البابا: تشبه الخطيئة حجابًا مُعْتِمًا يغطي وجهنا ويمنعنا من رؤية أنفسنا والعالم بوضوح

النص الكامل لصلاة التبشير الملائكي يوم الأحد 22 آذار 2020

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

إن قلب الليتورجية، في هذا الأحد الرابع من زمن الصوم الأربعيني، هو موضوع النور. يروي الإنجيل (را. يو 9، 1-14) حادثة الرجل الأعمى منذ ولادته، والذي أعاد إليه يسوع البصر. هذه المعجزة هي علامة تؤكد ما قاله يسوع عن نفسه: “أنا نور العالم” (الآية 5)، النور الذي ينير ظلماتنا. يعمل يسوع على مستويين: على مستوى الجسد والروح. إنه يمنح الأعمى أولًا أن يرى بعيني الجسد، ثم يقوده إلى الإيمان “بابن الإنسان” (الآية 35)، أي بيسوع. والآيات التي يصنعها ليست معجزات لإذهال الناس، بل تهدف إلى توصيلهم إلى الإيمان من خلال مسيرة تحوُّل وتوبة في داخل النفس.

أَصرَّ الفريسيون وعلماء الشريعة على رفض الاعتراف بالمعجزة، وطرحوا أسئلة ماكرة على الرجل الذي شُفِي. واجههم الأعمى بقوّة الواقع: “أعرف أمرًا واحدًا: كنت أعمى والآن أنا أُبصر” (آية 25). بين عدم الثقة والعداء في قلوب الذين يحيطون به ويسألونه وهم غير مؤمنين، بدأ الرجل الأعمى مسيرة حملته تدريجًا إلى اكتشاف هوية الشخص الذي فتح عينيه، وإلى الاعتراف والإيمان به. في البداية اعتبره نبيّ (الآية 17)، ثم اعترف به أنه رجل من عند الله (را. آية 33)؛ وأخيرًا قَبِله على أنه المسيح وسجد له (را. الآيات 36- 38). وفهم أن يسوع، إذ منحه البصر، “أظهر فيه أعمال الله” (را. الآية 3).

ليتنا نقوم نحن أيضًا بهذه الخبرة! بنور الإيمان، اكتشف الأعمى هويته الجديدة. إنه الآن “خليقة جديدة”، قادر على رؤية حياته والعالم من حوله في ضوء جديد، لأنه دخل في شركة مع المسيح. لم يعد متسولًا مهمشًا من قبل المجتمع؛ لم يعد عبدًا للعمى وللأفكار المسبقة. مسيرة النور التي بدأها هي صورة ومجاز لمسيرة التحرر من الخطيئة التي نحن مدعوون إليها. تشبه الخطيئة حجابًا مُعْتِمًا يغطي وجهنا ويمنعنا من رؤية أنفسنا والعالم بوضوح. المغفرة التي يمنحنا إياه الله تزيل ستار الظل والظلام وتمنحنا نورًا جديدًا. ليكن الصوم الذي نعيشه الزمن المناسب والثمين للاقتراب من الرّب يسوع، طالبين رحمته، من خلال طرق مختلفة تقترحها علينا الكنيسة الأم.

الرجل الأعمى الذي شُفِي، والذي يرى الآن بعيني الجسد والروح، هو صورة لكل شخص معمد، غمرته النعمة، فبددت الظلمات فيه، ووضعته في نور الإيمان. لكن لا يكفي قبول النور. يجب أن نصير نورًا. كل واحد منا مدعو لقبول النور الإلهي ولإظهاره في حياتنا كلها. قال المسيحيون الأوائل، ولاهوتيون القرون الأولى، أن جماعة المسيحيين، أي الكنيسة، هي “سر القمر”، لأنها تعطي النور، الذي ليس نورها، بل النور الذي تستقبله من المسيح. نحن أيضًا يجب أن نكون “سر القمر”: لإعطاء النور الذي نقبله من الشمس، أي المسيح، الرب. يذكرنا بذلك القديس بولس اليوم بقوله: “سيروا سيرة أبناء النور. فإن ثمر النور يكون في كل صلاح وبر وحق” (أف 5، 8- 9). إن بذار الحياة الجديدة التي وُضعت فينا في المعمودية هي مثل شرارة النار، التي تُطهرنا أولًا، وتحرق الشر الذي في قلوبنا، ثم تسمح لنا بأن نشع ونضيء لغيرنا.

لتساعدنا مريم العذراء الكليّة القداسة لنقتدي بالرجل الأعمى الذي ذكره الإنجيل، حتى يغمرنا نور المسيح ونسير معه على طريق الخلاص.

صلاة التبشير الملائكي

بعد صلاة التبشير الملائكي

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

في أيام المحنة هذه، بينما ترتجف البشرية من تهديد الوباء، أود أن أقترح على جميع المسيحيين أن يوحدوا أصواتهم نحو السماء. أدعو جميع رؤساء الكنائس وقادة جميع الجماعات المسيحية، مع جميع المسيحيين من مختلف المذاهب، للابتهال إلى الله العلّي القدير، عبر تلاوة متزامنة للصلاة التي علمنا إياها ربّنا يسوع المسيح. لذلك أدعو الجميع إلى تلاوة صلاة الآبانا ظُهر يوم الأربعاء 25 مارس/آذار [الثانية عشر ظهرا بتوقيت روما]. في اليوم الذي يتذكر فيه العديد من المسيحيين بشّارة العذراء مريم بتجسد الكلمة، عسى أن يسمع الله الصلاة الجماعية لجميع تلاميذه الذين يستعدون للاحتفال بانتصار المسيح القائم من بين الأموات.

ولنفس الغاية، سأترأس يوم الجمعة المقبل 27 مارس/ آذار 2020، وفي الساعة السادسة مساءً، بعض الوقت من الصلاة في ساحة بازليك القديس بطرس. أدعو الجميع، اعتبارا من الآن، للمشاركة روحيًا من خلال وسائل الإعلام. سنستمع إلى كلمة الله، وسنرفع تضرعنا، وسنجسد للقربان المقدس، الذي سأمنح به في نهاية الصلاة البركة إلى مدينة روما والعالم، مع إمكانية نوال الغفران الكامل.

نريد أن نرد على وباء الفايروس عبر الصلاة الكونية والشفقة والحنان. لنبقى متحدين. لنجعل الأشخاص الأكثر وَحدة والأكثر ألمًا يشعرون بقربنا منهم.

أتمنّى للجميع أحدًا مباركًا. من فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. غداء هنيئًا وإلى اللقاء!

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2020

 

 

Share this Entry

ألين كنعان إيليّا

ألين كنعان إيليا، مُترجمة ومديرة تحرير القسم العربي في وكالة زينيت. حائزة على شهادة تعليمية في الترجمة وعلى دبلوم دراسات عليا متخصّصة في الترجمة من الجامعة اللّبنانية. حائزة على شهادة الثقافة الدينية العُليا من معهد التثقيف الديني العالي. مُترجمة محلَّفة لدى المحاكم. تتقن اللّغة الإيطاليّة

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير