Yoga is not Christian

Pixabay - CC0

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة

الجزء الأربعون من سلسلة مقالات العصر الجديد

Share this Entry

من المفيد جدًا التأمّل في بعض إرشادات ورسائل وأحاديث قداسة البابا فرنسيس، لنستطيع أن  نميّز بشكلٍ أوضح إشكاليات ما يُعرض علينا من تقنيات التنمية البشرية، في إطار النشاطات الرعائية والتنشئة اللاهوتية في المعاهد والجامعات المسيحية. ولنستشفّ منها أيضًا معاييرًا مهمّة للتمييز الروحي.

عرضنا في المقالة السابقة، الإشكاليات التي طرحها البابا فرنسيس في حديثٍ وجّهه إلى أساقفة أميركا اللاتينية والكاراييب في 28 تموز 2013، بعنوان: “التجارب التي على الأساقفة مقاومتها”[1]. وقد أشار البابا إلى ثلاثة تجارب هي: أولاً إيديولوجية الرسالة الإنجيلية التي تبرز في الإختزال الإجتماعي والنفسي واقتراحيْ الغنّوصية والبلاجيانية، ثانيًا إيديولوجية الوظيفية، وثالثًا الإكليروسية. ويقترح البابا عدّة معايير كنسية من أجل مواجهتها.

بعض معايير التمييز الكنسي

1-محورية الربّ يسوع المسيح

إنّ معيار التلمذة الرسولية التي تقترحها “أباريسيدا” على كنائس أميركا اللاتينية والكاراييب، هو الطريق الذي يريدُه الله لحاضرنا. إنّ كلّ تصوّرٍ مثالي للمستقبل كما  أنّ كلّ إصلاح من الماضي، ليس تبصّراً جيدًا. الله حقيقي ويُظهر ذاته في الحاضر. مقارنةً بالماضي، حضوره هو في ذاكرة عمله الخلاصي لنا ولكلّ شعبه. هو وعدٌ ورجاء لنا صوب المستقبل. في الماضي كان الله حاضرًا وترك لنا آثاراً : تساعدنا الذاكرة لنلتقي به. في المستقبل هو فقط وعدٌ لنا. الحاضر هو الأكثر شبهاً بالأبدية. إنّه شرارةٌ أبدية. وفيه تتشكّل الحياة الأبدية. إنّ حال التلميذ الرسول والمبشّر هو معًا نداءٌ ودعوة. تحصل هذه الدعوة “الآن” لكنّها تحصل “في توتّر”. لا وجود لحالةٍ جامدة. التلميذ المبشّر لا يمكنه أن يمتلك ذاته، إنّه توق نحو سموّ وضعية التلميذ ونحو سموّ الدعوة. هذه لا تقبل المرجعية الذاتية: إمّا أن يكونَ مرجعُها يسوع المسيح وإما أن يكون مرجعها الشعب الذي تتوّجه إليه. التلميذ المبشّر يتخطّى ذاته صوب اللقاء: لقاء المعلّم الذي يجعلُ منّا تلاميذه ولقاء الأشخاص الذين ينتظرون البشرى.

لذلك فموقعُ التلميذ المبشّر ليس في المحور بل هو في الأطرافLes périphéries . إنّه يعيش في توقٍ إلى الأطراف (يخرجُ من ذاته إلى الآخرين). بما فيها أطراف الأبدية من أجل اللقاء بيسوع المسيح. في بشرى الإنجيل، عندما نتكلّم عن “أطرافٍ وجودية”، نخرج من محورية ذواتنا مع أنّنا عادةً، نخاف من الإبتعاد عن المحور. التلميذ المبشّر هو خارج محورية ذاته، لأن المحور هو المسيح يسوع الذي يدعو ويُرسل. التلميذ هو مُرسَل إلى الأطراف الوجودية.

2- الكنيسة عروس المسيح

الكنيسة مؤسّسة، لكن متى جعلَت نفسها “المحور”، تقع في تجربة “الوظيفية”، وتتحوّل تدريجياً إلى جمعية غير حكومية ONG . تدّعي عندها الكنيسة أنّ لها أنوارها الخاصة وتتوّقف عن أن تكون النور الأسراريmisterium lunae . الذي يكلّمنا عنه الآباء القدّيسون. تصبح أكثر فأكثر مرجعاً لذاتها، وتضعف أولوية رسوليتها. تتحوّل من مؤسّسة إلى “تحفة فنيّة”. تتوّقف أن تكون عروساً لتصبح “مديرة إدارية” وأن تكون “خادمة” لتتحوّل إلى “مراقِبة”. أباريسيدا تريد كنيسة عروساً، أمّاً وخادمة، كنيسة تسهّل الإيمان وليس كنيسة تراقب الإيمان.

3– أهمية القُرب واللقاء

 لدينا في أباريسيدا نوعان من الرعايا بحسب فرادة الإنجيل يصلحان ليكونا معياريْن لنعرف كيف نعيش بطريقة كنسية كتلاميذ مُرسَلين: القُرب واللقاء. لا شيء جديد، هذان بُعدان لكيفية كشف الله عن ذاته في التاريخ. إنّه “الله القريب” من شعبه، قُربٌ يبلغ ذروته في التجسّد. إنّه الله الذي يخرج للقاء شعبه. في أميركا اللاتينية وفي الكاراييب، هناك رعايا “نائية”، رعايا منضبطة تفضّل المبادئ، السلوكيات والإجراءات التنظيمية. بالفعل بدون تقارب وبدون حنان. لا تُعرف “ثورة الحنان” التي كانت سبباً لتجسّد الكلمة.

هناك رعايا منظّمة بشكلٍ يجعل المسافات كبيرة لدرجة تجعلها عاجزة عن اللقاء: لقاء المسيح ولقاء الأخوة. أكثر ما ننتظر من هذا النوع من الرعايا، مستوى من الأنشطة التبشيرية، لكنها لا تؤدّي أبداً لا إلى دعوات كهنوتية ولا الى إنتماء كنسي. القُرب يخلق شراكة وانتماءً ويجعل اللقاء ممكناً. القُرب يحظى بأشكالٍ من الحوار ويخلق ثقافة التلاقي. يكون الوعظ فيه حجرَ الزاوية الأساس من أجل تحديد القُرب وقدرة اللقاء للرعية. كيف هي وعظاتنا؟ هل هي قريبة من مثال السيد الذي كان يتكلّم بسلطان أم هي مواعظ نظرية بعيدة ومجردة؟

4- الأسقف خادم شعب الله

الأسقف هو الذي يقود الرعية والإرسالية عبر القارات. على الأسقف أن يكون قائدًا وهذا الأمر يختلف عن التصرّف كسيدٍ آمر. على الأساقفة أن يكونوا رعاةً، قريبين من الناس، آباء وأخوة لهم بكثير من التسامح والإحترام، الصبر والرحمة. أشخاصًا محبّين للفقر، الفقر الداخلي كموقف حرية أمام السيد والفقر الخارجي كبساطة وتقشّفٍ في العيش. أشخاص ليس لهم “نفسية الأمراء” وليس لديهم طموحهم الخاص بل هم عروساً للكنيسة المحلية من دون انتظارٍ لأخرى. أشخاص قادرين على رعاية القطيع الذي أوكل إليهم، يهتمّون بكلّ ما يؤول إلى وحدته، السهر على شعب الله الذي أوكل إليهم، بانتباه إلى الأخطار الممكنة التي يمكن أن تهدّده. خصوصًا من أجل تنمية الرجاء وليكون في قلوبهم الشمس والنور. أشخاص قادرون أن يسندوا بحب وصبر خطى الله في وسط شعبه. وعلى الأسقف أيضًا أن يكون مع شعبه: أن يكون أمامه ليقوده في  الطريق، أن يكون في وسطه ليبقيه متّحدًا ويبعد عنه الإنقسامات، أو أن يكون في المؤخّرة حتى لا يبقى أحدٌ متأخّراً. لكن أيضًا وبشكل أساسي لكي يكون للقطيع حريّة إيجاد طرقٍ جديدة.

هذه باختصار بعض المعايير التي طرحها قداسة البابا من أجل تجنّب خطر التجارب التي قد يتعرّض لها الأساقفة في خدمتهم الكنسية إنطلاقًا من أميركا اللاتينية والكاراييب، وهذه بلا شك تنطبق على أغلب الكنائس في زمننا. هذه المعايير تسمح بغربلة كلّ اقتراح أو إيديولوجية ليست من التقليد الكنسي ولا تتوافق مع إيمان الكنيسة الجامعة المقدّسة الرسولية.

يتبع

لمجد المسيح !

[1] https://fr.zenit.org/articles/les-tentations-auxquelles-les-eveques-doivent-resister/

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير