Books

Robert Cheaib - www.flickr.com/photos/theologhia

دينونةُ الله نعمةٌ -2

الجزء الثاني من سلسلة مقالات مأخوذة من كتاب أؤمن وأعترف

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

(من كتاب: الأب كابي ألفرد هاشم و الأب غي-ريمون سركيس، أؤمن… وأعترف قراءة معاصرة في الإيمان المسيحي، دراسات لاهوتيّة، دار المشرق 2014).

  يروي الكتاب المقدّس في مواضع أخرى أنّ الأشرار يعاقبون بعد الدينونة ويذهبون إلى العذاب الأبديّ. كما أنّ بعض النصوص يؤكّد أنّ الله عادلٌ ويجازي كلّ إنسانٍ بما يستحقه، وأنّه في اليوم الأخير يعيد الحقّ إلى الفقراء والمنبوذين والمظلومين، ويقوم بفرز البشريّة إلى قسمَين، فاصلاً الخراف، أي الأبرار والصدّيقين، عن الجداء، أي الأشرار والظالمين[1]. وعندها يُجمع الزؤان ويُربط حُزمًا ليُحرَق، ويُجمَع القمح ويؤتى به إلى أهراء الربّ[2]، ويُجمَع السمك الطيّب في سلالٍ ويُطرح السمك الرديء[3].

  إذا كان مصير الأخيار هو السعادة والهناء، فإنّ الأشرار، في المقابل، يُلقون ” في أَتُّونِ النَّار حيث يكونُ البكاءُ وصَريفُ الأَسْنان ” (متّى 13: 50). غير أنّ نصوصًا أخرى تؤكّد أنّ يوم الدينونة هو بُشرى سارة لجميع البشر، لأنّ فيه تقام وليمةٌ يُدعى إليها الجميع في المدينة المجيدة التي تضمّ البشريّة الصالحة. وهذا التباين المحيّر بين النصوص يظهر على سبيل المثال في إنجيل يوحنّا حيث يقول يسوع تارةً إنّ الله ” لم يُرسِلِ ابنَهُ الى العالَمِ، لِيَدينَ العالَمَ، بل ليُخلِّصَ بهِ العالَم ” (يوحنّا 3: 17)، ويجزم تارةً أخرى أنّه جاء ” إلى هذا العالَمِ، للدَّيْنونَة ” (يوحنّا 9: 39).

][

  في المقابل، يؤكّد تعليم الكنيسة أنّ الله يحترم حريّة الإنسان ولا يستخفّ بقراره، وإنّ ” تأكيدات الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة في موضوع جهنّم هي دعوة إلى المسؤوليّة التي يتوجّب على الإنسان أن يستخدم فيها حريّتها في سبيل مصيره الأبديّ. وهي في الوقت عينه دعوة إلى التوبة “[4]. لقد خلق اللهُ الإنسان من أجل بلوغ الفرح الأبديّ بالشركة في الحياة الإلهيّة. في مثل الدينونة العظمى، حين يُجلس الديّان الأبرار والصدّيقين من على يمينه، يقول لهم: ” تَعالَوا، يا مُبارَكي أَبي، رِثُوا المُلْكَ المُعَدَّ لكم مُنْذُ إِنشاءِ العالَم ” (متّى 25: 34). ولكنّ الإنسان قادرٌ في كلّ آنٍ أن يرفض بملء إرادته الخلاص، ويختار بذلك مصير جهنّم لنفسه[5]، معربًا بذلك عن رفضه الحبّ رفضًا مطلقًا[6]. ” أوساخنا لا تلازمنا إلى الأبد إن نحن بقينا مشدودين إلى المسيح، إلى الحقيقة، إلى الحبّ “[7]. ولكن يبقى السؤال الذي يشغل بال اللاهوتيّين: هل يوجد إنسانٌ يغلق بملء حريته وكامل وعيه باب قلبه في وجه محبّة الله اللامتناهية؟ ]…[ تكتفي الكنيسة بالصلاة لكي لا يهلك أحدٌ وتبتهل على لسان المؤمن المتواضع: ” يا ربّ لا تسمح أن أنفصل أبدًا عنك ” لأنّ يقينها أنّ الله يريد أن يخلُص جميع الناس وأن يبلغوا إلى معرفة الحقّ[8].

[1] متّى 25: 31-46

[2] متّى 13: 24-30

[3] متّى 13: 47-50

[4] التعليم المسيحيّ، رقم 1036.

[5] Cf. J. RATZINGER, Foi chrétienne, 222.

[6] Cf. H. U. VON BALTHASAR In: COMMUNIO, Je crois, 376.

[7] بندكتس السادس عشر، خُلِّصنا بالرجاء، 47.

[8] راجع التعليم المسيحيّ، رقم 1058.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير