المزامير ٤ : ١
عِنْدَ دُعَائِيَ اسْتَجِبْ لِي يَا إِلهَ بِرِّي.
فِي الضِّيقِ رَحَّبْتَ بِي تَرَأّفْ عَلَيَّ وَاسْمَعْ صَلاَتِي”
إنها صلاة داود المستغيث بالرب، صلاة تعبّر عن محنة النبي امام مصائبه الشخصية ومصائب شعبه، الذي يراه يتخبط بمحنه وأزماته.
يصرخ داود، الى الرب رافعا اليه قلبه وفكره وإرادته، يتوسّل ان يأتي وينقذه من عذابه القاسي،
وفي الوقت عينه يتطلع إلى بني امته، وكأنهم في مخاض عسير ولا من منقذ، إلا الله وحده.
ولكن هل سيتدخل اله داود، لينتشله مع شبعه من الضيق؟ هل سيتنكّر لطلبه؟ بالطبع، ان اله داود هو اله الاحياء، وليس إله الاموات، اله ابراهيم واسحق ويعقوب، ينظر الى صراخ المسكين ويستجيب، فكما نظر إلى شعبه ايام العبودية، يأتي إلى إنصاف البار والصديق والمسكين والبائس.
ولكن لماذا اُدخِل داوود في المحنة وهو الملك الذي بيده السلطة والمال انه الآمر الناهي فكيف تجعله المحنة في حالة ضيق؟
من لم يعرف فائدة المحنة، لم يختبر بعد، عمق الحياة وجوهر وجوده. فالمحنة، هي كالأتون المُستعر، حين يدخله المؤمن، يتعرّض “بالمباشر” إلى واقعية ضعفه وهشاشته، ومعطوبيته تجاه الازمات والصعاب التي يواجهها “باللحم الحيّ” ويصبح كأنه في حالة انفصال عن الواقع،
فكم هي صعبة افكار ومشاعر المحنة عندما تجتاحها مشاعر: الضيق، الألام المعنوية، الشعور بالعزلة، عدم تحسس الاخرين مع ما تعانيه وتقاسيه، وكأنّ كل شيء أصبح عدما، وتصبح الحياة لا طعم لها.. تشعر بنفسك، كأنك لامست الجحيم. لقد اختبر دوواد وغيره من الأنبياء “طعم الجحيم” (راجع مز ٦٩: ٥؛ ١١٦: ٣) ولكن مهلا، يسوع المسيح، دخل إلى عمق الجحيم، لم يلمسه فقط، بل دخله، ليفجّره من الداخل ويطلق المأسورين ومعهم نحن، أحرارا (راجع روم ٦: ٤) ، وهذا لم يتم بدون موت المسيح على الصليب، فهناك على جلجلة الإنسانية اختبر يسوع عمق المحنة والترك والنكران والخذلان، فحمل في جسده، آلام البشرية جمعاء التي اجتمعت كلّها وتكّدست على الصليب (راجع ١بط٢: ٢٤). ولأن محبة الفادي اقوى من محننا ونزاعاتنا ومطامعنا وحروبنا وخطايانا، هذه المحبة استطاعت ان تحوّل سعير المحنة إلى معبر، تجتاز فيه النفس إلى الحياة الحقة، لكي تتنقى وتتطهر من خطاياها واوهامها، وكل ما يتناقض مع حقيقة وجودها…
نعم ان المحنة، طريق تطهر، وتنقية. فمن اجتازها بقناعة القديسين، سيبلغ دون شك مجد السماء، لانه بذلك قد عزم في نفسه وفكره وقلبه وإرادته أن يكتشف معنى وجوده، وواقعية طبيعته بما فيها من جراح، وبواطن ضعف، والتواءات وتعرّجات، وانحرافات خفيّة، مؤثرات تشكل الحوافز في الانكسار والانهزام امام اول تجربة.
ان خوض غمار المحنة، هو درب القداسة، فلا تفقد العزيمة عندما تنتابك، محنة ما، أو مصيبة، أو صراع، أو ازمة، أو اضطهاد أو نزاع، او سوء فهم، أو الشعور بالعزلة، فلا تخف، لأنّ هناك الكثير من الأنبياء والقديسين اختبروا ما انت تختبره، واستطاعوا اجتياز المرحلة بنجاح، لأنهم اتكلوا لا على قوتهم بل على نعمة المسيح التي عملت في ضعفهم، ولا سيما عندما واجهوا أوضاعا معقّدة. استطاع داوود اجتياز المرحلة لانه وثق بالرب فكان المزمور ٢٣ خير مثل على ذلك “.
١الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. ٢فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. ٣يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. ٤أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. ٥تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. ٦إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ.”
آمين.