Dialogue Avec Les Évêques Du Japon © Vatican Media

البابا: الأسقف هو الذي دعاه الربّ وسط شعبه

النص الكامل للقاء البابا مع الأساقفة في اليابان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أيّها الإخوة الأعزّاء!

أريد أوّلًا أن أعتذر وأطلب الغفران لأنّي دخلت دون أن أحيّي أحدًا: كم نفتقر للتهذيب، نحن الأرجنتينيين! آسف على هذا.

انا سعيد جدًّا أن أكون معكم. يشتهر اليابانيون بكونهم منهجيّين وعاملين، والدليل على ذلك: ما أن غادر البابا الطائرة حتى أشركوه بالعمل فورًا! شكرًا جزيلًا.

أنا سعيد للغاية بهبة زيارة اليابان وبالترحيب الذي قدّمتموه لي. أشكر بشكل خاص رئيس الأساقفة تاكامي على كلماته نيابة عن الجماعة الكاثوليكية بأسرها في هذا البلد. أودّ أن أحيّي، بوجودي هنا معكم، في هذا اللقاء الرسمي الأوّل، كلّ جماعاتكم: العلمانيّين، ومعلّمي الدين المسيحي، والكهنة، والرهبان، والمكرّسين، والاكليريكيّين. وأودّ أيضًا أن أبسط عناقي وصلواتي لتطال جميع اليابانيين في هذه الفترة التي تميّزت بتنصيب الإمبراطور الجديد وبداية حقبة ريوا.

لا أدري إن كنتم تعرفون ذلك، لكني شعرت منذ الصغر بالتعاطف والمودّة لهذه الأرض. وقد مرّت سنوات عديدة منذ ذلك الاندفاع الإرسالي، وطال انتظار تحقيقه. وها إن الربّ يقدّم لي اليوم الفرصة لأكون بينكم كحاجّ إرسالي على خطى شهود عظماء للإيمان. انقضت 470 سنة على وصولالقدّيس فرانشيسكو سافيريو إلى اليابان، والذي يمثّل بداية انتشار المسيحيّة في هذه الأرض. أودّ أن أتّحد بكم في ذكراه، كي نشكر الربّ على جميع الذين، على مرّ القرون، كرّسوا حياتهم لزرع الإنجيل وخدمة الشعب الياباني بعناية ومحبّة كبيرتين؛ فقد أعطى هذا التفاني للكنيسة اليابانية وجهًا خاصًّا للغاية. أفكّر في الشهداء القدّيس بول ميكي ورفاقه، والطوباوي خوستو تاكاياما أوكون، الذين شهدوا حتى الموت وسط العديد من المحن. إن بذل الذات هذا من أجل الحفاظ على الإيمان حيًّا عبر الاضطهاد، قد ساعد الجماعة المسيحيّة الصغيرة على النموّ، وعلى التضامن والاثمار. أفكّر أيضًا في “المسيحيين الخفيّين” في منطقة ناغازاكي، الذين حافظوا على إيمانهم من جيل إلى جيل بفضل المعموديّة والصلاة والتعليم الديني المسيحي. إنها كنائس “بيتيّة” أصيلة، تألّقت في هذه الأرض، وربما دون أن تعرف، مثل انعكاس لأسرة الناصرة.

ويوضّح لنا طريق الربّ كيف أن حضوركم “يظهر” في الحياة اليوميّة للشعب المؤمن الذي يبحث عن سبيل للاستمرار بجعل ذكرى الربّ دائمة؛ حضورٌ صامت، ذكرى حيّة، تذكّر بأنه حَيثما اجتمع اثنان أَو أكثر باسمه، يكون هناك بينهم، بقوّة ولطافة روحه (را. متى 18، 20). إن جماعاتكم تحمل في حمضها النووي هذه الشهادة، التي هي ترياق ضدّ أيّ يأس، والتي توجّهنا. أنتم كنيسة حيّة، حافظت على نفسها من خلال ترداد اسم الربّ والتأمّل في توجيهه لكم في خضمّ الاضطهاد.

لقد زرعتم بثقة، وقدّمتم شهادة الشهداء، وانتظرتم بصبر الثمار التي يعطيها الربّ في وقته، وهذا قد ميّز الأسلوب الرسولي الذي رافقتم به الثقافة اليابانية. وكوّنتم بالتالي، على مرّ السنين وجهًا كنسيًّا يحظى عامّة بتقدير كبير من المجتمع الياباني، وذلك بفضل مساهماتكم العديدة في الخير العام. إن هذا الفصل المهمّ من تاريخ البلد والكنيسة العالميّة قد نال اعترافًا من خلال تسجيل الكنائس وقرى ناغازاكي وأماكوسا كمواقع في قائمة التراث الثقافيّ العالميّ؛ ولكن، قبل كلّ شيء، كذاكرة حيّة لروح جماعاتكم، التي هي رجاء خصب لكلّ عمل تبشيري.

تتّسم هذه الزيارة الرسولية بشعار “حماية كلّ حياة”، والذي قد يرمز إلى خدمتنا الأسقفية. فالأسقف هو الذي دعاه الربّ وسط شعبه، كي يعيده إليه كراعٍ قادر على حماية كلّ حياة، وهذا يرسم إلى حدّ ما السيناريو الذي يجب أن نهدف إليه.

لقد تميّزت الرسالة في هذه الأراضي ببحث قويّ عن الانثقاف والحوار، ممّا سمح بتكوين أنماط جديدة مستقلّة عن تلك التي نمت في أوروبا. نعلم أنه، منذ البداية، استخدمت الكتابات والمسرح والموسيقى وجميع أنواع الأدوات، ومعظمها باللغة اليابانية. وتدلّ هذه الحقيقة على الحبّ الذي شعروا به الإرساليين الأوائل لهذه الأرض. حماية كلّ حياة، تعني أولًا، التحلّي بنظرة تأمّلية قادرة على حبّ حياة الشعب الموكل إليكم بأسره، كي تروا فيه قبل كلّ شيء، هبةً من الربّ. “لأن وحده الذي نحبّه يمكنه أن يخلص… وحده الذي نعانقه يمكن أن يتغيّر” (كلمة البابا خلال السهرة مع الشبيبة، بنما، 26 يناير/كانون الثاني 2019). إنه مبدأ تجسّدٍ، يمكنه أن يساعدنا على أن نعتبر كلّ حياة كهبة مجّانية، وفوق أيّ اعتبار آخر صالح ولكن ثانوي. إن حماية كلّ حياة وإعلان الإنجيل ليسا أمرين منفصلين أو متعارضين: فأحدهما يذكّر بالآخر أو يتطلّب وجوده. فكلاهما يعني الحذر والتيقّظ لكلّ ما يمكنه اليوم أن يحول دون التنمية المتكاملة للأشخاص الذين عُهِدوا إلى نور إنجيل يسوع في هذه الأراضي.

نحن نعلم أن الكنيسة صغيرة في اليابان وأن الكاثوليك هم أقلّية، لكن هذا لا يجب أن يقلّل من التزامكم بالتبشير. أقوى وأوضح كلمة يمكنكم أن تقدّموها في وضعكم الخاصّ، هي شهادة متواضعة يوميّة، وحوار مع التقاليد الدينيّة الأخرى. فكرم الضيافة والاهتمام الذي تظهرونه للعديد من العمّال الأجانب، الذين يمثّلون أكثر من نصف الكاثوليك في اليابان، ليس فقط شهادة للإنجيل في المجتمع الياباني، ولكن أيضًا لشمولية الكنيسة، وهذا يدلّ على أن اتّحادنا بالمسيح هو أقوى من أيّ رابط أو هويّة أخرى، وقادر على بلوغ كلّ الحقائق.

إن الكنيسة التي تقدّم شهداء وتحيا الشهادة، تستطيع أن تتحدّث بمزيد من الحرّية، لا سيما في التعامل مع قضايا السلام والعدالة الملحّة في عالمنا. سوف أزور غدًا ناغازاكي وهيروشيما، حيث سأصلّي من أجل ضحايا القصف المأساوي على هاتين المدينتين، وسأردّد نداءاتكم النبويّة لنزع السلاح النووي. أودّ أن ألتقي الذين ما زالوا يعانون من جروح تلك الحادثة المأساويّة في تاريخ البشرية؛ وكذلك ضحايا “الكارثة الثلاثية”. إن معاناتهم الطويلة هي تحذير بليغ لواجبنا الإنساني والمسيحي بمساعدة المتألّمين في الجسد والروح، وبتقديم ما يحمله الإنجيل من رجاء وشفاء ومصالحة للجميع. لنتذكّر أن الشرّ لا يميّز الأشخاص ولا يسأل عن الانتماء؛ بل يعتدي بقوّته المدمّرة، كما حدث مؤخرًّا مع الإعصار المدمّر الذي تسبّب في الكثير من الإصابات والأضرار المادّية. نعهد إلى رحمة الربّ بالذين ماتوا وبأسرهم وبجميع الذين فقدوا منازلهم وخيراتهم المادّية. لا نخافنّ من المضيّ قدمًا دائمًا، هنا وفي جميع أنحاء العالم، برسالة قادرة على رفع صوتها والدفاع عن كلّ حياة كهبة ثمينة من الربّ.

لذلك، أشجّعكم في الجهود التي تبذلونها كيما تقدّم الجماعة الكاثوليكية في اليابان شهادة واضحة للإنجيل وسط المجتمع بأسره. والرسالة التعليميّة الثمينة للكنيسة تمثّل موردًا رائعًا للتبشير وتُظهر العمل مع أكبر التيارات الفكرية والثقافية؛ وتعتمد نوعيّة مساهمتها طبعًا على تعزيز هويّتها ورسالتها.

نعلم أن هناك العديد من الآفات التي تهدّد حياة بعض الناس في جماعاتكم التي تعاني، لأسباب مختلفة، من الوحدة واليأس والعزلة. فازدياد عدد حالات الانتحار في مدنكم، وكذلك الاحتيال وأشكال مختلفة من فرض الأداء الممتاز على الذات، تؤدّي إلى ظهور أنواع جديدة من الانعزال والضياع الروحي. وكم أن هذا يؤثّر خاصّة على الشبيبة! أدعوكم إلى إيلاء اهتمام خاص لهم ولاحتياجاتهم، وإلى محاولة خلق فسحات تقدِر فيها ثقافة الكفاءة والأداء والنجاح أن تنفتح على ثقافة المحبّة المجّانية وغير الأنانيّة. محبّة قادرة على أن تقدّم للجميع، وليس فقط “للواصلين” حديثًا، إمكانيّة عيش حياة سعيدة وناجحة. فباستطاعة الشبيبة، من خلال حماسهم وأفكارهم وطاقتهم، إضافة إلى تنشئة جيّدة ومرافَقة جيدة، أن يكونوا مصدرًا مهمًّا للرجاء بالنسبة لأقرانهم وأن يقدّموا شهادة حيّة للمحبّة المسيحيّة. وتستطيع الكرازة، بمحاولة إبداعية ومنثقفة ومبتكرة، أن تترك انعكاسًا قويًّا في العديد من الأنفس المتعطّشة للشفقة.

أعلم أن الحصاد كثيرٌ والعملة قليلون، لذا فأنا أشجّعكم على إيجاد وتطوير وتنمية رسالة قادرة على إشراك الأسر وتعزيز تنشئة قادرة على بلوغ الأشخاص أينما كانوا، مع مراعاة للواقع دائمًا: فنقطة انطلاق كلّ رسالة تنشأ في مكان وجود الناس، مع عاداتهم وأشغالهم، لا في أماكن اصطناعيّة. هناك، يجب أن نطال روح المدن، وأماكن العمل، والجامعات، كي نرافق المؤمنين الموكلين إلينا بإنجيل الشفقة والرحمة.

أشكركم مجدّدًا على الفرصة التي قدّمتموها لي لزيارة كنائسكم الخاصّة وللاحتفال معها. يريد بطرس أن يثبّتكم في الإيمان، لكن بطرس يأتي أيضًا ليلمس بيده وليتجدّد على خطى العديد من الشهداء الذين شهدوا للإيمان؛ صلّوا كيما يمنحني الربّ هذه النعمة.

أطلب من الربّ أن يبارككم، ويبارك من خلالكم، جماعاتكم. شكرًا.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019

 

 


© Copyright – Libreria Editrice Vaticana

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير