(من كتاب: الأب كابي ألفرد هاشم و الأب غي-ريمون سركيس، أؤمن… وأعترف قراءة معاصرة في الإيمان المسيحي، دراسات لاهوتيّة، دار المشرق 2014).
“لا بدّ من الإقرار بأنّ البشريّة تعيش في انتظار مجيء ابن الله في مجده، حالةً لا يزال يغلب عليها طابع الألم والمعاناة والظلم. فملكوت الله وإن كان حاضرًا سريًّا في الكنيسة التي هي ” نواة وبدء هذا الملكوت على الأرض “[1]، يبقى منحصرًا في أبعاده التاريخيّة في ” الزمن الحاضر الموسوم بسِمة الضيق وامتحان الشرّ “[2]. وأيّ امرئٍ منّا لا يختبر في هذه الدنيا الألم والضيق والحزن، ولا يتملّكه، من حينٍ إلى آخر، الخوف من المرض والوجع والموت، أو يخفى عليه مشهد مآسي البشريّة من حروبٍ ومجازر وكوارث طبيعيّة تحصد آلاف الضحايا الأبرياء؟ أجل إنّ ملكوت المسيح يتجلّى في بعديه السريّ الروحيّ المتكتمل، من جهة، والتاريخيّ الواقعي من جهةٍ أخرى كما أوضح يسوع نفسه لبيلاطس: ” لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم ” (يوحنّا 18: 36). لكنّ جماعة المؤمنين تعلم يقينًا أنّه مهما كان الزمن الحاضر صعبًا، تبقى الكلمة النهائيّة والأخيرة للمسيح الذي غلب الشرّ والموت بالصليب والقيامة. وهي تحيا منذ ذلك الحين الزمن الإسخاتولوجيّ من خلال ما يُسمّى ” الاكتمال الروحيّ المتحقِّق منذ الآن، والاكتمال التاريخي غير المتحقِّق بعد “[3]، ممّا يعني أنّ مُلك المسيح حاضرٌ ومتحقِّقٌ ولكنّه غير مكتملٍ بعد في التاريخ البشريّ. فكنيسة المسيح، على الرغم من آلامها، لا يزال يسكنها الرجاء بأن تكون في نهاية الزمن في ملكوت الآب المجيد ” مع رأسها إلى الأبد “[4]، حيث سبقها ليعدّ لأحبّائه مقامًا[5]. الرجاء المسيحيّ هو إذن ” الرجاء بأمرٍ نهائيٍّ وحاضرٍ في آن، إنّما ننتظر ملء تحقيقه في نهاية الزمن “[6].
[1] المجمع الفاتيكانيّ الثاني، دستور عقائديّ في الكنيسة، 5.
[2] التعليم المسيحيّ، رقم 672.
[3] « Déjà-là et pas encore »
[4] التعليم المسيحيّ، رقم 666.
[5] يوحنّا 14: 1-3
[6] H. U. VON BALTHASAR In: COMMUNIO, Je crois en un seul Dieu, Paris, Communio & Paroles et Silence, 2012, 265.