معالي رئيس مجلس الوزراء،
أعضاء الحكومة الكرام،
أعضاء السلك الدبلوماسي الموقّرون،
سيّداتي، سادتي،
أتوجّه بالشكر إلى رئيس مجلس الوزراء على كلمات الترحيب اللطيفة وأحيّي بكلّ احترام السلطات الموّقرة وأعضاء السلك الدبلوماسي. لقد تكرّستم جميعًا، كلّ واحد في منصبه، للعمل من أجل السلام ومن أجل تقدّم شعب هذه الأمّة النبيلة والأمم التي تمثّلونها. أنا ممتنّ جدًّا للإمبراطور ناروهيتو الذي قابلته هذا الصباح؛ أتمنّى كلّ الخير وألتمس البركات الإلهيّة للعائلة الإمبراطورية والشعب الياباني خاصّة، في بداية الحقبة الجديدة التي افتتحت.
إن علاقات الصداقة بين الكرسي الرسولي واليابان قديمة جدًّا ومتجذّرة في التقدير والإعجاب اللذين كَنّاه لهذه الأرض المبشّران الأوّلان. يكفي أن نتذكّر كلمات اليسوعي اليساندرو فالينيانو، الذي كتب في عام 1579: “كلّ من يريد أن يرى ما أعطاه ربّنا للإنسان يكفي أن يأتي ويراه في اليابان”. تاريخيًّا، كان هناك العديد من الاتّصالات والبعثات الثقافيّة والدبلوماسيّة التي أنمت هذه العلاقة وساعدت في تخطّي أوقاتٍ ازدادت فيها التوتّرات والصعوبات. كما تمّ تنظيم هذه الاتّصالات على المستوى المؤسّسي لصالح كلا الطرفين.
لقد جئت لأثبّت الكاثوليك اليابانيين في الإيمان، في التزامهم بالمحبّة للمحتاجين وخدمتهم للبلد الذي ينتمون إليه بكلّ فخر. إن اليابان كدولة، هي حسّاسة بشكل خاص تجاه معاناة الفقراء والأشخاص ذوي الإعاقة. وشعار زيارتي هو “حماية كلّ حياة”، عبر الاعتراف بكرامة الحياة التي لا يجوز انتهاكها وأهمّية إظهار التضامن والدعم لإخوتنا وأخواتنا إزاء أيّة حاجة. كانت لديّ تجربة مؤثّرة للغاية في هذا الأمر عندما استمعت إلى قصص المتضرّرين من الكارثة الثلاثية، وقد تأثرّت بالصعوبات التي مرّوا بها.
أودّ أيضًا، على خطى أسلافي، أن أسأل الله وأدعو جميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة لمواصلة تعزيز ومساعدة جميع الوساطات المُردِعَة اللازمة حتى لا يتكرّر في تاريخ البشرية الدمار الذي سبّبته القنابل الذرّية في هيروشيما وناجازاكي. فقد علّمنا التاريخ أن الصراعات بين الشعوب والأمم، وحتى أخطرها، لا تجد حلولًا صالحة إلّا من خلال الحوار، الذي هو السلاح الأوحد الذي يليق بالإنسان والقادر أن يضمن سلامًا دائمًا. أنا واثق من ضرورة معالجة القضيّة النوويّة على المستوى المتعدّد الأطراف، عبر تعزيز عمليّة سياسيّة ومؤسّسية قادرة على خلق توافقٍ وعملٍ دوليّ أوسع.
من الضروري تبنّي ثقافة اللقاء والحوار -التي تتميّز بالحكمة والرؤية واتّساع الأفق- من أجل بناء عالم أكثر عدالة وأخوّة. لقد أدركت اليابان أهمّية تعزيز الاتّصالات الشخصيّة في مجالات التعليم والثقافة والرياضة والسياحة، وتعلم أنه يمكنها أن تساهم بشكل كبير في التناغم والعدالة والتضامن والمصالحة، والتي هي الاسمنت لبناء السلام. يمكننا أن نرى مثالًا واضحًا على ذلك في الروح الأولمبية، التي توحّد الرياضيّين من جميع أنحاء العالم في مسابقة لا تستند بالضرورة إلى التنافس ولكن إلى السعي لتحقيق التميّز. وأنا متأكّد من أن الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعاقين، التي ستعقد العام المقبل في اليابان، ستكون بمثابة حافز لتنمية روح التضامن التي تتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية وتسعى لتحقيق خير عائلتنا البشرية بأكملها.
لقد جدّدت تقديري في هذه الأيام، للتراث الثقافي الثمين الذي تمكّنت اليابان، عبر قرون عديدة من التاريخ، من تطويره والحفاظ عليه، وللقيم الدينية والأخلاقيّة العميقة التي تميّز هذه الثقافة القديمة. إن العلاقة الجيّدة بين الأديان المختلفة ليست ضرورية لمستقبل سلميّ فحسب، ولكن أيضًا لإعداد الأجيال الحالية والمقبلة لتقدير المبادئ الأخلاقية التي تشكّل الأساس لمجتمع عادل وإنسانيّ حقًّا. بكلمات “وثيقة الأخوّة الإنسانيّة” التي وقّعت عليها مع الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، في فبراير/شباط الماضي، فإن اهتمامنا المشترك بمستقبل الأسرة البشرية يحثّنا على “تَبنِّي ثقافةِ الحوارِ دَرْبًا، والتعاوُنِ المُشتركِ سبيلًا، والتعارُفِ المُتَبادَلِ نَهْجًا وطَرِيقًا”.
لا يمكن لأيّ زائر لليابان ألّا يعجب بجماله الطبيعي، الذي عبّر عنه شعراؤه وفنّانوه عبر القرون، وترمز إليه أوّلًا صورة أزهار الكرز. ولكن رقّة أزهار الكرز تذكّرنا بهشاشة بيتنا المشترك، الذي لا يعاني من الكوارث الطبيعية فحسب، بل وأيضًا من الجشع والاستغلال والدمار الذي تفتعله أيدي البشر. عندما يصعب على المجتمع الدولي أن يحترم التزاماته الشخصيّة بحماية الخلق، فإن الشبيبة هم الذين يتحدّثون، وهم بتزايد، ويطالبون بقرارات شجاعة. إنهم يحثّوننا على النظر إلى العالم ليس كممتلكات نستغلّها، إنما كميراث ثمين علينا تسليمه. من جانبنا، “نحن مدينون لهم بإجابات حقيقية، لا بكلمات فارغة؛ بوقائع، لا بأوهام” (رسالة البابا بمناسبة اليوم العالمي للصلاة من أجل رعاية الخلق 2019).
في هذا النحو، يجب أن يشمل النهجُ المتكامل لحماية بيتنا المشترك الإيكولوجيةَ البشريّة. فالالتزام بالحماية يعني مواجهة الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء، في نظامٍ اقتصاديٍّ عالميّ يسمح لقلّة متمايزة بالعيش في الغنى فيما يعيش معظم سكّان العالم في الفقر. إني أدرك اهتمام الحكومة اليابانية بتعزيز برامج مختلفة تنفذّها في هذا الصدد، وأشجّعكم على الاستمرار في تنشئة وعيٍ متزايدٍ بالمسؤوليّة المشتركة بين الأمم. يجب أن توضع الكرامة الإنسانية في محور كلّ نشاط اجتماعيّ واقتصاديّ وسياسيّ؛ كما يجب تعزيز التضامن بين الأجيال، وإبداء الاهتمام، على جميع مستويات الحياة المجتمعية، للمنسيّين والمستبعدين. أفكّر بشكل خاص في الشبيبة، الذين غالباً ما يشعرون بالظلم إزاء الصعوبات التي يواجهونها في نموّهم، وفي المسنّين أيضًا والمعزولين الذين يعانون من الوِحدة. نحن نعلم أنه في النهاية، لا تُقاس حضارة أمّة أو شعب ما بقوتّه الاقتصاديّة بل بالاهتمام الذي يكرّسه للمحتاجين، وكذلك بالقدرة على الخصوبة وتعزيز الحياة.
الآن وقد أوشكت زيارتي لليابان على الانتهاء، أعرب مجدّدًا عن امتناني للدعوة التي تلقّيتها، ولكرم الضيافة الذي رافقتموني به، ولسخاء جميع الذين ساهموا في نجاحها. اقترحت هذه الأفكار، لأني أودّ أن أشجّعكم في الجهود التي تبذلونها لإنشاء نظام اجتماعيّ قادر، أكثر فأكثر، على حماية الحياة، واحترام كرامة وحقوق أفراد الأسرة البشريّة. ألتمس لكم ولأسركم ولكلّ مَن تخدمون، وافر النعم الإلهيّة. شكرًا!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2019
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana