أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
كان من دواعي سروري، أن أعمّد مجدّدًا بعض الأطفال في عيد معموديّة الربّ اليوم. وكان عددهم اليوم اثنين وثلاثين. لنصلّ من أجلهم ومن أجل أسرهم.
تقدّم لنا الليتورجيا هذا العام حدث معموديّة يسوع وفقًا لإنجيل متى (را. ٣، ١٣- ١٧). يصف الإنجيليّ الحوار بين يسوع، الذي يطلب المعموديّة، ويوحنا المعمدان، الذي يمانعه قائلًا: “أَنا أَحتاجُ إِلى الاِعتِمَادِ عن يَدِكَ، أَوَأَنتَ تَأتي إِليَّ؟” (آية ١٤). إن قرار يسوع هذا يفاجئ المعمدان: فالمسيح في الواقع، لا يحتاج إلى التنقية؛ بل إنه هو مصدر النقاء. لكن الله هو القدّوس، وطرقه ليست طرقنا، ويسوع هو طريق الله، هو طريق لا يمكن تكهّنه. تذكّروا أن الله هو إله المفاجآت.
أعلن يوحنا أن هناك مسافة بعيدة تفصله عن يسوع. قال: “لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه” (متى 3، 11). لكن ابن الله قد جاء بالتحديد كي يملأ هذه المسافة بين الإنسان والله، وإذا كان يسوع في جانب الله بالكامل، فهو أيضًا في جانب الإنسان بالكامل، ويجمع ما كان مقسومًا. ولذا أجاب يوحنا قائلًا: “دَعْني الآنَ وما أُريد، فهكذا يَحسُنُ بِنا أَن نُتِمَّ كُلَّ بِرّ” (آية 15). يطلب المسيح أن يعتمد، كي يتمّم كلّ برّ، أي كي يتحقّق تدبير الآب الذي يمرّ عبر طاعة الابناء والتضامن مع الإنسان الهشّ والخاطئ. إنه طريق التواضع وتقارب الله التامّ من أبنائه.
وأعلن النبي أشعيا أيضًا برَّ خادمِ الله، الذي يتمّم رسالته في العالم بأسلوب يتعارض مع الروح الدنيوية: “لا يَصيحُ ولا يَرفَعُ صَوتَه ولا يُسمِعُ صَوتَه في الشَّوارِع. القَصَبَةُ المَرْضوضةُ لن يَكسِرَها والفَتيلةُ المُدَخِّنَةُ لن يُطفِئَها” (42، 2- 3). يتصرّف بوداعة –هذا ما يعلّمنا إيّاه يسوع بتواضعه، بوداعته- يتصرّف ببساطة واحترام واعتدال واستخفاء، وهذا ما يُطلب اليوم أيضًا من تلاميذ الربّ. كم من تلاميذ الربّ –يؤسفني قوله- يتباهون بكونهم تلاميذ الربّ. إن التلميذ الذي يتباهى ليس تلميذًا صالحًا. التلميذ الصالح هو التلميذ المتواضع والوديع، هو الذي يصنع الخير دون أن يراه أحد. كذلك المجتمع المسيحي هو مدعوّ في عمله الإرسالي إلى الذهاب للقاء الآخرين دومًا عبر الاقتراح لا الفرض، وعبر الشهادة، ومشاركة الناس بحياتهم الملموسة.
فور معمودية يسوع في نهر الأردن، انفتحت السماوات ونزل الروح القدس عليه كأنه حمامة، وإذا صوت من العلى يقول: “هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت” (متى 3، 17). في عيد معموديّة يسوع، نعيد اكتشاف معموديّتنا. فكما أن يسوع هو الابن الحبيب للآب، نعلم نحن أيضًا، الذين وُلِدنا مجدّدًا من الماء والروح القدس، أننا أبناء أحبّاء –الآب يحبّنا جميعًا-، قد نلنا رضى الله، وأننا إخوة لعديد من الإخوة، وعُهِدَ إلينا برسالةٍ عظيمة كي نشهد ونعلن لجميع الناس حبّ الآب اللامحدود.
إن عيد معموديّة يسوع هذا يذكّرنا بمعموديّتنا. نحن أيضًا تعمّدنا. وبالمعموديّة حلّ الروح القدس كي يبقى فينا. ولذا من المهمّ معرفة تاريخ معموديّتنا. نحن نعلم تاريخ ميلادنا، ولكننا نجهل أحيانًا تاريخ معموديتنا. بعضكم بالتأكيد يجهله… أعطيكم واجبًا منزليًّا. عند عودتكم إلى المنزل، اسألوا: متى تعمّدتُ؟ واحتفلوا في قلبكم بتاريخ معموديّتكم كلّ عام. إنه واجب عادل تجاه الربّ الذي كان صالحًا للغاية معنا.
لتساعدنا مريم الكلّية القداسة على فهم هبة المعمودية أكثر فأكثر، وعلى عيشها باتّساق في ظروفنا اليومية.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
أتمنّى للجميع أحدًا مباركًا. من فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. غداء هنيئًا وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2020
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana