دينونةُ الله نعمةٌ

الجزء الأول من سلسلة مقالات مأخوذة من كتاب أؤمن وأعترف

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

(من كتاب: الأب كابي ألفرد هاشم و الأب غي-ريمون سركيس، أؤمن… وأعترف قراءة معاصرة في الإيمان المسيحي، دراسات لاهوتيّة، دار المشرق 2014).

  حين يُعلِن المؤمنون إيمانهم بدينونة الله، لا يتصوّرون الله على مثال القضاة الذين يحكمون بقضاياهم، ويصدرون القرارات لحلّ المشاكل على الأرض. كما أنّ المشهد الذي يخطر على بالهم لا يشبه بعض الرسومات المرعِبة مثل تلك التي رسمها ميكيل أنجيلو في معبد سيكستين، لأنّ يسوع المسيح هو الديّان الذي “أَقامَهُ اللهُ دَيَّانًا للأَحياءِ والأَمْوات” (أعمال الرسل 10: 42) وأولاه “سُلطانًا أن يَدينَ لأَنَّهُ ابنُ بَشَر” (يوحنّا 5: 27). ويسوع اختار خلال رسالته أن يعرّف عن نفسه بلقب “ابن الإنسان” أو “ابن البشر”، لارتباطه ارتباطًا وثيقًا بمهمّة الدينونة. وله ” الحقّ الكامل في أن يحكم نهائيًّا على أعمال البشر وقلوبهم لكونه فادي العالم “[1]، الذي يحقّ له أن يدين البشّر لأنّه مخلّصهم. ولذلك حين يُقال إنّ يسوع هو الديّان تتّشح الدينونة بوشاح الرجاء[2]. إنّ دينونته تستند إلى محبّة البشر إلى الغاية، وهذا ما يهب الدينونة في الاعتقاد المسيحيّ وجهًا أبويًّا : ” إِنَّ الَّذي يُحِبُّه الرَّبُّ يُوَبِّخُه كأَبٍ يُوَبِّخُ ابنًا يَرْضى عنه ” (أمثال 3: 12). والعلامة بيّنةٌ في كتاب الرؤيا، حيث يلوم الله كنيسة اللاذقيّة على أعمالها، ثمّ يعلن أنّه سيتقأيّها من فمه لأنّها ليست حارّة ولا باردة بل فاترةً، ولأنّها شقيّةٌ وبائسةٌ وفقيرةٌ وعمياءٌ وعاريةٌ. ثمّ يختم عتابه وملامته بهذا القول الموثِّر: ” إِنَّ مَن أُحِبُّهُ، أُوَبِّخُهُ وأُؤَدِّبُه؛ فكُنْ غَيورًا، وتُبْ! ” (رؤيا 3: 19). فـإنّ ” التأديب من قِبل الديّان هو بمثابة الدواء .”[3]

  لا يخاف المؤمن المسيحيّ من المثول أمام ابن الإنسان، بل يفرح لأنّ الديّان هو نفسه الشفيع عند الآب، ولأنّ القاضي هو نفسه المخلّص: ” إِنْ خَطِئَ أَحدٌ، فَلَنا لَدى الآبِ شَفيعٌ، يَسوعُ المسيحُ البارّ ” (1يوحنّا 2: 1). ” ولا تكون مخافة المسيح الآتي مخافة سليمة إن لم نعاين فيه أوّلاً وأخيرًا أنّه رجاؤنا “[4]، لأنّ ابن الإنسان لم يأتِ ليدين العالم بل ليخلّصه[5]، ولأنّ الله ” لم يَجعَلْنا للسُّخطِ بل لاِقْتِناءِ الخلاصِ بِرَبِّنا يَسوعَ المَسيح ” (1تسالونيكي 5: 9). في رؤيا روحيّة رأى دانيال ابن الإنسان آتيًا على الغمام فكتب بعد وصفه هذا الحدث معلنًا: ” سَتراهُ كلُّ عَينٍ، حتَّى أولئِكَ الذينَ طَعَنوه؛ وسَتَنوحُ بسبَبِهِ جميعُ قبائِلِ الأَرْض ” (دانيال 1: 7). فابن الإنسان الآتي ليدين هو إذن المطعون، أي المصلوب الذي رضي بالموت حبًّا بالبشر. إنّ الديّان ليس إلاّ المخلّص نفسه، وهذا ما يطمئن قلوب المؤمنين.

[1] التعليم المسيحيّ، رقم 679.

[2] J. RATZINGER, Foi chrétienne, 233.

[3] H. U. VON BALTHASAR In: COMMUNIO, Je crois, 250.

[4] K. BARTH, Credo, 159.

[5] يوحنّا 3: 17

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير