تناضل المرأة، يومًا بعد يوم من أجل الحَدّ من نظرة بعض الرِّجال، الَّذين يعتبرونها قاصر وعليها الخضوع، كما تعاني من الكثير من التَّعتيم، والدّوران في فلك الرَّجل كأنّها من ضمن حياته الخاصّة. أَوَليس هذا العمل عنصريًّا ضدّ المرأة؟ أَوَليست التَّربية والثّقافة عاملان أساسيّان يؤثّران في عمق أعماق تركيبة عقل بعض الرِّجال؟ هل بعض المفاهيم الدينيّة المشوّشة والعادات البالية والتَّقاليد الفارغة إلاّ من التزمُّت والمحدوديّة حَتَّمت على بعض النِّساء القبول الارغامي، والاكتفاء التَّسَطُّحيّ، والخنوع الاستسلاميّ، والخمول التكيُّفي؟ أَلا يُطلب من المرأة الاندفاع والتّوجُّه أكثر فأكثر نحو التَّطوّر والحداثة والتغيير؟ بالتَّأكيد يُطلب اليوم من المرأة، لا سيّما في البلدان النامية، والَّتي تسعى نحو الحداثة، الانفتاح المُطلق والايجابيّ نحو الفكر الإنسانيّ الصَّحيح والسَّليم، المبنيّ على المُشاركة الفعّالة، والعدالة الإجتماعيّة، واحترام الفوراق والحقوق، وتطبيق المساواة، ممّا يعزّز الخطوات التقدّميّة، الَّتي تسمح لها بتحقيق ذاتها من خلال تحرّر فكرها، على الرُّغم من وجود صعوبات كثيرة، وعوائق متنوّعة، وعقبات متشعّبة، تواجه بعض المُجتماعات “المتخلّفة”.
تناضل المرأة اليوم، بعمق وجديّة، من أجل تحسين أوضاعها على جميع الصُّعُد، الَّتي تُسهم في عمليّة التَّنمية ومنها: الصحّة والتَّربية، فرص العمل، تقاسم الأدوار والمهمّات وتفعيل العجلة الإقتصاديّة، المُشاركة في الحياة السياسيّة وتحقيق العدالة والمُساواة.
يمكننا التَّأكيد، أنّ التَّعلّم هو المصدر الأوّل والأساس لنهضة المُجتمعات في شتّى الميادين. تنطلق النّهضة من الفكر والثّقافة والتَّربية واحترام سُلَّم القِيَم، الَّتي تُسهم بدورها في تحسين حياة المواطن، كلّ مواطن، ووضعه الاجتماعيّ والثّقافيّ لا سيّما الاقتصاديّ.
تكافح المرأة في نضالها المُستمرّ، بتثقيف ذاتها بواسطة طرائق متعدّدة ووسائل متنوّعة، كي تواجه بشكلٍ واع، التّحديّات المُلقاة على عاتقها. تساعد التّربية والعِلم، المرأة على تنشئة أجيال جديدة تعي دورها في تنمية الإنسانيّة والمجتمع. “الثّقافة تحضّر للمستقبل من خلال حاضرٍ زاخم بحركةٍ مستمرّةٍ من التحوّلات الخلاّقة والمُبدعة، والَّتي لا تنفكّ في الاندفاع نحو التطوّر الدّائم، الَّذي يرفض أن يضع حدًّا له. فهي تهتمّ بالماضي بما يتلاءم مع المستقبل، وتتفاعل مع الحاضر في اتّجاه تحوّلات المستقبل الحامل الوعود المفتوحة على الزّمن، الَّذي يعزّز إمكانات الابداع الذّاتي الَّذي يطاول البشريّة ومناخاتها”.
نعم، تقتحم المرأة مُعترك الحياة، مُزوّدة بالمؤهّلات اللازمة، والمُقدّرات الضّروريّة. نعم، بمثابرتها ونضالها، يمكنها اختراق أفكار المجتمع البطريركيّ- الأبويّ، ومبادئه، وتغيير المنظورات الإيديولوجيّة الرّاسخة وتصحيحها، وتعديل البُنى الإجتماعيّة، وتبديل الشّروط المَعرفيّة لفهم الواقع الَّذي لا ينمّ عن حقيقة، من المفترض أن تُعاش. وهذا لن يتحقّق إلاّ بتقويض المجتمع الأبويّ الَّذي يرسّخ التّقليد، ويثبّت العادات، ويحافظ على ما هو قائم، ومنها الجندر (Gender). أَلا يشعر الرَّجل بالمُطلق أحيانًا، أنّه يبحث عن ذاته، من خلال المرأة؟ وإن لم يبحث عن نصفه الضّائع، فهل تبقى حياته مرضيّة؟ أَوَليس معيار الفرد، رجلاً كان أم إمرأة، الحريّة و”الاستقلاليّة” والفضائل الأخلاقيّة والقِيَم، لتحقيق التّوازن والمُساواة بين أفراد المجتمع، أي بين المرأة والرَّجل؟
تحاول المرأة تثقيف ذاتها جاهدةً في نضالها المُستمرّ، من أجل تحسين مكانتها وموقعها على جميع الصُّعُد، من خلال الفُرَص الكفيلة المُتاحة.
لا بدّ من أن تأخذ المجتمعات على عاتقها، المبادرة للحدّ من الاجحاف بحقّ المرأة. كما أن يناضلوا معًا، أيّ المرأة والرَّجل، لتغيير الاوضاع، حتّى تتحقّق المُساواة بين الرَّجل والمرأة، ممّا يعزّز التّوازن والانسجام والتّعاون والتّعاضد والأُخوّة في شتّى الميادين، الَّتي يحتاجها الإنسان في مسيرته اليوميّة.
لنَقِف باحترام وتضامن مع نضال النِّساء في شتّى الميادين، وعليه من غير المقبول أن تقف النِّساء وتتراجع عن نضالها أمام الصُّعوبات والمُعضلات والقضايا، وأن تبقَين حائراتٍ، مذهولاتٍ، خجولاتٍ، مضطّرباتٍ. بل ينبغي عليهنّ، بدعمٍ من الرَّجل اليَقظ والمُهتمّ لمصير البشريّة، المُثابرة في النِّضال على الرُّغم من عدم تكافؤ الفرص مع الرِّجال، إن على الصَّعيد السِّياسيّ، أو الاقتصاديّ والاجتماعيّ. أَوَليس هذا ما يدفعهُنَّ، أكثر من أي وقتٍ مضى، للتمسّك بهذا النِّضال من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافهنَّ بواسطة التَّعاضد والتَّعاون فيما بينهنَّ؟