأجانب. يحثّنا هذا الواقع إلى إيجاد طرقٍ لإعلان إيماننا مستخدمين “اللهجة” المحلّية، على طريقة الأم التي تغنّي التهويدات لأبنائها. فنعطيه، عبر هذه الثقة، وجهًا و “جسدًا” تايلنديًا، وهذا أعظم من أن نترجمه. أي أن نسمح للإنجيل بالتخلّص من الملابس الجيّدة، ولكن الأجنبية، حتى يعزف الموسيقى التي هي موسيقاكم في هذه الأرض، ويجعل قلوب إخوتنا تهتزّ لنفس الجمال الذي أشعل قلبنا. أدعوكم للصلاة إلى العذراء، التي سحرت أوّلًا بينديتّا بجمال نظرتها، ونقول لها بثقة الأبناء: «نسألك أن تنالي لنا حماسًا جديدًا، حماس قائمين من الأموات، كي نحمل إلى الجميع إنجيل الحياة الذي يتغلّب على الموت. أعطِنا الجرأة المقدّسة للبحث عن طرق جديدة حتى تبلغ الجميع عطيّة الجمال الذي لا ينطفئ” (نفس المرجع، 288).
تدفعنا نظرة مريم إلى النظر في نفس اتّجاهها، نحو تلك النظرة الأخرى، كي نصنع كلّ ما يأمرنا به (را. يو 2، 1- 12). أعين تجذب لأنها قادرة على تجاوز المظاهر والوصول إلى الجمال الأكثر أصالة الذي يسكن كلّ شخص. نظرة، كما يعلّمنا الإنجيل، تحطّم كلّ الحتمية والجبرية والمعايير. فحيث رأى الكثيرون خاطئًا، ومجدّفًا، وعشّارًا، وشرّيرًا، وحتى خائنًا، رأى يسوع رسلًا. وهذا هو الجمال الذي تدعونا نظرته إلى إعلانه، نظرة تدخل في العمق، تغيّر وتُخرِج أفضلَ ما في الآخرين.
بالنسبة لبدء دعوتكم، قد شارك الكثير منكم في شبابكم، في أنشطة الشبيبة الذين كانوا يرغبون في عيش الإنجيل وكانوا يخرجون لزيارة المحتاجين والمستبعدين والمحتقرين في المدينة: الأيتام والمسنّين؛ من المؤكّد أن الربّ قد زار آنذاك الكثير منكم وجعلكم تكتشفون الدعوة إلى إعطائه كلّ شيء. أي إلى الخروج من الذات، وفي خروجنا هذا التقينا بالربّ. وبإمكاننا أن نكتشف، في وجه الأشخاص الذين نلقاهم في الشارع، جمال معاملة الآخر مثل الأخ. لم يعد اليتيم أو المهجور أو المهمش أو المحتقر. وجهه الآن وجه أخٍ “فداه المسيح. هذا هو أن نكون مسيحيّين! أو هل يمكن فهم القداسة بعيدًا عن هذا الاعتراف الحيّ بكرامة الكائنات البشريّة جميعًا؟” (الإرشاد الرسولي افرحوا وابتهجوا، 98). أودّ أن أشجع الكثيرين منكم الذين يبذلون حياتهم يوميًّا في خدمة يسوع في إخوتهم، كما أشار الأسقف عند تقديمهم -بدا فخوراً-؛ والكثيرين منكم الذين استطاعوا أن يروا الجمال حيث يرى الآخرون فقط الاحتقار أو التخلّي أو غرض جنسي يستخدمونه. وهكذا، فأنتم علامة ملموسة على رحمة الربّ الحيّة والفاعلة. علامة المسحة المقدّسة في هذه الأرض.
هذه المسحة تتطلّب الصلاة. والخصوبة الرسوليّة تتطلّب وتستمرّ بفضل تنمية الصلاة الشخصيّة. صلاة شخصيّة مثل صلاة الأجداد، الذين يصلّون الورديّة بانتظام. كم منّا نال الإيمان من أجدادنا! رأيناهم هكذا، أثناء الأعمال المنزليّة، والمسبحة الورديّة في يدهم يقدّسون أيامهم: التأمّلُ في العمل، ممّا يسمح لله أن يكون جزءًا من كلّ الأشياء الصغيرة اليوميّة. من المهمّ أن تحملَ الكنيسةُ اليوم الإنجيلَ للجميع، وفي جميع الأماكن، والمناسبات، دون تأخير ودون خوف (را. الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل، 23)، كأشخاص يُرسَلون من جديد، في لقاء شخصيّ مع الربّ، كلّ صباح. فدون الصلاة، تفقد حياتنا ورسالتنا المعنى والقوّة والحماس. إن افتقرتم للصلاة، يفقد كلّ عمل تقومون به المعنى والقوّة والقيمة. الصلاة هي محور كلّ شيء.
قال القدّيس البابا بولس السادس إن أحد أسوأ أعداء التبشير هو انعدام الحماس (را. الإرشاد الرسولي إعلان الإنجيل، 80). اقرأوا العدد 80 من إعلان الإنجيل. وتتغذّى حماسة الراهب والراهبة والكاهن ومعلّم الدين المسيحي من هذا اللقاء المزدوج: بوجه الربّ، وبوجه إخوته. نحن أيضًا نحتاج إلى هذه الفسحة كي نعود إلى المصدر فنشرب الماء المُحيي. وسط انشغالاتنا الكثيرة، عسانا أن نبحث دائمًا عن فسحة كي نتذكّر، في الصلاة، أن الربّ قد خلّص العالم، وأننا مدعوّون معه لجعل هذا الخلاص ملموسًا.
أشكركم مجدّدًا على حياتكم، وعلى شهادتكم وتفانيكم السخيّ. أطلب منكم، من فضلكم، ألّا تستسلموا لتجربة الاعتقاد بأنكم قلّة، بل فكّروا أنكم أدوات صغيرة في يد الربّ الخلّاقة. وسوف يكتب عبر حياتكم أجمل صفحات تاريخ الخلاص في هذه الأراضي.
لا تنسوا أن تصلّوا وأن تطلبوا الصلاة من أجلي.
شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana