“إنْ أراد أحد أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مت16/ 24)
إنجيل الرفاه Prosperity Gospel أو بدعة كينيث هاغن المنحرفة
من الروحانيات الجديدة التي تلقى في أيامنا هذه رواجًا منقطعَ النظير، بدعة “إنجيل الرفاه” المنبثقة عن عقيدة Kenneth Hagin المخالفة لروح الإنجيل. هذه تُغري الناس بفكرة النجاح الذي تجعل منه صنمًا وتستبدل قوّة المسيح بالإيمان بالقوى الذاتية الخارقة. إذًا الإيمان عندهم أشبه بوصفةٍ سحرية منطوقة تُخرج قوةً تغيّر ما ترغب فيه. وإذا لم يحدث التغيير الفوري، فهذا يعني برأيهم أنّ إيمان الشخص غير حقيقي. يشرح الأب أنطونيو الفغالي ر.م.م.[1] أنّ أساس هذه العقيدة يعود إلىE.W.Kenyon الذي بشّر بالفكر الأعلى أو حركة الفكر الجديد. ويقول أنّ الذين يبّشرون بهذه العقيدة هم رعاة تيّار كلمة الايمانWord of Faith Movement مثل: بيني هين Benny Hinn،كينيث وغلوريا كوبلاندKenneth & Gloria Copeland ، فريديريك برايسFrederick Price، روبرت تيلتونRobert Tilton ، جويل أوستينJoel Osteen ، كريفلو دولارCreflo Dollar وغيرهم…
من تعاليمهم: الإيمان مادة ملموسة يتقاس مثل التيّار الكهربائي، الكلمة قوةٌ في داخل الإنسان تخلق الأشياء إلى الوجود، المؤمن الحقيقي لا يمرض وهو يزدهر على الدوام، الإنسان إلهٌ صغير، عندما مات المسيح أخذته الشياطين إلى جهنم وعذّبته فمات روحيًا وذلك حتى يفدي الروح، وغيرها من الضلالات.
من أقوالهم الأكثر انتشارًا: “عليك أن تؤمن بأمرٍ ما في قلبك وتنطق به، فتنطلق الطاقة من داخلك وتخلق ما طلبته”، لذلك يروّجون لتقنيات نفسية بديلة مثل التصوّر Visualisationوالإيحاء الذاتي وما شابهها.
ويطلق مبشّرو كلمة الإيمان أربعة وعود يحصل عليها المؤمن: 1- الله يريد دائمًا أن يكون لديك علاقات جيّدة (لكن نرى في الإنجيل عكس ذلك أصدقاء يسوع تخلّوا عنه، خانه يهوذا، صرخ الشعب: اصلبه) 2- الله لا يريدك أن تتألّم (لكن ألم يتألّم المسيح؟ ألم يُضرب؟ ألم يصلب؟) 3- الله لا يريدك أن تكون ضحّية بل أن تكون منتصرًا دائمًا ( لكن ألم يكن يسوع ضحية اتهامات كاذبة، شهادات زور، محاكمة، إدانة وإعدام؟) 4-إنْ كنتَ فعلاً تثق بالله، لن يكون عندك شيء تقلق عليه ولن يكون لديك قلق (ألم يقلق يسوع في بستان الزيتون؟ ألم يعرق دمًا؟)
فقراء ونُغني كثيرين
بالطبع إنّ الإيمان ليس مادةً طبيعية تُقاس كما تقاس الطاقة الكهربائية، بل هو جواب الإنسان على محبة الله الذي يكشف له عن ذاته ويهبها له. تقول الرسالة إلى العبرانيين: “الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمورٍ لا تُرى” (عب 11/ 1). إنّه إيمانٌ معاش في الطاعة للمسيح والعمل بوصاياه. والكلمة ليست قوة خارقة يخلق بها الإنسان الأشياء من العدم إلى الوجود فهذا عمل الله وحده. “الله وحده الخالق”( بند 290، التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية). بالنسبة للمرض يقول لنا تعليم الكنيسة إنّ “سماح الله بالشرّ الطبيعي الأدبي سرٌّ يجلوه الله بابنه يسوع المسيح الذي مات وقام للتغلب على الشر. الإيمان يثبت لنا أنّ الله لا يسمح بالشر لو لم يكن يستخرج الخير من الشرّ نفسه، بسبلٍ لن نعرفها معرفةً كاملة” (بند 324). لله عناية إلهية هي التدابير التي يقود بها الله جميع الخلائق، بحكمة ومحبة، إلى غايتها القصوى” (بند321). أما بخصوص ازدهار المؤمن يصف لنا الرسول بولس حال المؤمن في رسالته الثانية إلى أهل كورنتوس فيقول: “مضلّين ونحن صادقون، مجهولين ونحن معروفون، مائتين وها إنّنا أحياء، معاقبين ولا نقتل، محزونين ونحن دائمًا فرحون، فقراء ونغني كثيرين، لا شيء عندنا ونحن نملك كلّ شيء” (2كو6/ 8-10). أمّا في مقولة أنّ الإنسان هو “إله صغير”، تعلّم الكنيسة المقدّسة: “لا يوجد إلا إله واحد … هو الآب، وهو الله، وهو الخالق وهو الصانع وهو المنظّم. صنع كلّ شيء بنفسه، أيّ بكلمته وبحكمته. وبالابن والروح اللذين هما بمثابة “يديه”. الخلق هو عمل الثالوث الأقدس المشترك” (بند 292).
يقول الأب الفغالي أنّ هذه التعاليم الضالة تشكّل فخاخاً للمؤمن فهي تدفعه إلى إدانة المريض والفقير واحتقارهما فكلّ مرض عندهم هو من الخطيئة وكلّ فقير هو نتيجة عدم بركة من الرب. كما تعلّمهم البرّ الذاتي، الكبرياء الروحي، الرياء، التمييز بين الأخوة، النظرة الفوقية تجاه الآخر والروح النخبوية، …
كذبة الشيطان القديمة!
من جهتها تقول المعالجة النفسية والباحثة في تيّار العصر الجديد “مونيك توما”[2] ، أنّ بدعة “إنجيل الرفاه” يعدُ بالشفاء الداخلي والجسدي ورفاه العيش وبفيضٍ من البركات المتنوّعة كوفرة المال والنجاح والشهرة الخ لكلّ من يؤمن بالمسيح. هذه كذبة الشيطان نفسها عندما جرّب المسيح في البريّة فوعده بغنى هذا العالم، والقوى الفائقة للطبيعة، إذا قبل أن يسجدَ له وحتى يجنّبه آلام الصليب. لكن الربّ يسوع انتصر على كلّ هذه التجارب. يدعونا المسيح أن نحمل الصليب ونتبعه. هو لم يعدنا بصحّة جيّدة على الدوام، وحياة خالية من المتاعب إذا آمنا به. بالمقابل يعلّمنا الصبر في المجن بالإيمان والرجاء والمحبة وأنّ الكنز الذي علينا أن نسعى إليه هو في ملكوته السماوي وليس في هذا العالم. يشفي المسيح الأشخاص الذين يأتون إليه إذا كانت هذه مشيئة الله الآب. وإلاّ يكون المرض لتقديسهم (كما كان حال الكثير من القدّيسين) ما يؤدّي بهم إلى الخلاص. إذًا إنجيل الرفاه هو كذبةٌ كبيرة. يُخشى متى لم يحصل المؤمن على ما يريده أن يبتعد تمامًا عن المسيح فيكون الشيطان قد نجح في مخطّطه. وتضيف قائلةً أنّ المسيح ليس مُنتجًا إستهلاكيًا له مفاعيل مباشرة ومعجزية على الشخص كأنّه مخدّر. هو لا يعدّل مستويات وعينا البشري، لكنّه يحوّلنا تدريجيًا لننفتح على النعمة التي تعمل في حياتنا. إنّ طريق الإيمان شاق وصعب، وخلال مسيرتنا قد نسقط مراراً بسبب طبيعتنا البشرية، بسبب شكوكنا، تهاوننا في الصلاة، شعورنا بأننا متروكين، الأمراض التي نصاب بها الخ لكنّ الرب يرفعنا ويسندنا “
“لقد أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا”
المرض هو نتيجة من نتائج سقوط الإنسان في الخطيئة. لكنّ الربّ يسوع بتجسدّه وموته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الله الآب جعل منها وسائل لتقديسنا “حتّى كما ملكت الخطية في الموت، هكذا تملك النعمة بالبرّ، للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربّنا”(رو5/ 21). فنلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحقّ (أف4/ 24) “مملوئين من ثمر البرّ الذي بيسوع المسيح (فل1 /11).
فالرب “يريد أنّ الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.” فالأولوية عنده هي شفاء النفس من علّة الخطيئة. “كثيرًا ما كان يسوع يطلب الإيمان من المرضى”(بند 1504من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية) لذلك قال للمخلّع “ثق يا بنيّ. مغفورة لك خطاياك” (مت9/ 2).
من جهة أخرى “إنّ الروح القدس يجود على البعض بموهبة شفاء خاصة، ليعلن قوّة النعمة الصادرة عن القائم من بين الأموات. ولكنّ أحرّ الصلوات قد لا تؤدّي أحيانًا إلى شفاء كلّ الأمراض. وهكذا تعلّم القديس بولس من الربّ أن: “حسبك نعمتي، ففي الضعف يبدو كمال قدرتي”(2كو12/ 9)، وأن احتمال الآلام قد يعني أنّي “أتمّ في جسدي ما ينقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة”(كو1/ 24).”(بند1508)
لقد نادى آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني المرضى قائلين: “أنتم لستم متروكين ومهملين، ولستم عديمي الجدوى: لقد دعاكم المسيح وأنتم صورته الحيّة والشفّافة” (رسالة للفقراء والمرضى والمتألمين).
المرضى هم علامة حضور المسيح (بند 1373 من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية) والربّ يسوع يحبّهم إلى حدّ التماهي معهم “وقد أوغلت به شفقته على كلّ المعذّبين إلى حدّ التماهي وإيّاهم: “كنتُ مريضًا فعدتموني”(متى25/ 36). هذه المحبّة التي آثر بها السقماء ما زالت توقظ لدى المسيحيين، عبر الأجيال، تنبّهًا خاصًا لجميع المعذّبين جسماً وروحاً، وهي مصدر الجهود المتواصلة للتخفيف عنهم” (بند 1503)
“يدعو المسيح تلاميذه إلى اتّباعه حاملين، هم أيضًا صليبهم، وباتباعه يكتسبون نظرةً جديدة إلى المرض وإلى المرضى”(بند 1506)
القدّيسة تيريزيا الطفل يسوع والوجه الإلهي، “خبيرة في علم الحب” (يوحنا بولس الثاني، رسالة بابوية الألفية الجديدة رقم 42)، تمكّنت من أن تعيش،”باتّحادٍ عميق مع آلام المسيح”، مرضها الذي أودى بها إلى الموت من خلال آلام مبرحة”(بنديكتوس السادس عشر في لقاء عام 6 نيسان 2011).
كما تمكّنت القديسة آناشافير من مايندلستيتن أن توحّد أيضًا آلامها بطريقة نموذجية مع آلام المسيح: “غرفة المرض تحوّلت إلى خلوة ديريّة و ألمها إلى خدمة رسوليّة. أصبحت بواسطة الصلاة شفيعةً لا تتعب مستمدّة قوّتها بالمناولة اليومية، كما أصبحت مرآةً لحبّ الله للكثيرين الذين توخوا الإرشاد (عظة التقديس، 21 تشرين الأول2012).
“تبرز صورة العذراء مريم في الإنجيل من خلال تتبع ابنها المتألّم وصولاً الى التضحية الكبرى في الجلجلة. لا تفقد أبداً الرجاء في انتصار الله على الشر،على الألم والموت، وتعرف كيف تستقبل بحنان ملؤه الأيمان والحب، ابن الله المولود في مغارة بيت لحم والذي مات على الصليب. اضيئت ثقتها الثابتة بقدرة الله من خلال قيامة المسيح، التي تعطي رجاءً للمتألّم وتجدّد التأكيد له على قرب الله منه ومواساته له “. (من رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لمناسبة اليوم العالمي الواحد والعشرين للمريض- 11 شباط 2013)
[1] https://www.maronite-evangelization.com/?page_id=996
[2] Monique Touma, psychologue membre de la féderation Suisse des psychologues,
psychotherapeute dans un cabinet de Psychotherapie et de psychiatrie à Lausanne
مونيك توما، عالمة نفس عضو في الاتحاد السويسري لعلماء النفس، معالجة نفسية في عيادة للعلاج النفسي والامراض النفسية في لوزان.